رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. كمال محمد جاه الله الخضر 6 أغسطس، 2018 0 تعليق

الوجود الإسلامي في تنزانيا في ضوء التحديات المعاصرة

ظلّت جمهورية تنزانيا الاتحادية مثالاً لسيطرة الأقليّة على الأغلبيّة على الحكم، وهيمنتها على مقدّرات البلاد المختلفة؛ حيث استطاعت الأقلية النصرانية - بدعم تاريخيّ مباشر من المستعمر البريطاني - الإمساك بإدارة الدولة، ومفاصل اقتصادها، وقد ترتّب على ذلك تهميش الأغلبية المسلمة، وإبعادها عن مراكز اتخاذ القرار، بإبعاد المجتمع المسلم عن التنمية والتعليم؛ فعاش ذلك المجتمع في حالات عوز وفقر وجهل، كانت كفيلة بتكبيله عن التطوّر ومجاراة روح العصر، في وقت تنعم فيه الأقلية النصرانية بكلّ ما من شأنه أن يجعلها ترتقي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وللوقوف على مستقبل الوجود الإسلامي في هذا البلد الإفريقي المهم، واستكمالا لهذا الموضوع نتكلم اليوم عن: مستقبل الوجود الإسلامي في تنزانيا.

     قبل تناول موضوع مستقبل الوجود الإسلامي في تنزانيا لا بدّ من التطرّق لموضوعين على قدر من الأهمية، ويمثلان أهم التحدّيات الجدّية الأساسية التي تواجه ذلك الوجود، ألا وهما: موضوع ظهور النّخب السياسية النصرانية، وموضوع مستقبل الوجود التنصيري في هذا البلد الإفريقي.

النّخب السياسية النصرانية

- أولاُ: ظهور النّخب السياسية النصرانية: إن القارئ المتفحّص للمؤلفات التي تناولت تاريخ تنزانيا الحديث والمعاصر يستنتج بسهولة أن النّخب التنزانية هم نتاج جهود الكنيسة بمختلف طوائفها، وقد وضعت الكنيسة في يدها مصادر القوة التي ظلّت تمتلكها تاريخياً، وهي القدرة على التأثير السياسي والاقتصادي والتعليمي، ودقّة التنسيق والتنظيم، وامتلاك وسائل الإعلام والاتصال.

     وإمعاناً في صناعة نخب سياسية من غير المسلمين، وإبرازها في مختلف شؤون الحياة في تنزانيا؛ فقد عمل المستعمر على تحقيق ذلك بإقامة المدارس المختلفة في المراكز التي تمّ تنصيرها، كما ركّز مشروعات التنمية، وغيرها من المشروعات في المناطق البعيدة عن المسلمين، وقد ترتّب على ذلك أن نشأت نخب سياسية نصرانية تهيمن على إدارة دولاب الدولة، وتسيطر على عملية اتخاذ القرارات الجوهرية، وتقف حائلاً دون تحقيق الحدّ الأدنى من تطلعات المسلمين وآمالهم وهم الأغلبية.

ممارسات ضد المسلمين

وانطلاقاً من ذلك لا نستغرب أن نسمع أن النّخب النصرانية التنزانية تقوم بممارسات عديدة ضد المسلمين في تنزانيا؛ بهدف إضعاف مكانتهم وإقصائهم عن مواقع السلطة والإدارة والقيادة في البلاد، ومن ذلك، أنها:

1 - قامت باضطهاد المسلمين وحرمانهم من شغل المناصب المرموقة على الرغم من أنهم الأغلبية.

2 - حالت دون أن تتمتع مناطق المسلمين بالمشاريع التنموية والبنى التحتية والمدارس الخاصة بهم.

3 - عملت على تذويب هويّتهم الإسلامية، وقد بدأ هذه العملية الاستعمارُ، واستمرت فيها السلطة التنزانية في مرحلة ما بعد الاستقلال.

4 - ركزت على تهميش المسلمين بطريقة واضحة؛ حيث يمتلك النصارى النفوذ السياسي والاقتصادي بطريقة كاملة، وهو ما يعطيهم الفرصة لإدارة شؤون البلاد كما يحلو لهم، دون اعتبار أو مراعاة لمصالح الأغلبية العظمى من سكان البلاد من المسلمين.

5 - استعدت الغرب على الرئيس  (المسلم) المنتخب، الذي حصل المسلمون في عهده على مناصب وزارية كانوا محرومين منها، وقد رأت النّخب النصرانية أن ذلك قد يجعل تنزانيا معقلاً لجماعات العنف، ويمكن أن تتكرر معه مأساة تفجير السفارة الأمريكية في دار السلام، ذلك التفجير الذي استغلته النّخب النصرانية في السابق للضغط على البرلمان لإقرار قانون مكافحة الإرهاب، كما استُغل لطرد المنظمات الإغاثية الإسلامية التي كانت تعمل في تنزانيا، وحلّت محلّها منظمات مشبوهة تحظى بدعم الأمم المتحدة ومنظماتها النوعية لتنفيذ الأجندات غير المرئية في تنزانيا.

ميزات كنسية

     الحق أن النّخب النصرانية في تنزانيا استطاعت أن تفرض نفسها على واقع البلاد بما تمتعت به من ميزات وهبتها لها الكنيسة؛ فقد وفّرت لها الكنيسة الجوّ المناسب لكي تنمو وتزدهر؛ ففي مجال التعليم قامت المنظمات التبشيرية  (التنصيرية) بإدخال نظام التعليم الغربي، وعززته بإمكاناتها الاقتصادية، وخبراتها الفنية، ليصبح حديثاً ومقتدراً؛ فيسيطر على المواقع الاستراتيجية من المجتمع.

12 صحيفة نصرانية

     وقد خرّج هذا التعليم نخباً أصبحت قادرة على القيام بمهام الإدارة الوسيطة، وعبر هذا التعليم أيضاً استطاعت النّخب النصرانية أن تصدر أكثر من 12 صحيفة في مقابل صحيفة واحدة للمسلمين غير منتظمة الصدور، بل إن أغلب الكتّاب في هذه الصحف من النصارى، وبذلك استطاعت النّخبة النصرانية في تنزانيا السيطرة على الحياة العامة؛ فأمدّتها بالإداريين والفنيين، وأمدّت رواده بالثقافة الدينية النصرانية، وغير خاف على الكثيرين أن الكنيسة كانت تقوم بدور جوهري في إعداد سياسيي المستقبل من نخب النصارى، كما حدث مع (جوليس نايريري) الذي تبنّته الكنيسة منذ أن كان يافعاً.

     ولا ينبغي أن يُفهم مما تمّ استعراضه أن قضية النّخب كانت وقفاً على النصارى دون غيرهم، ولكن على العكس؛ فقد كانت هناك نخب من المسلمين، ولكنها كانت في البداية قليلة لا حول لها ولا قوة؛ بسبب ما كانت تعيش فيه الأغلبية المسلمة، من تهميش وإبعاد عن المواقع الاستراتيجية، ولكن - كما أشرنا سابقاً - في العقدين الأخيرين ازدادت هذه النّخب، وأخذت تدريجياً تحظى بمواقع مهمّة؛ على الرغم من التضييق عليها من قبل النّخب النصرانية في البلاد.

الوجود النصراني

     ثانيًا: مستقبل الوجود التنصيري: أما فيما يخص مستقبل الوجود التنصيري في البلاد؛ فمع أن هناك بعض المنافسة أحياناً من قبل المسلمين فيما يخص التأثير السياسي والاقتصادي والتعليم، ولاسيما في السنوات القليلة الماضية؛ فقد أشرنا من قبل بأن الوجود التنصيري الممثل في النّخب التي تدعمها الكنيسة بمختلف طوائفها قد امتلكت مصادر القوة، وهي القدرة على التأثير السياسي والاقتصادي والتعليمي، فضلا عن دقّة التنظيم، وامتلاك وسائل الإعلام والاتصال حتى اليوم، وهذا يشي بأن مستقبل الوجود التنصيري عامر إذا استمر الوضع كما هو عليه دونما تغيير.

