رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ أحمد المرابط 8 سبتمبر، 2020 0 تعليق

الوسطية الإسلامية (2)

ما زال الحديث موصولا عن مفهوم الوسطية في الإسلام، وقد ذكرنا أن الله -سبحانه- جعل شريعته وسطية ناكبة عن طرفي الإفراط والتفرىط، وذكرنا نماذج عدة لهذه الوسطية، منها: الوسطية في العقيدة، والوسطية في العبادة، والوسطية في الحكم على العصاة، والوسطية في التعامل مع ولاة أمور المسلمين، واليوم نكمل ما بدأناه.

النقطة الخامسة

الوسطية في تعامل المسلمين مع بعضهم

     الوسطية الإسلامية في تعامل المسلمين فيما بينهم، تتمثل في تعاونهم على البر والتقوى؛ لقوله -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة)، قال ابن كثير في تفسيره: يأمر -تعالى- عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم والمحارم، قال ابن جرير: الإثم: ترك ما أمر الله بفعله، والعدوان: مجاوزة ما حد الله في دينكم، ومجاوزة ما فرض عليكم في أنفسكم وفي غيركم.

     وقد روى الإمام أحمد قال: «حدثنا هشيم، حدثنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن جده أنس بن مالك قال: قال رسول الله: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل: ىا رسول الله، هذا نصرته مظلوما، فكيف أنصره إذا كان ظالما؟ قال: تحجزه تمنعه ؛ فإن ذلك نصره»، انفرد به البخاري من حديث هشيم به نحوه، وأخرجاه من طريق ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قيل: ىا رسول الله، هذا نصرته مظلوما، فكيف أنصره ظالما؟ قال: تمنعه من الظلم، فذاك نصرك إياه.

موالاة بعضهم لبعض

     وتتمثل الوسطية أيضا: في موالاة بعضهم لبعض ؛ عملا بقوله -تعالى-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 71)، وفي كونهم على المثل الذي ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث قال فيما رواه الشيخان - واللفظ لمسلم من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر»، وروى الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري -رضي عنه- مرفوعا: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه»، وفي كونهم معتصمين بحبل الله مجتمعين غير متفرقين، متآلفين غير متنافرىن، لقوله -تعالى-:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران)، قال ابن كثير في تفسيره: «وقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران) ؛ قيل: بحبل الله، أي: بعهد الله كما في حديث علي - رضي الله عنه - مرفوعا في صفة القرآن: «هو حبل الله المتين، وصراطه المستقيم».

     وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاثًا، يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّى اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ.

النقطة السادسة:الوسطية الإسلامية في تعامل المسلمين مع غيرهم

     وتتمثل في التفرقة في المعاملة بين المسالمين منهم وغير المسالمين؛ الذين احتلوا بلاد المسلمين وانتهكوا المحرمات المقدسة، وقتلوا وشردوا واضطهدوا، فهم حرب على الإسلام والمسلمىن، أما المسالمون فالوسطية الإسلامية لا تمنع مجاملتهم ومعاملتهم في القواسم الإنسانية المشتركة ؛ لقوله -تعالى-: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}، بل الوسطية الإسلامية تفرض الاجتهاد في الحصول على المنافع التي عندهم مع كامل التحفظ من موارد الخلاف الديني ؛ لأن إهمال منافعهم عجز وتواكل منهي عنهما، بقوله -تعالى-: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} (الأنفال: 60)، وبما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان، رواه مسلم.

     وتفرض الوسطية الإسلامية: مراعاة عهد وذمة المعاهدىن والذميين، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا».

النقطة السابعة: الوسطية الإسلامية في التعامل مع نصوص الوحي

     وتتمثل الوسطية الإسلامية في التعامل مع نصوص الوحي في فهم النصوص وإفهامها وتطبيقها وفق منهج أصحاب القرون السابقة إلى الإسلام، وفي مراعاة فقه الموازنات في باب الضرورات والحاجات، ومراعاة فقه المتغيرات والمستجدات في باب تغير الواقع، وفي مراعاة اختلاف المجتهدين فيما فيه مجال للاجتهاد، وفي تمييز الخطأ من الصواب بالأدلة، مع مراعاة لوازم الأخوة الإسلامية المذكورة في قوله: «المسلم أخو المسلم ؛ لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره»، وفي نفي الوسطيين عن نصوص الوحي تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، لقوله فيما رواه البزار في مسنده، وعبد الحق الإشبيلي في الأحكام الشرعية الكبرى، والطحاوي في شرح مشكل الآثار من حديث أبي. هريرة وعبد الله بن عمرو -رضي الله عنهم-: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك