رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 29 يناير، 2022 0 تعليق

الوقف في تراث الآل والأصحاب (5) أوقـــاف نســـــاء آل بـــيـــــــت النبـيّ – صلى الله عليه وسلم

 

 

هذه سلسلة مقالات نسلط فيها الضوء على أوقاف آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، وعرضِ أنواع الأوقاف ومجالاتها، وآثارها في الدين والمجتمع، مع ذكر جملة من المقاصد الشرعية والفوائد الفقهية في أوقاف النبي -صلى الله عليه وسلم - وأوقاف آله وصحبه -رضي الله عنهم-، جمعنا فيها ما رُوي من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، والدالة على حرص الآل والصحب الكرام -رضي الله عنهم- على الامتثال التامّ لتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بذل المال واحتباس الأصول، وقفًا تنتفع به الأمة الإسلامية، وتنال به عظيم الأجر والثواب.

أوّلاً: أوقاف فاطمة بنت النبيّ - صلى الله عليه وسلم

     ذكر الإمام الشافعيُّ - رضي الله عنه - عند حديثه عن الأوقاف التي آلت إلى ذرّيّة فاطمة -رضي الله عنها-، أنّها أوقفت في حياتها أوقافاً، فقال -كما نقل عنه البيقهي-: «الوقف بالمدينة ومكة من الأمور المشهورة العامة التي لا يحتاج فيها إلى نقل خبر الخاصة، وصدقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي- قائمة عندنا، وصدقة فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وصدقة من لا أحصي من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بالمدينة وأعراضها...».

وقال الإمام الشافعي في «الأم»: «أخبرني محمد بن علي بن شافع قال: أخبرني عبد الله بن حسن بن حسين، عن غير واحد من أهل بيته -أحسبه قال: زيد بن علي-: أنّ فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - تصدّقت بمالها على بني هاشم وبني عبد المطلب، وأنّ عليّاً - رضي الله عنه - تصدّق عليهم وأدخل معهم غيرهم».

أوقاف لنساءِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم

      وذكر الرافعي في شرح الوجيز في معرض حديثه عن أحكام الوقف الصحيح: أنّ فاطمة -رضي الله عنها- أوقفت أوقافاً «لنساءِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولفقراء بني هاشم وبني عبد المطلب»، قال الإمام ابن حجر في (التلخيص): «قوله: «وقفت فاطمة على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وفقراء بني هاشم والمطلب»، ذكره الشافعي بسند فيه انقطاع، إلا أنهم من أهل البيت»، وذكر وقف فاطمة -رضي الله عنها- ابن حزم في معرض تعداده لأوقاف الصحابة -رضي الله عنهم-، وقال: «وحبس عثمان وطلحة والزبير وعلي بن أبي طالب وعمرو بن العاص دورهم على بنيهم، وضياعاً موقوفة، وكذلك ابن عمر، وفاطمة -بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسائر الصحابة، وجملة صدقاتهم بالمدينة أشهر من الشمس، لا يجهلها أحد...(اختصرنا الأسانيد لاشتهار الأمر)».

فهذا النص يدل على أن أوقاف فاطمة -رضي الله عنها- مشهورة شهرة بقية أوقاف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لذا ذكرها أهل الفقه والآثار.

الإشراف على صدقتها مدة حياتها

      وذكر الإمام البيهقي عن الشافعي: أن فاطمة -رضي الله عنها- قد تولّت الإشراف على صدقتها مدة حياتها، ولعل هذه الصدقة كانت معلومة معروفة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لقصر حياتها بعد النبي -صلى الله عليه وسلم -؛ التي لم تتجاوز ستة أشهر، قال الإمام الشافعي: «أخبرنا بذلك أهل العلم من ولد فاطمة وعلي وعمر ومواليهم، ولقد حفظنا الصدقات عن عددٍ كثيرٍ من المهاجرين والأنصار، لقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم: أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا، ينقل ذلك العامة منهم عن العامة، لا يختلفون فيه، وأن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات كما وصفت...».

     وهذا النّقل يُفضي بنا عند البحث في ثبوت هذه الأوقاف، إلى أنّ الأرجح أنّه يُكتفى في إثباتها بالنّقل التاريخيّ العامّ، وهي شواهدُ محسوسةٌ أدركَتْها أجيال كثيرة العدد من النّاس، وتوارثَ الولاية عليها أعقابٌ كثيرةٌ من ذريّة الواقفين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته، فلا يقدح في ثبوتها ما نقلناه آنفاً من حكم الحافظ ابن حجر العسقلانيّ على سند الشافعيّ بالانقطاع، فإنّ ما كان من هذا السبيل لا يُرتَهَن ثبوتُه بسندٍ خاصّ، بل يُروى روايةً عامّةً في جملةِ التاريخ المتواتر، يدلُّ على ذلك عبارة الشافعيّ رحمه الله السابقة: «لقد حكى لي عددٌ كثيرٌ من أولادِهم وأهليهم: أنّهم لم يزالوا يَلُونَ صدقاتِهم حتى ماتوا، ينقل ذلك العامة منهم عن العامة، لا يختلفون فيه...». اهـ

ثانياً: أوقاف أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم

وقف أم المؤمنين أم حبيبة  -رضي الله عنها

روى الخصّاف بسنده إلى عبد الله بن بشر: «قال: قرأت صدقة أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - التي بالغابة، أنها تصدقت على مواليها، وأعقابهم، وعلى أعقاب أعقابهم، حبسًا لا تباع ولا توهب ولا تورث تخاصم من يورثها فأنفذت».

وقف أم المؤمنين صفية - رضي الله عنها

روى الخصّاف بسنده إلى منبت المزني قال: «شهدت صدقة صفية بنت حُيَيّ -رضي الله عنها- بدارها لبني عبدان صدقة حبسًا لا تباع ولا تورث حتى يرث الله -عز وجل- الأرض ومن عليها».

وقف أم المؤمنين عائشة  -رضي الله عنها

روى الخصاف بسنده إلى هاشم بن أحمد: «أنّ عائشة -رضي الله عنها- اشترت دارًا، وكتبت في شرائها: إني اشتريت دارًا، وجعلتها لما اشتريتها له، فمنها مسكن لفلان ولِعَقبه ما بقي بعده إنسان، ومسكن لفلان (وليس فيه: ولِعَقبه)، ثم يرد بعد ذلك إلى آل أبي بكر».

وقف أم سلمة -رضي الله عنها

روى الخصّاف بسنده عن موسى بن يعقوب عن عمّته عن أبيها قال: «شهدت صدقة أم سلمة -رضي الله عنها- (زوج النبي) -[- صدقة حبسًا لا تُباع ولا تُوهب».

مجالات الوقف عند آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنواعه

     إنّ من الأمور المهمّة لتصوُّر مكانة الوقف ومنافعه وقيمته في مرحلةٍ زمنيّةٍ ما، معرفةَ الوجوه التي اعتنى الواقفون بالوقف عليها، والمراد بالوجوه: الجهات والمصارف، فإنّ هذه المعرفة مع ما تقدّمه من الإضاءة التاريخيّة على طبيعة الحاجات والصعوبات الاجتماعيّة التي اهتمّ أثرياء الصحابة بمعالجتها وإعانة إخوانهم المسلمين على اجتيازها، فإنّها أيضاً تعين على إدراك منزلةِ الوقف في الحياة الاجتماعيّة عموماً، وما تعلّق به بالنسبةِ للواقفين من آمالٍ أخرويّة تتعلّق بالسعي إلى رضوان الله وطلب الأجر والحرص على جريان الثّواب بعد الموت، هذه الثنائيّة التي يمتازُ بها تصوُّر المسلم عن غيره لطبيعة هذا الوجود في الحياة الدنيا.

 

 

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك