رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد بن إبراهيم السعيدي 8 سبتمبر، 2020 0 تعليق

الهجومُ على السَّلفية وسبُل الوقاية منه

 

قبل أن ندلف في موضوع أسباب الهجوم على السلفيَّة، أو مظاهر هذا الهجوم، يحسن بنا أن نبدأ بالحديث عن: ما السلفية التي نعنيها؟ وما السلفية التي يُهجم عليها؟ لأننا إذا تأملنا التعريف للسلفية فإننا حتمًا سوف نصل إلى نتائج مفيدة جدًّا، تختصر علينا موضوع المحاضرة.

ما السلفية؟

     السَّلفية اسمٌ مُحدَث، ربَّما لم يكن في القرون الثلاثة الأول، وهو ليس بديلاً عن الإسلام، يعني حينما نقول: إنَّنا سلفيون، لا يعني أنَّنا نتنازل عن لقب الإسلام كما يحلو لبعض الناس أن يشوِّه السلفيَّة بهذا الشكل! ودائمًا حينما أكتب عن السلفية أو حولها أجد من يردُّ ويقول: ما هذه الأسماء؟ وما هذه التسميات؟ ألا يكفينا مصطلح الإسلام؛ إذ إنَّ إبراهيم -عليه السَّلام- سمَّانا المسلمين؟ وكيف نتَّخذ بدلًا عن الاسم الذي اختاره لنا سيِّد الأنبياء؟

     هذا الكلام يأتي كثيرًا حينما يتكلَّم أحدهم عن السلفية، لكنَّه لا يأتي حينما يقول أحدهم: إنَّني صوفي، أو يقول أحدهم: إنَّني أشعري، أو معتزلي، أو غيرها من الفرق، كل ذلك لا يأتي! وإنَّما يأتي هذا حينما تتحدث عن السلفية؛ لأن هذا أحد مظاهر الهجوم على السلفية، وهي: محاولةُ إظهار السلفية وكأنَّها دينٌ جديد لا يمتُّ للإسلام بصلة، وهذا الكلام ليس مبالغةً، فقد اطَّلعت قبل أيام على كتابٍ -مع الأسف نُشر أو بيع في معرض الكتاب الدولي في القاهرة- مكوَّن من حوالي 800 صفحة، واسمه: (السلفيَّة دينٌ سعودي جديد) هكذا!

إخراج السلفية من الإسلام

إذًا ! فالقضية هي: إخراج السلفية من الإسلام، رغم أنَّهم يتَّهمون السلفية بأنَّها تُخرج النَّاس من الإسلام، بينما في حقيقة الأمر هم يفعلون ذلك بصراحة ووضوح ودون أسبابٍ شرعيَّةٍ علميةٍ تخوِّل لهم أو تتيح لهم هذا الأمر.

فأقول: إنَّ السلفية ليست بديلة عن لفظ الإسلام، ولكنَّنا في الواقع أصبحنا محتاجين لها، فما وجه الحاجة-أيها الإخوة- لأن نتسمى بالسلفيين؟ أو نسمِّي منهجنا بالسلفيَّة؟

لقب أهل السنة

     الحاجة هي الحاجة ذاتها التي جعلتِ التَّابعين -وهم الجيل الذي بعد الصحابة رضي الله عنهم- يستحدثون لقب السُّنة، ففي عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعهد صحابته -رضي الله عنهم- لم يكن هناك اسمٌ سوى الإسلام، ولكن ظهرت البدع؛ ظهرت القدريَّة ثمَّ الخوارج وغيرها من الفرق، وكلُّ هؤلاء يتسمون بالإسلام، فلم يعد لأهل الحق إلا أن يصفوا أنفسهم بوصفٍ يميِّزُهم فيقولون: فلانٌ صاحبُ سنَّة، أي ملتزم بالاتباع، ملتزمٌ بما تركهم عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم-، آخذين ذلك من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، فجعلوا هذا الاتباع صفة لمن ليس أزرقيًّا أو حروريًّا أو صفريًّا، أو قدريًّا، أو معتزليًّا؛ فصاروا يقولون صاحب سنة.

     ثمَّ ظهرت جماعاتٌ تدعو إلى الفرقة بين المسلمين، وإلى رفع السَّيف، وأنَّ السيف من الدين، وهم: الخوارج والمعتزلة، فوجدوا أنَّهم محتاجون أيضًا إلى إضافة لقبً آخر يميِّز أهل السُّنة ممَّن ينتحلون أو يدَّعون أنَّهم من أهل السنة وهم يخالفون السُّنة في قضية الجماعة، فاستحدثوا لقب (الجماعة)، فأصبح يقال: أهل السُّنة والجماعة.

الفرقة داخل أهل السُّنة

     ثمَّ بدأت الفرقة داخل أهل السُّنة، فظهر فيهم المتصوَّف الذي يدَّعي أنَّه سنِّي بل ظهر فيهم الغلاة، وهم أبعد الناس عن الإسلام أصلًا ومع ذلك يتسمون بالسُّنة، ويقولون نحن أهل السنة، وظهر الأشاعرة الذين عندهم ابتداعٌ في قضية القضاء والقدر، وعندهم ابتداعٌ في قضيَّة صفات الباري -عزَّ وجل-، فهؤلاء أيضًا يتسمون بالسُّنة، وكثرت المذاهب المبتدعة التي تتلقَّب بالسُّنة، فبقي أن يميز أولئك الذين بقوا على ما ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - الناس عليه أنفسهم بلقب، فهم أتباعُ السَّلف الصالح في اتباعهم للنَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فنسبوا أنفسهم إلى السَّلف الصالح؛ فكانوا سلفيين.

من هذا العرض نحاول أن نستنتج تعريفًا للسلفيَّة، السلفيون هم الذين يتبعون السَّلف الصَّالح، من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم».

الذين يتبعون السلف الصَّالح، يتبعونهم في فهمهم لكتاب الله -سبحانه وتعالى- وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم . السلف الصالح -رضي الله عنهم- لهم خاصيَّة في فهم كتاب الله، وفي فهم سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ما تلك الخاصية؟

     هي أنَّهم يفهمونهما على وفق أفهام العرب، يعني كما كانت العرب تفهم القرآن هم يفهمون القرآن، وكما كانت العرب تفهم السُّنة هم يفهمون السنة؛ ولهذا قال الشافعي -رحمه الله- في كتاب الرسالة: إن الشريعة جاءت على وفق أفهام العرب، وأخذه عنه الشاطبي في الموافقات، وفصل في هذا المعنى.

المذاهب التي خرجت عن منهج السلف

     فحينما تأتي إلى كلِّ المذاهب التي خرجت عن منهج السلف تجد أنَّ سرَّ خروجهم أنَّهم لايفهمون التنزيل على وفق أفهام العرب، كالأشاعرة مثلًا، فحينما يقول الله -عز وجل-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) لا يوجد في قواميس اللغة العربية أنَّ استوى بمعنى استولى، وحينما يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله حجابًا من نور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»، هذا الحديث في لغة العرب يُفهِم أنَّ لله -سبحانه وتعالى- وجهًا، وأن لله بصرًا، لا يوجد عربيٌّ تعطيه هذا الكلام إلا ويفهمه بهذه الطريقة، فهؤلاء جاءت بدعتهم من أنَّهم يريدون أن يفهموا هذا الكلام على غير وفق أفهام العرب؛ فيجعلونه مجازًا ويتكلَّفون في تأويله، وفي فهم هذا المجاز.

     حينما نأتي عند القبوريين مثلًا، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186) ماذا يفهم العرب من هذا اللفظ؟ يفهمون منه أنَّ الدُّعاء لا يكون إلا لله، وتؤيد هذا آيات أخر، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن: 18) ما معنى تدعوا؟ أي: تسألوا. يقول الشاعر:

فقلت ادعي وأدعو إن أندى

لصوت أن ينادي داعيانِ

     يعني ماذا يقصد؟ اسألي وأسأل، هذا الدُّعاء الذي يفهمه العرب، فحينما تقول لأهل البدع: إنَّ الله -عز وجل- يقول: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن: 18) يقولون: لا، تدعوا يعني تعبدوا، لكن نقول: العرب لم يكونوا يفهمون هذا بهذه الطريقة، راجعوا القواميس، فحينما نستعرض البدع تجد سببها أنَّها خارجة فيما ابتدعته عن أفهام العرب.

هل لديكم أمثلة أخرى تؤكد قضية أنَّ الابتداع أصله: الخروج عن أفهام العرب في تلقِّي الكتاب والسنة وفهمهما؟

     الخوارج مثلاً في التَّكفير بالكبيرة، تأتيهم وتقول، يقول الله -عز وجل-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48) ما الذي دون ذلك؟ كل الذنوب، هذا فهمُ العرب، بينما الخوارج يأتون بفهم آخر بأنَّ كل فاعلي الذنوب في النار، وكلهم مخلدون في النَّار، وهذا خارج عن فهم العرب.

منهج السَّلف

منهج السَّلف هو فهم الكتاب والسنة وتلقِّيهما على وفق أفهام العرب؛ ولهذا فإن الله -عز وجل- نصَّ على أنَّ القرآن عربي في أكثر من تسعة مواضع في كتاب الله -عز وجل- بصيغ مختلفة، ما الحكمة في أنَّ الله ينصُّ على أن القرآن عربي؟

     لو أنَّ أحدًا منَّا كتب كتابًا باللغة العربية، هل سيقول في بدايته أو في منتصفه: كتبتُ هذا الكتاب باللغة العربية؟ لا، بل هذا يُعد عبثًا، لكن الله -عز وجل- قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء: 195)، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (إبراهيم: 4)، لماذا كل هذه الآيات؟

لكي يحقِّق قضيَّة أنَّ اللغة ليست ألفاظًا وحسب، وإنَّما اللغة ألفاظ ومعانٍ، بل اللغة كما يقول علماء اللغويات: اللغة وعاءٌ للمعنى، ووعاء للفكر، فهكذا القرآن يقرِّر هذه الحقيقة.

ما دخل كلامنا هذا بموضوع المحاضرة التي نتحدث فيها عن الهجوم على السلفية؟

     من هذا التَّعريف أعتقد أنَّ الجميع وصل إلى نتيجة، وهي أنَّ الهجوم على السلفيَّة سببُه أنَّ السلفية سوف تُعيد النَّاس إلى الإسلام الصَّحيح، ذلك الإسلام الذي في أقل من ثمانين سنة أصبحت جيوش المسلمين (جزءٌ منها في الصين، وجزء منها عند سهل بواتيه في جنوب باريس)، ولم يفتح الإسلام هذه المنطقة العريضة في ثمانين سنة بالسَّيف كما يقال، بل افتتحها باليُسر والسهولة والإقناع؛ فالإسلام غض؛ لهذا جورج بوش الجد -جد جورج بوش الذي كان رئيساً لأمريكا- له كتاب اسمه: (محمَّد مؤسس امبراطورية المسلمين)، وهو موجود ومترجم باللغة العربية، هل اطَّلع أحدٌ منكم عليه؟ وله كتابٌ يهمكم بالنسبة للقضية الفلسطينية، واسمه: (إحياء رميم إسرائيل)، هذا الرجل توفي سنة 1858م يعني قبل نشوء الحركة الصهيونية اليهودية؛ حتى نعلم أن الصهيونية أنشأها المسيحيون قبل اليهود، فهو قبل 1858م ألف هذا الكتاب الذي اسمه: (إحياء رميم إسرائيل)، شاهدُنا هنا في قضيَّة كتابه: (محمَّد مؤسس إمبراطورية المسلمين)، يقول: إن محمَّدًا -ويقصد الإسلام- استطاع أن يؤسس في ثمانين عامًا ما لم يصل إليه الرُّومان في ثمانمائة سنة. وكان -والعياذ بالله- يسمي النبي - صلى الله عليه وسلم - إنسان الخطيئة! فهذا الخطر المتوجس من انتصار الإسلام، وعودة الإسلام بهذا النهج السريع، هو أحد أسباب الهجوم على السلفية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك