رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني 30 ديسمبر، 2013 0 تعليق

الوسطية في طاعة ولي الأمر ولزوم الجماعة

من المعلوم عقلا ونقلا ونظرا واعتبارا أن الناس لا صلاح لهم إلا بأمير يسوسهم، ولا إمارة دون قوة، ولا قوة دون سمع وطاعة. ولما كان الإنسان مدنيا بالطبع ويستوحش من الشذوذ والانفراد، ويستأنس بالاجتماع والاقتراب، كان لابد للناس من وجود من يرجعون إليه في دينهم ودنياهم، ومن وجود من ينصف المظلوم، ويرد الحقوق لأهلها، وإلا فسد أمرهم، وأكل قويهم ضعيفهم.

     ولذا فقد أنزل العليم الخبير منهجا تعيش به الأمم والطوائف والأفراد حتى يستمر أمرهم ويقوى شأنهم، إلا أن الناس سلكوا في هذا الباب مسالك عدة: فهناك طائفة تجاري الحكام في كل ما جاؤوا به، فتحل لهم ما حرم الله وتحرم ما أوجب الله، وتبيح ما حظر الله وتحرف الدين، وتعطل معالمه وتطمسها تبعا لشهوات ملوكهم وقادتهم، ويجعلون ما رآه الحاكم هو الأصل، وكل ماعداه يجب أن يكون تبعا له، واستدلوا بعمومات من الأدلة، ووضعوها في غير موضعها، أو أهملوا قيودها وضوابطها، والغالب على من وقع في ذلك أنه ممن آثر الدنيا على الآخرة، وباع دينه بدنيا غيره، أو بعرض زائل عما قليل، ونعوذ بالله من حال هؤلاء ومن حال ممن يجادلون بالباطل عن الذين يختانون أنفسهم.

     وهناك طائفة قابلت الطائفة السابقة، فرأت من ظلم الحكام ما رأت، فلم تصبر نفوسها على احتمال هذا الظلم، فسارعت إلى تكفيرهم وإعلان الخروج عليهم ودعت الناس إلى مباغتتهم والانقضاض عليهم وعلى من يتبعهم، حتى أفتوا بقتل أو هجر من كشف خطأ مذهبهم بالدليل والبرهان، وجعلوه من علماء السلطان ورموه بالقبائح.

وآثار هاتين الطائفتين على ضياع الدين واندثاره وطمس معالمه، وتسلط أعدائه لا تخفى على عاقل.

     فالطائفة الأولى ممن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا، بل اتخذوا بعض فجارهم من دون الله، وهلكوا بسبب شهواتهم، والثانية من الخوارج المارقين الذين هلكوا بسبب شبهاتهم.

وهناك طائفتان سلكتا مسلك الإفراط والتفريط وإن كانت من أهل السنة:

     فإحداهما لا تنادي بالخروج المسلح على الحكام، ولكن سلكت مسلك التهييج والإثارة، وذكر مثالب الحكام، حتى أوغرت الصدور، وهونت من أمر الخروج المسلح شاءت أم أبت.

     والثانية بالغت في عكس ما ذهبت إليه هذه الطائفة، حتى أصبحت لا تعطي أمر الحاكمية حقا في النظر، وترى أن أي تحذير من الوقوع في المنكرات العامة من وسائل الخروج على الحكام، وتصنف العلماء وطلاب العلم والخطباء بهذا المعيار، مع أنها بالغت في التشهير بأهل العلم والفضل بلا خطام ولا زمام.

     والحق وسط بين هذه الفرق على اختلاف درجات انحرافها، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة؛ إذ عملوا بالنصوص الدالة على السمع والطاعة في المعروف دون المعصية، فخالفت الفرقة الأولى، وعملت بالنصوص الدالة على الحرص على الجماعة والنصح بالمعروف والصبر على الأذى، فخالفت الفرقة الثانية وعملت بالنصوص الدالة على الرفق في الأمر والنهي، والقواعد الدالة على سد الذرائع والحذر من الوسائل الموصلة للسوء، وأدركت أمر الكلام في إيغار الصدور، وأثر التكتلات السرية في ذهاب القوة والهيبة، فخالفت الفرقة الثالثة وعملت بنصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع مراعاة ضوابط ذلك في الحال والمآل، وأدركت أن الدفاع بالباطل عن الحكام وخيم العاقبة، كما أن الخوض بالباطل في أعراض العلماء ذهاب للدين، فخالفت الفرقة وعملت بمنهج الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وبطريقة أئمة المذاهب والأمصار، فنفع الله بهم واستمر خيرهم، وقاموا بالدين من جميع جوانبه، علماً وتعليماً، وقضاء وجهادا، وتربية وسلوكا، وصدا للشبهات والشهوات، فكانوا أهل السنة والجماعة حقا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك