الهجومُ على السَّلفية وسبُل الوقاية منه(2)
ما زال الحديث موصولاً عن الهجوم على الدعوة السلفية، وقد ذكرنا في المقال السابق مفهوم السلفية التي نعنيها، وما السلفية التي يُهجم عليها؟ واليوم نتحدث عن أسباب الهجوم على السلفية.
من أسباب الهجوم على السلفية: أنَّ السلفية سهلة المأخذ، ما معنى سهلة المأخذ؟ يعني: لا تُدخل المسلم في تعقيدات، بل تجعله قريبًا من الله -سبحانه وتعالى- مباشرة، قريبًا من الله -عزوجل- في دعائه، قريبًا من الله -عزوجل- في فهم أسمائه وصفاته، قريبًا من الله -سبحانه وتعالى- في عباداته، ليس بينه وبين أحدٍ واسطة، وهذا القرب وهذا اليسر في حقيقة الأمر يجعل قلوب الناس متعلقة بربها -جل وعلا-، ويسهل قبول الإسلام لدى الأمم الأخرى؛ لهذا نجد أنَّ الدعاة الذين يدعون إلى الإسلام من الصُّوفية، حينما يدعون إلى الإسلام -تصوروا أنَّهم- يدعون إلى المنهج السلفي ولا يدعون إلى مناهج مخالفة!
السلفية سهلة المأخذ
فهذا التَّعقيد الذي في هذه المذاهب ليس موجودًا في المنهج السلفي؛ فلذلك تجد الصوفي يدعو ويقول: تؤمن بالله، لا إله إلا الله، وبمحمَّد رسول الله، ولا يقول له تفاصيل معتقده، فيسلِم، وحينما يسلم يتركه أيَّاما عدة ثمَّ يعلمه التعقيدات؛ ولذلك كثير من الذين يسلمون من الأمريكان ومن الأوربيين يسلمون على أيدي دعاة من الصوفية، ثمَّ ينقلبون بعد فترة إلى سلفيين، وهذا الكلام لست أنا الذي أقوله، بل أحد الباحثين الأمريكيين -لا أذكر اسمه الآن- يقول: إننا لاحظنا أنَّ المسلمين البيض الأمريكان، وجدنا أنَّ كثيرًا منهم يسلمون على أيدي دعاة صوفيين، ثمَّ بعد فترة نجد أنهم ينقلبون إلى سلفيين، وقد بحثنا في هذا الأمر، فلم نجد هناك سببًا مقنعًا إلَّا سهولة السلفيَّة في الإلهيات، هم ماذا يقصدون بالإلهيات؟ أي: التَّوحيد.
لاحظ هذه القضية يتكلم عنها هذا النَّصراني، وكثير من المسلمين يغفلون عنها، بل أنا سئلت في برنامج تلفزيوني يقول لي المذيع: لماذا العقيدة عند السلفيين معقدة، والكتب فيها كثيرة؟
قلت: يا أخي السلفيَّة هي حديث جبريل فقط، انتهى الموضوع، من عرف حديث جبريل فهو سلفي.
قال: الكتب لديكم كثيرة.
قلت: الكتب هذه هي ردودٌ على المخالفين فقط، أمَّا العقيدة الصحيحة من عرف حديث جبريل فهو سلفي محض.
وزارني في بيتي أحد النَّصارى الفرنسيين بعد أن أسلم، وأخذ يكلمني عن السلفيَّة، وينتقد السلفية، فقلت له: أنت سلفي. قال: أعوذ بالله. قلت له: والله إنَّك سلفي. قال: أبدًا ما يمكن.
فقلت له: سؤال: أنت إذا أردت أن تدعو الله -عز وجل- تذهب إلى القبر؟ قال: لا.
قلت: هل أنت تذكر الله بعد الصلاة كما أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» أو تهز رأسك وتقول هو هو هو؟ قال: لا، هذه خرافات.
وسألته بعض الأسئلة، ثم قلت له إذًا أنت سلفي، فضحك وقال تشرفنا.
وسيلة لنشر الإسلام
فالشاهد من هذا أنَّ هذه البساطة في السلفية مزعجة جدًّا؛ لأنَّها وسيلة لانتشار الإسلام، والبدع كلها لا تدخل على أهل البدع إلا بعد أن يسلم الإسلام الصحيح، فالذين نشروا الإسلام في إندونيسيا بشكل يسير إنما نشروا العقيدة السلفيَّة البسيطة التي هي الإسلام، كما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكما فهمه عنه السلف الصالح، وفي أشهر معدودة انتشر الإسلام في إندونيسيا بالكامل، وانتشر الإسلام في غرب إفريقيا، وإلى الآن ينتشر الإسلام في أوربا بهذا المسلك، اسألوا أي مركز إسلامي في أوروبا وقولوا لهم: كم يسلم عندكم في اليوم؟ أو كم يسلم عندكم في الأسبوع؟ سيعطونكم أرقامًا عجيبة.
أنا سألت أحد الإخوة في المركز الإسلامي في (روزان) في سويسرا، وسويسرا فيها أكثر من مركز إسلامي، في مركز واحد في مدينة واحدة يقول: يسلم عندنا في الأسبوع سبعة أشخاص، إذًا فكيف شأن المراكز الأخرى في سويسرا؟ فهذا الامتداد والسهولة التي تجعل الإسلام سهلًا مشكلة تجعل الهجوم على السلفية أمرًا حتميًّا.
التاريخ الحديث
هناك سببٌ آخر ومهم جدًّا، وهو أنك عندما تراجع التاريخ الحديث تجد أنَّ بريطانيا وفرنسا استطاعوا أن يحتلوا العالم الإسلامي بيسر وسهولة، فحينما تقرأ في تاريخ ما يسمونه بالاستعمار، ويسميه مالك بن نبي «استثمار»، حينما تقرأ هذا التاريخ هل تجد أن بريطانيا أو فرنسا عانت معاناةً كبيرة حينما جاءت تحتل أي بلد إسلامي؟ تجد أن الاحتلال سهل جدًّا، ما السبب؟
الإجابة هي أنَّ المسلمين كانوا غارقين في التَّصوف حتى رؤوسهم، لا نقول حتى شحمة أذنيهم، بل كانوا غارقين غرقًا كاملًا، كل واحد يتبع شيخ الطريقة، وشيخ الطريقة يزهدهم في الدنيا ويبعدهم عن النَّاس، ويصبرهم على كل شيء، فذهبت قضية الأوطان والبلاد والولاء والبراء، وكلها تحت شعارات خرافية، غرق الناس في الخرافة؛ ولذلك تجد الجيوش استعمرت هذه البلاد بسهولة ويسر، لماذا؟ لغرقها في الخرافة.
السلفية تسبب لهم قلقًا
إذًا هذه السلفية تسبب لهم قلقًا كبيرًا جدًّا، وهذا تلمسه في كتاباتهم وفي حديثهم، وربما قرأتم كتابًا مهمًّا جدًّا اسمه: (حينما يكون العم سام ناسكًا)، هذا الكتاب رصد فيه مؤلفه د. عبد الله بن حساب الغامدي المراكز الأمريكية التي توصي بنشر التَّصوف في العالم الإسلامي، وتوصي بمحاربة السلفية في العالم الإسلامي، والكتاب يقع في حوالي 700 صفحة، كله نصوص من هذه المراكز، فهناك عناية كبرى جدا بهذا الموضوع.
طبيعة الحرب على السلفية
الحرب على السلفية الآن لا نحتاج أن نفصل عن كيفيتها؛ لأن هذه قضية ظاهرة لا سيما للنخب أمثالكم، لكننا سنتحدث عن قضية: هل الحرب على السلفيَّة فقط في الجانب الاعتقادي ونشر التصوف؟ لا، ليس كذلك، وإنَّما أيضًا في نشر ما يسمى -أو يطلق عليه بعضهم- (الإسلام الراندي)، وبعضهم يطلق عليه (الإسلام كما يريده الغرب)، وهناك كتاب اسمه (الإسلام كما يريده الغرب) للمؤلف نفسه الذي حدثتكم عنه قبل قليل صاحب كتاب (حينما يكون العام سام ناسكاً)، هذا الإسلام كما يريده الغرب لا يمكن أن يتواءم مع المنهج السلفي لماذا؟
المنهج السلفي ليس اعتقادا فحسب
فالمنهج السلفي عندهم مشكلة حقيقة، لأنَّ المنهج السلفي ليس اعتقاد فحسب، وإنما اعتقاد وعمل؛ ولذلك حينما يقول أهل السنة في تعريف الإيمان: بأنَّه قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، هنا عند هذه الجزئية تأتي أهمية كلمة (وعمل)؛ لأنَّ السلفية معناها: التزام بنصوص القرآن حتى في المجال الفقهي العملي، فحينما تأتي إلى فقه المرأة تجد أنَّ السلفيين صارمين في الوقوف عند النُّصوص، وحينما تأتي إلى فقه المعاملات كالبيع تجد أنَّ السلفيين صارمين في النُّصوص؛ لذلك السلفيون بدأت من عندهم قضية المصرفية الإسلامية، بدأت من عند السلفيين حينما أحسوا بالحاجة إلى اقتصاد إسلامي، أما قضية هل نجحوا أم فشلوا، وهل نجحت البنوك الإسلامية أم فشلت؟ هذه قضية أخرى، لكن عموما: السلفيون حتى في قضايا الاقتصاد صارمون، في قضايا المرأة، والقضايا الاجتماعية، وقضايا العبادات صارمون، ليست عندهم تنازلات في هذه القضايا، عدم وجود التنازلات هي التي -في الحقيقة- تحفظ الكيان.
التنازل لا يحفظ الكيان
بعض السياسيين يتكلمون عن أنَّ التنازلات هي التي تحفظ الكيان، لكن الحقيقة أنَّ التنازل لا يحفظ الكيان، بل التنازل يغري بالتنازل الآخر إلى أن تنتهي إلى المحو، وتنتهي إلى الضياع، فالادهان دائمًا يؤدي إلى المزيد من التفريط في المبادئ، ولا يقال إن السلفي ليس عنده مرونة، لا، السلفي عنده مرونة في حدود الضوابط والقواعد الشرعيَّة، لكن أن يُسقط المعلوم من الدين بالضرورة من الشريعة، وأن يتنازل عن الدين شيئًا فشيئًا هذا بعيد.
قضية الثبات على النص
فهذه القضية؛ قضية الصرامة، أو النصية، والثبات على النص في المنهج السلفي، هذه قضية تقف عائقا أمام عولمة المجتمعات، وتعرفون أنتم فكرة العولمة، والفكرة التي كان ينادي بها (فرانسيس فوكاياما) وهي نهاية التاريخ، يقول في كتابه (نهاية التاريخ): من الممكن أن تدخل القيم الأمريكية إلى الوثنيين في إفريقيا، وإلى الهندوس في الهند، وإلى البوذيين في اليابان، ولكن لن تدخل القيم الأمريكية بسهولة في جزيرة العرب. لماذا تدخل في كل هذه المناطق ولا تدخل في جزيرة العرب؟ قال: لأنَّ أهل الجزيرة يدينون بالمبادئ الوهَّابية.
لاتوجد تعليقات