رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد 3 ديسمبر، 2019 0 تعليق

الوشم فطرة منتكسة وتشويه أثيم


التجمل والتَّزين من الأمور التي شرعها الله -سبحانه وتعالى- ورغَّب فيها، وحثَّ عليها، قال -تعالى-: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعراف:31)، وقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على أن الزّينة والتزين من الأمور التي جُبلت عليها المرأة خاصَّةً وفُطِرت عليها، قال -تعالى-: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}(الزخرف: 18)؛ فحب الزينة والتجمل أمر مغروس في أصل خلقة المرأة، بل هو أيضاً مطلب فطري إنساني، يدخل فيه الرجال مع النساء، بمقدار لا يخل بمقتضيات الرجولة؛ فلذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال إلى ترتيب شعورهم، وتحسين ثيابهم ونعالهم، وتطيبهم بالطيب، والمداومة على السواك، في أحاديث كثيرة معروفة غنية عن البيان.

تجمل الرجال والنساء

     هناك عشرات الأحاديث النبوية التي تحث الرجال على التجمل وتحسين المظهر والاعتناء بالجسد، كما يقرر القرآن الكريم في شأن المرأة، أنها مفطورة على حب التجمل والتزين، لكنه أيضاً يضع لها من الأحكام ما يضبط هذه الفطرة ويُهذِّبُها، وربما جاءت الضوابط الشرعية للتزين والتجمل في جانب النساء أكثر مما هي في جانب الرجال، وربما جاءت مغايرة لها أيضاً في بعض الأحيان؛ لأن للمرأة عناية أكبر بالزينة والتجمل على خلاف الرجل.

الحدود المشتركة للزينة والتجمل

إذا كان الأمر على هذا النحو في شأن الزينة والتجمل؛ فإن هناك حدوداً مشتركةً، ينبغي على كل من الرجل والمرأة مراعاتها، من غير تفريق بينهما في هذا الباب، ومن ذلك:

أولاً: عدم التشبه

     عدم تشبه الرجال بالنساء، وعدم تشبه النساء بالرجال؛ وذلك من باب احترام الكينونة الخاصة التي خلق الله عليها كُلاًّ منهما؛ فلا ينبغي للرجل أن يعتدي على فطرته؛ فيلبس ما تختص المرأة بلبسه، أو يفعل ما تختص النساء بفعله، في مشي، أو تحدث، أو سلوك، كذلك لا ينبغي لها أن تعتدي على فطرتها؛ فتتشبه بالرجل فيما هو مختص به في شكله، أو كلامه أو سلوكه. ودليل ذلك حديث: «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» (رواه البخاري). 

ثانياً: عدم الغش والتدليس

     فلكل من الرجل والمرأة أن يتجمل في الحدود التي لا تصل إلى حد الغش والتدليس؛ فالتجمل الذي يصل إلى حد إخفاء الحقيقة التي عليها الشخص في موطن، أو موقف يستلزم إظهار الحقيقة، يعد من قبيل التدليس والغش، كما هو الشأن في حالة الزواج، أو الترشح لبعض الأعمال التي تتطلب مواصفات جسدية معينة في المتقدم لها؛ فلا يجوز تعمد إخفاء ما عليه حقيقة الوضع الذاتي للشخص باستعمال وسائل تمنع ظهور الحقيقة.

ثالثاً: عدم تغيير الخلقة

     فلذلك حرم الإسلام وصل شعر الرأس بغيره، والنمص، والوشم؛ فجاء في الحديث الشريف: عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله»، قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن؛ فأتته فقالت: «ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات، للحسن المغيرات خلق الله؛ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله[؟ وهو في كتاب الله؛ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته؛ فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله -عز وجل-: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر: 7)؛ فقالت المرأة: فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن، قال: اذهبي فانظري، قال: فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئا؛ فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئا، فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها». (رواه البخاري ومسلم).

استثناءات تدعو إليها الحاجة

 هناك أعضاء حيوية في الجسم، يحصل بفقدها نقص في أداء الإنسان لوظيفته في الحياة؛ فحين يستعين الإنسان بأجهزة تعويضية تساعده على ممارسة حياته، ومزاولة نشاطاته بانسيابية أكثر؛ فإن الشرع الحكيم لا يمنع من ذلك، ولو كانت هذه الأجهزة في شكل العضو المفقود نفسه، أو على هيئته، بل ولو كانت مادة ذلك العضو التكميلي محرمة بحسب الأصل؛ فإنها تباح في هذا الموضع للضرورة، إذا تعينت ولم يقم مقامها مباح بكفاءة؛ ولذلك رخص الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابي أن يتخذ أنفاً من ذهب، روى ذلك الإمام أحمد -رحمه الله- بسنده إلى الأشهب، عن عبد الرحمن بن طرفة، أن جده عرفجة أصيب أنفه يوم الكُلاب في الجاهلية؛ فاتخذ أنفا من وَرِق، فأنتن عليه؛ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب، قال يزيد: فقيل لأبي الأشهب: أدْرَكَ عبدُ الرحمن جدَّه؟ قال: نعم». (رواه أحمد وصححه الألباني في المشكاة برقم:4400).

الوشم اعتداء وتشويه

     الوشم اعتداء على الفطرة، وتشويه للخلقة؛ ولذلك جاءت النصوص الشرعية قاطعة في تحريمه، قال النووي -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم: «الواشمة بالشين المعجمة فاعلة الوشم، وهي أن تغرز إبرة، أو مسلة، أو نحوهما في ظهر الكف، أو المعصم، أو الشفة، أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل، أو النورة؛ فيخضر، وقد يفعل ذلك بدارات ونقوش، وقد تكثره وقد تقلله، وفاعلة هذا واشمة، والمفعول بها موشومة؛ فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة، وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها باختيارها، والطالبة له، وقد يُفعل بالبنت وهي طفلة؛ فتأثم الفاعلة ولا تأثم البنت لعدم تكليفها حينئذ، قال أصحابنا: هذا الموضع الذي وُشم يصير نجسا؛ فإن أمكن إزالته بالعلاج، وجبت إزالته، وإن لم يمكن إلا بالجرح؛ فإن خاف منه التلف، أو فوات عضو، أو منفعة عضو، أو شيئا فاحشا في عضو ظاهر، لم تجب إزالته؛ فإذا بان -يعني الضرر بحصول التلف أو فوات منفعة العضو- لم يبق عليه إثم -يعني في تركه للوشم-، وإن لم يخف شيئا من ذلك ونحوه، لزمه إزالته ويعصي بتأخيره، وسواء في هذا كله الرجل والمرأة والله أعلم».

التاتو أضل وألعن

     فهو لون حديث من ألوان الوشم؛ فلقد ظل الوشم بدائياً حتى أواخر القرن التاسع عشر، حين اخترع الأمريكي (صامويل أوريلي) جهازا سماه: (تاتو) يعمل على الكهرباء، ويعتمد في الوشم على الإبر التي تقوم بإدخال مادة من الحبر تحت الجلد لكتابة رموز، وكلمات، أو رسم رسومات ذات دلالات خاصة بصاحبها، وفي كل الحالات يكون الوشم دائماً؛ لأن البقع والألوان المستخدمة في الوشم مواد خاملة؛ فتصبح جزءاً دائماً من مكونات خلايا البشرة.

الرسم على الجلد

     قد يطلق بعضهم على الرسم السطحي على الجلد مسمى التاتو أيضاً، وقد بين عديد من أهل العلم أنه يختلف في الحكم عن الوشم بالنسبة للمرأة دون الرجل؛ لأن زينة الرجل ما ظهر ريحه وخفي لونه، كما جاء في الحديث (رواه الترمذي والنسائي وقال الألباني صحيح في المشكاة برقم:4443)، أما المرأة؛ فيباح لها الرسم، لكن بشروط منها: أن يكون بمادة طاهرة كالحناء، ومأمونة طبياً، ومؤقتة، ولم تكن ثمة مخالفة شرعية بظهور عورة، أو اطلاع أجنبي على مُحرَّمٍ، ولم يكن ثمة تشبه بالكفار، أو تشبه بالرجال، أو مُثلة  (أي تشويه)، كما هو الحال في رسم الحيوانات على وجوه الأطفال؛ فهو محرم؛ لما فيه التشويه والضرر.

مخاطر الرسم على وجوه الأطفال

     أصدرت هيئة الغذاء و الدواء الأمريكية (FDA)، تحذيرا من مخاطر الرسم على وجوه الأطفال؛ لما قد تسببه من أعراض خارجية مثل: حساسية الجلد، والربو الشعبي، فضلا عن أعراض داخلية، قد تصل إلى الجهاز العصبي، نتيجة امتصاص بعض العناصر الكيميائية الضارة، وقد ثبت أن الكثير من الألوان المستخدمة في الرسم على الوجه تحتوي عموما على بعض العناصر المعدنية الثقيلة، ومن أهمها الرصاص.(نقلاً عن الموقع الإلكتروني للدكتور محمد عبد المنعم استشاري طب الأطفال http://kiddie-pediatrics.com/).

الإعجاز التشريعي في تحريم الوشم

     تشير الأبحاث العلمية الحديثة إلى خطورة الوشم من الناحيتين الصحية والسلوكية على الإنسان، ومن ذلك ما سجله الباحث شوقي بهنام، بجامعة الموصل؛ حيث نقل عن دراسة أجريت في الولايات المتحدة، تناولت شبابا يرسمون الوشم على أجسادهم، أن معظم أفراد العينة، التي بلغت ٤٥٤ شخصا أصيبوا بعدوى بكتيرية، بسبب الجروح، والخدوش الناجمة عن هذه العملية، وتؤدي إلى العدوى بفيروس التهاب الكبد الوبائي، أو فيروس الإيدز. هذا من الناحية الصحية، أما من الناحية السلوكية؛ فقد اقترنت ظاهرة الوشم أو الكتابة على الجسد بسمعة أخلاقية بغيضة، وقد أشار إلى أبحاث أخرى جاء فيها: «أن النواحي النفسية العميقة التي تتضمنها ممارسة الوشم، هو أنه نوع من (المازوخیة) أي التلذذ بالألم الجسدي، وأيضا يتضمن رفضا للجسد ومشاعر النقص، فضلا عن الرغبة في لفت انتباه الآخرين وحب الظهور والتميز والتفرد، كما أن الرغبات الاستعراضية الجسدية، تبدو واضحة من خلال كشف أجزاء من الجسم، لا تكون مكشوفة عادة، وفي ذلك استعراض، ونرجسية، وإغواء جسدي بالنسبة للرجل والمرأة معا».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك