الهروب من الواقع!
لا ينكر أحدٌ أن واقع المسلمين في كل أصقاع المعمورة مؤلم، وفي كثيرٍ مِن الأماكن مأساوي بامتياز! والمصلحون في كل مكان وزمان يجتهدون، ويحاولون بذل كل ممكن لتغيير هذا الواقع إلى ما يأملون، وهم في طريقهم يميزون بين ما يمكنهم تحقيقه في طريق الإصلاح، وما كلفهم الله به من بذل طاقتهم وبين ما لا يمكنهم تحقيقه مما يأملون فيه، ومنذ متى والمصلحون يرضون بالأمر الواقع ليتوقفوا في طريق الإصلاح؟!
لم يحدث غير أنهم يقرؤون الواقع قراءة واعية مستندها أدلة الشرع المطهر دون شططٍ أو توانٍ، ودون انزواء وانهزام، وهذا هو الفارق الدقيق بين المصلح بحق ومَن يزعم أنه مصلح دون سندٍ مِن عقل أو منطق أو عمل.
لم يكن يوسف -عليه السلام- وهو في السجن، حبيس الجدران ظلماً يحلم بالحكم والملك، ولم يكن يعلم ما أعده الله له، لكنه بذل المستطاع في طريق الإصلاح وهو في مكانه، فدعا صاحبيه إلى التوحيد ونبذ الشرك، وطلب ممَن ظن أنه ناج أن يذكره عند الملك آخذاً في الأسباب متوكلاً على الله وحده.
غير أن كثيراً مِن الدعاة يرون طريق الإصلاح أحد سبيلين لا ثالث لهما: إما ضربة بسيف وليكن ما يكون؛ فإما التي يرجون أو هي الشهادة والخلود، أو ذمّاً ونقداً وسبّاً للواقع بما فيه حسناً كان أم قبيحاً! يرافق هذا أيضاً ذم وشين لمَن يسيرون في مسيرة الإصلاح ولو ببطءٍ شديدٍ؛ بدعوى أن مساعيهم لن تجدي شيئاً وأعمالهم لن تصلح فساداً، وأنهم بذلك يكرسون للباطل ويكثرون سواد الظلم، ويسيرون في ركبه، وكأني بهؤلاء يطالبون كل مصلح رضي أن يخوض الطريق على جسر مِن الأشواك أن: «اجلس معنا، ودعك مِن هذا، وانفض يديك من الناس، وانتظر كما ننتظر أشراط الساعة أو خروج يأجوج ومأجوج او ظهور المهدي!».
وهم في رحلة هروبهم مِن الواقع لا هُمْ أصلحوا، ولا هم تركوا مَن يصلح ليسلم منهم ومِن ألسنتهم، بل عدوا الهروب إصلاحاً، وأننا في آخر الزمان ننتظر أشراط الساعة! يظنون أن هذا هو الإصلاح دون بذلٍ أو سعي أو عمل، وكأنهم لم يقرؤوا للنبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «إنْ قامَتِ السّاعَةُ وَفِي يَدِ أحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِن اسْتَطَاعَ أنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَها فلَيَغْرِسْها» (رواه أحمد، وصححه الألباني).
فيا أيها الدعاة، إما أن تسلكوا مسلك الإصلاح قولاً وعملاً وواقعاً، وإما خلوا بين المصلحين وماهم فيه مِن طريقٍ طويلٍ؛ فلا تشغبوا عليهم.
كتبه: حسني المصري
لاتوجد تعليقات