     ويبرز هذا المستقبل في الحراك التنصيري النشط الذي تشهده في الآونة الأخيرة تنزانيا؛ حيث إن الإرساليات التنصيرية، ولاسيما الكاثوليكية، تعتمد على نقص عدد المدارس لتفرض نظاماً علمانياً يهيئ الساحة لمدّ تنصيري شرس جداً، ولاشكّ أن هذا المدّ سيستغل نقاط ضعف المسلمين، من فقر وعوز ووضع اجتماعي متردٍّ لإيصال رسالته.

 

الوجود الإسلامي

وأما بالنسبة لمستقبل الوجود الإسلامي: من خلال استعراضنا لموضوعي ظهور النّخب السياسية في تنزانيا، ومحاولات إقصاء المسلمين عن الوصول إلى الحكم، ومستقبل الوجود التنصيري، يمكن استشراف مستقبل الوجود الإسلامي في تنزانيا.

هنالك مؤشرات كثيرة، ربما يعطي التركيز فيها ملامح لرؤية استشرافية لمستقبل مشرق للوجود الإسلامي، من ذلك:

- صمود المسلمين واستمساكهم بدينهم، بالرغم مما بُذل من جهود لطمس هويتهم.

- الوعي العام، والصحوة الإسلامية، ومشاركة المسلمين، ومناصرتهم لدينهم ولإخوانهم المسلمين، من ذلك مثلاً: احتجاجاتهم ومظاهراتهم ضد الرسوم المسيئة للنبي[.

- حرص المسلمين على تعليم أبنائهم وتنشئتهم التنشئة الإسلامية الصحيحة، يدلّ على ذلك الإقبال الشديد على المدارس العربية الإسلامية، وتضاعف أعداد حفظة القرآن الكريم.

- المكاسب التي حقّقوها في المجال السياسي.

- وصول قيادات إسلامية إلى بعض المناصب القيادية العليا في الدولة، والفوز بالرئاسة لأكثر من دورة.

- المكاسب القانونية والتشريعية، ومنها قيام المحاكم الشرعية، ورفض بعض القوانين المخالفة، ومنها قانون رفع سنّ الزواج الذي تقدّم به النصارى، وإقرار الاستفتاء على الانضمام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

- الإجراءات الإصلاحية التي تم إجراؤها لمعالجة قضايا التهميش والحقوق، ولاسيما في فترة الرئيس كويتي، وهي تتعلق بأوضاع المسلمين عموما.

- أغلبية المسلمين، وهو ما يساعد على إقرار مصالحهم، والحيلولة دون ما يسعى النصارى إلى فرضه، ولاسيما إذا ما أحسن المسلمون استغلال مناخ الحرية السياسية والتعدّدية الحزبية.

- التسامح القبلي، وانتشار المسلمين في أوساط عدد من القبائل.

- الإرث التاريخي بعد تنقيته مما لحقه من شوائب، ولاسيما تجارة الرقيق، وسعي الأعداء للإيقاع بين الأجناس العربية وغير العربية.

- العلاقات مع الساحل الشرقي للبحر الأحمر، والمصالح التي يمكن إحياؤها مع الجزيرة العربية.

- إمكانية الاستفادة من الثروات الموجودة في تنزانيا، وتمكين المسلمين بدعم قدراتهم المالية والاقتصادية.

 - التحاق أعداد مقدّرة من أبناء المسلمين التنزانيين بالجامعات داخل تنزانيا وخارجها، كجامعة راف في كينيا، وإفريقيا العالمية في السودان، والأزهر في مصر، وبعض الجامعات السعودية.

 

أوضاع المسلمين الخاصة

     وعلى الرغم من التحسّن الذي طرأ على بعض نخب المسلمين وأوضاعهم العامة، كما أشرنا من قبل؛  فإن أوضاع المسلمين الخاصة، إن لم يتم تطويرها ودعمها، ستقودهم إلى حياة لا يُحسدون عليها على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، فضلا عن تأثير الهجمة الشرسة التي تقوم بها النّخب النصرانية للنيل منهم؛ فهذه النخب النّصرانية تضيّق على المسلمين بما يُسَمّى في عالم اليوم (الحرب على الإرهاب).

     وكما أشرنا؛ فإن الوجود الإسلامي في تنزانيا تأثّر كثيراً بإغلاق مقار كثير من جماعات الإغاثة الإسلامية التي كانت تقوم بدور مهمٍّ في خدمة الإسلام والمسلمين في البلاد، وليت الأمر توقّف عند هذا الحدّ؛ إذ تم استبدال تلك الجماعات بأخرى تنصيرية، استغلت الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد، والمسلمون على وجه الخصوص؛ فكان ما كان من حراك تنصيري لا حدود له.

     وعلى الرغم من ذلك -ولله الحمد- استبعد سالم بارهيان رئيس مراكز شباب الأنصار الإسلامية في تنزانيا أن يعتنق المسلمون المسيحية، على الرغم من الجهود الدؤوبة لمنظمات التنصير التي يرى أن خطرها مستمر ومحدق بالمسلمين، بعد أن انتقد التجاهل العربي والإسلامي لمسلمي تنزانيا.

     إن المسلمين في هذه البلاد لتأكيد وجودهم، واستشراف مستقبلهم، يحتاجون إلى مجهودات كبيرة في مضمار التعليم، كالتي يقوم بها مبعوثو الأزهر الشريف، وكالتي تقوم بها الكليات الجامعية التي تتبع إدارياً جامعة إفريقيا العالمية  (في السودان)، التي تقدّمها منظمة الدعوة الإسلامية  (في السودان)، كما يحتاجون إلى الدعم والإعانات من الدول العربية والإسلامية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بمؤسساتها الرائدة، حتى يعيشوا في صحوة إسلامية حقيقية.

     والحق أن المسلمين - ولتأكيد مستقبل الوجود الإسلامي في تنزانيا- يحتاجون في تلك البلاد إلى تدريب كوادر منهم في المجالات المختلفة، وإلى تشجيع الاستثمارات الاقتصادية في تلك البلاد، لاسيما الاستثمارات العربية والإسلامية، لمعالجة مسألة الفقر والعوز الاقتصادي، التي تقف حجر عثرة في طريق مستقبل الغالبية المسلمة في تنزانيا؛ إذ إن الفقر والعوز والأميّة تُعَد جميعها من أهم التحدّيات التي تواجه المسلمين في تنزانيا.

نتائج وتوصيات

انطلاقاً مما خلص إليه عرض الموضوع نوصي بالآتي:

- أولاً: وضع الآليات المناسبة لربط المجتمع المسلم في تنزانيا بالدول العربية والإسلامية، وتشجيع الاستثمار العربي والإسلامي بالبلاد، لتوفير فرص عمل مناسبة، سريعة العائد للحدّ من حالات الفقر والفاقة والعوز المستشرية وسط المسلمين.

- ثانياً: فتح أبواب مزيد من الفرص الدراسية والمنح، ولاسيما ذات الصلة بالتخصصات العلمية، لمسلمي تنزانيا في جامعات العالم الإسلامي ومعاهده، ودعم جامعة المسلمين بالبلاد  (جامعة موروغورو).

- ثالثاً: دراسة أوضاع المسلمين في تنزانيا، وبحث الحراك التنصيري الذي يعيشون في كنفه، تمهيداً لإيجاد وعي بوجوب استعادة القيادة والريادة التي كانت السمة الغالبة لقدامى مسلمي البلد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك