رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 30 ديسمبر، 2021 0 تعليق

الوقف في تراث الآل والأصحاب (3) الوقف في حياة الآل والأصحاب رضوان الله عليهم

 

هذه سلسلة مقالات نسلط فيها الضوء على أوقاف آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، وعرضِ أنواع الأوقاف ومجالاتها، وآثارها في الدين والمجتمع، مع ذكر جملة من المقاصد الشرعية والفوائد الفقهية في أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوقاف آله وصحبه -رضي الله عنهم-، جمعنا فيها ما رُوي من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، والدالة على حرص الآل والصحب الكرام -رضي الله عنهم- على الامتثال التامّ لتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بذل المال واحتباس الأصول، وقفًا تنتفع به الأمة الإسلامية، وتنال به عظيم الأجر والثواب.

أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم 

     النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس في بذل الخير والصدقة، وقد أفرد أهل العلم أبواباً خاصة في بيان صدقاته وإنفاقه في الخير؛ فكان - صلى الله عليه وسلم - سبَّاقًا إلى الصدقة، قال ابن القيم -رحمه الله-: «كان - صلى الله عليه وسلم - أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه لله -سبحانه وتعالى- ولا يستقله، وكان لا يسأله أحد شيئاً عنده إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيراً، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة».

أول الواقفين في الإسلام

     وقد حرص نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - على أن يجعل جُلّ ما يملك وقفاً لله -تعالى-، فكان أول الواقفين في الإسلام، فقد بدأ بنفسه - صلى الله عليه وسلم -؛ فأول صدقة موقوفة في الإسلام كانت - على الراجح- أراضي مخيريق؛ فقد رجح كثير من أهل العلم أن أول صدقة جارية (وقف) في الإسلام هي صدقة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقد حرص - صلى الله عليه وسلم - أن يبدأ بنفسه.

أول صدقة موقوفة في الإسلام

     قال الحافظ في الفتح: وفي مغازي الواقدي أن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي مخيريق التي أوصى بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقفها النبي - صلى الله عليه وسلم »، وأورد ابن سعد في طبقاته عن محمد بن كعب القُرظي أنه قال: « كانت الحُبُسُ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبس سبعة حوائط بالمدينة: الأعوان، والصافية، والدلال، والميثب، وبرقة، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم، قال ابن كعب: وقد حبس المسلمون بعد على أولادهم وأولاد أولادهم»، وعن مالك بن أَوس بن الحدثان، قال: فِيمَا احتجَّ به عمر - رضي الله عنه - أنه قال: «كانت لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ثلاثُ صَفَايَا: بنُو النَّضير، وخيبر، وفدك. فأما بنو النَّضير فكانت حُبُسًا لنوَائبه، وأما فَدَكُ فكانت حُبُسًا لأبنَاءِ السَّبيلِ، وأَمَّا خيبر فجزّأَهَا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ثلاثة أجزَاءٍ: جُزأينِ بين المسلمين، وجُزءًا نَفقةً لأهله، فما فضَلَ عن نفقة أهله جعلهُ بين فُقراء المُهاجرين»، قال النووي -رحمه الله-: «الأرض التي كانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر وفدك فقد سبَّلها في حياته، ونجز الصدقة بها على المسلمين»، ومن وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - ما خصّه لابن السبيل، فعن عمرو بن الحارث قال: «ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديناراً ولا درهما ولا عبداً ولا أمة، إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه، وأرضًا جعلها لابن السبيل صدقة».

اختصاص رسول الله في أرض الحجاز

قال الماوَرْدي: «... أرض الحجاز تنقسم لاختصاص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفتحها قسمين:

- أحدهما: صدقات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي أخذها بحقَّيْهِ، فإنّ أحدَ حقَّيْهِ خُمُسُ الخُمُسِ من الفيء والغنائم.

- والحقّ الثاني: أربعة أخماس الفيء الذي أفاءه الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فما صار إليه بواحدٍ من هذين الحقَّيْن، فقد رضخَ منه لبعض أصحابه، وترك باقيه لنفقته وصِلَاتِه ومصالح المسلمين، حتى مات عنه - صلى الله عليه وسلم -، فاختلف الناس في حكمه بعد موته، فجعله قوم موروثًا عنه ومقسومًا على المواريث ملكًا، وجعلَه آخَرون للإمامِ القائمِ مقامَه في حمايةِ البَيْضَةِ وجهادِ العدوّ.

صدقات النبي - صلى الله عليه وسلم - الثمانية

والذي عليه جمهورُ الفقهاءِ أنّها صدقاتٌ محرَّمةُ الرّقاب، مخصوصةُ المنافعِ، مصروفةٌ في وجوه المصالح العامّة... فأمّا صدقاتُ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فهي محصورةٌ؛ لأنه قُبض عنها فتعيّنت، وهي ثمانية...» ثمّ عدّها، وهي:

1- أموالُ مخيريق، وهي سبعُ حوائط كما سبق.

2- أرضُه من أموالِ بني النّضير، وهي أوّل مالٍ أفاءَه الله عليه.

3- ثلاثة حُصون، من حصون خيبر الثمانية.

4- النّصف من فَدَك.

5- وقد بلغَت قيمة هذا النّصف ستّين ألف درهم بتقويمِ مالك بن التيّهان وسهْل بن أبي حَثْمَة وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-، قال الماوردي: «فصار نصفُها من صَدَقاتِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ونصفُها الآخَر لكافّة المسلمين، ومصرفُ النّصفَيْن الآن سَواء».

6- الثلث من أرض وادي القرى.

7- موضعُ سوقٍ بالمدينةِ يقالُ له (مهروذ).

     ولهذا كان الإقبال والحرص الشديد من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وقف أنفس ما يملكون، فشجرة الأوقاف الخيرية تمتد جذورها إلى رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - القدوة لصحابته، وقد بادر بالوقف، وجعل مصارفه فيما يُصلح الدين والدنيا، وحينما كان يحث صحابته على فعل الخير فإنه كان يسبقهم بالفعل والعمل.

 

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك