الوضوء إشراقة وضياء
الوضوء مأخوذ من «الوضاءة».. وهي الإشراقة والضياء والنور والصفاء والحسن والنظافة، وهي الحالة التي يكون عليها باطن المتوضئ وظاهره حينما يتوضأ؛ فهو علامة الإيمان.. قال[: "ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"رواه ابن ماجة .
أيها المسلمون.. منزلة الوضوء في الإسلام منزلةٌ عالية؛ فهو نصف الإيمان كما في صحيح مسلم : أن النبي[ - قال : "الطهور شطر الإيمان".. الوضوء عبادةٌ مستقلةٌ وقربةٌ كاملة حتى ولو لم تعقبه صلاة.. إن الأمر ليس مجرد غسلٍ للأطراف وإزالة للأقذار.. إنه أعلى وأجل؛ فالوضوء عبادة، والوضوء محوٌ للذنوب، وكفارةٌ للخطايا، ورفعةٌ للدرجات، وسببٌ لدخول الجنة، وحرزٌ من الشيطان، وحفظٌ من الشرور، ومنافع للقلوب والأبدان.
وهاكم أيها المتوضئون طائفة من أقوال النبي[ - فيها البشارة والتحريض:
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله[ قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئةٍ كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئةٍ مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيًّا من الذنوب" رواه مسلم.
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله[: "من توضأ فأحسن الوضوء؛ خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره " رواه مسلم .
وعنه - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله[: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاةٌ مكتوبةٌ فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله" رواه مسلم .
وفي صحيح مسلم أيضا: أن النبي[ قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط، فذلكم الرباط" .
وفي الصحيحين: أن النبي[ توضأ ثم قال: "من توضأ مثل وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يُحَدََّث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه" .
أيها المسلمون.. أيها المتوضئون .. الوضوء سِيماء المؤمنين وشعار هذه الأمة بين العالمين، وقد قال رسول الله[: "إن أمتي يُدْعَوْن يوم القيامة غُرًّا محجلين من آثار الوضوء" رواه البخاري ومسلم.
وفي الصحيحين أيضا : أن النبي[ قال: "أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء؛ فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله".
وفي صحيح مسلم: " ترِدُون علي غرًّا محجلين من آثار الوضوء ليست لأحدٍ غيركم".. وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يمد يديه ويقول: سمعت خليلي[ يقول: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".
عباد الله.. الوضوء ينشط الجوارح ويزيد حركة الدم في البدن ويعيد فيه قوته ونشاطه وحيويته، ويوقف العبد أمام ربه بطهارةٍ وروح عالية، ويجلب محبة الله للعبد: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة: 222).، وفي سورة التوبة: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين}َ (التوبة: 108).
وأعظم ما يُشترط له الوضوء: الصلاة، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.. والوضوء مفتاحها، ولا يقف المتعبد في محراب الصلاة إلا متوضئا؛ ففي الصحيحين: أن النبي[ قال : "لا تُقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".. وفي صحيح مسلم: أن النبي[ قال: "لا تقبل صلاةٌ بغير طهور ولا صدقةٌ من غلول".
وفي الأمر بالوضوء وصفته يقول الله - عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَين...ِ} الآية، وهذه من أعظم آيات الأحكام كما قال ابن تيمية - رحمه الله - وقال ابن العربي - رحمه الله -: «فيها ألف مسألة»، وصدقوا.. فإن فيها من الأحكام والحكم ما لا ينقضي منه العجب.. ومنه صفة الوضوء، وهو: غسل الوجه مع المضمضمة والاستنشاق، ثم غسل اليدين إلى المرفقين، ثم مسح الرأس والأذنين ، ثم غسل الرجلين إلى الكعبين كما توضا النبي[، فعن حمران مولى عثمان: أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - دعا بوضوء فتوضأ؛ فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله[ توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله[: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسه غُفِر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري ومسلم .
هذه هي صفة الوضوء الكاملة، التي ينبغي على المسلم العناية بها، وأن يستوعب جميع أجزاء أعضاء الوضوء بلا إهمال ولا وسواس.. وقد رأى النبي[ من تعجل في الوضوء فبقي في عقِبِه شيءٌ لم يصله الماء فقال: "ويلٌ للأعقاب من النار.. أسبغوا الوضوء" مخرج في الصحيحين، وفيه أيضا: "ويلٌ للعراقيب من النار" .
وثبت أن النبي[ توضأ وغسل أعضاءه مرة مرة، وتوضأ أخرى فغسلها مرتين مرتين، وتوضأ أخرى فغسل أعقابه ثلاثًا ثلاثًا، وقال: "هكذا الوضوء؛ فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم " حديث صحيح رواه النسائي وابن ماجة.. ومنه يُعلم أن الزيادة على الثلاث وسوسةٌ من الشيطان وغلوٌّ وتنطعٌ وإسرافٌ منهيٌّ عنه، والشيطان حريصٌ على إفساد عبادة الإنسان بالغلو والوسوسة.. قال الحسن البصري - رحمه الله -: «إن شيطانًا يضحك بالناس في الوضوء يقال له الولهان».
وإن مما تقطع به الوسوسة: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وكذلك نضح الفرج بالماء بعد الوضوء - كما ثبت في الصحيح - حتى يعلم أن البلل من الماء لا من البول فيقطع طريق الوسواس .
أيها المسلمون.. أيها المتوضئون.. وإذا ختم المسلم وضوءه بالشهادتين فُتِحت له أبواب الجنة؛ عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: "كانت علينا رعاية الإبل ، فجاءت نوبتي فروّحتها بعشي ، فأدركت رسول الله[ قائما يحدِّث الناس، فأدركت من قوله: "ما من مسلمٍ يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلًا عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة ".. قال: فقلت: ما أجود هذا، فإذا قائمٌ بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر، فقال: إني رأيتك جئت آنفا قال: "ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبد الله ورسوله» إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيِّها شاء" رواه مسلم. وفي رواية صحيحة عند أبي داود : "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}َ (المائدة: 6).
أيها المسلمون.. فإن الوضوء ليس مرتبطًا بالصلاة وحسب، بل هو مشروعٌ في مواطن كثيرة مندوبٌ إليه في كل حال؛ فهو مشروعٌ عند النوم كما في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي[ قال له: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة...." الحديث متفق عليه .. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي] أنه قال: "من بات طاهرًا بات في شعاره ملكٌ، فلا يستيقظ من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك كما بات طاهرا" أخرجه أحمد والطبراني في «الكبير».
كما أنه مشروعٌ عند الاستيقاظ من النوم، كما في حديث: "يعقد الشيطان على ناصية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد..." الحديث .
ومشروعٌ عند الغضب لإخماد ثوران النفس وإطفاء حرارتها ودحر الشيطان، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد: أن النبي[ قال: "إذا غضب أحدكم فليتوضأ".
كما يشرع للجنب إذا أراد أن يجامع أهله مرة أخرى أن يتوضأ؛ فإن ذلك خيرٌ له وأنشط لبدنه ونفسه، كما قال النبي[: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ" رواه مسلم .. بل حتى إذا أراد الجنب أن يأكل أو ينام قبل الاغتسال فيسن له أن يتوضأ؛ كما قالت عائشة - رضي الله عنها - : "كان رسول الله[ إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة " رواه مسلم .
اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين.
لاتوجد تعليقات