النكبة الاستيطانيّة المقبلة في الضفة الغربية
تتساءل، وأنت تشاهد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ومدى انتشارها: لماذا لا يزيد عدد المستوطنين فيها على 320 ألف مستوطن؟ وما الذي يريدونه تحديداً؟ وتشعر، وأنت تطالع خطة وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، أنّ الجدل يدور حول خطة خرافية خيالية؛ فمسألة الانفصال من طرف واحد بإبقاء الكتل الاستيطانية الكبرى في شمال الضفة الغربية ووسطها وجنوبها، مع بقاء غور الأردن مع إسرائيل، كما يقترح باراك، خطة لا معنى لها؛ لأنّه عملياً لا توجد كتل استيطانية، بل أفاعٍ استيطانية، ولأن اقتراحه يعني عدم تغيير الوضع الراهن حيث إن كثيرا من الوحدات السكنية في المستوطنات فارغة، وبعض المستوطنات فيها بضعة أشخاص أو عائلات فقط، وما عدا هذا بيوت فارغة، تحيط بها أراض مصادرة بذرائع الأمن والتوسع.
وفي حالات، تكون المستوطنة مجرّد كنيس للعبادة، تفتح يوم السبت بداعي الصلاة ثم تُقفل، أو تكون المستوطنة مصنعاً أو مبنى لغرض ما، تحيط به حدائق وأسوار، وتحمي هذه المستوطنات منظومة متكاملة من «حرس المستوطنات» الذين يلبسون ملابس مدنية، مع أسطول سيارات دفع رباعي، وهم قوة موازية للجنود، وأكثر صلفاً وعنجهية منهم.
ويتبدّل الجنود ويتغيرون ويتنقلون، فيما الحرس أكثر استمراراً، وأشد شراسة، ويشعرون بأنّهم فوق أي قانون، يتصل المستوطنون بهم وليس بالجيش الذي يتحول إلى مجرد تابع للمستوطنين وقواتهم.
ولا يحتاج الناظر إلى المستوطنات إلى بذل الجهد ليرى كثرة الوحدات والمستوطنات الجديدة، بل ليلمس تغيراً في طريقة البناء. تتزايد فكرة البناء بنقاط متباعدة في المستوطنة الواحدة، ثم ملء الفراغ فيما بينها؛ إذ تبنى وحدات سكنية، ثم تقام وحدات جديدة على بعد مئات الأمتار، والغرض الامتداد أفقياً قدر الإمكان، ويمكن مستقبلاً البناء بين النقطتين، ولكن يكون قد حدث أكبر ضم للأرض.
ويستمر البناء بالطبع على قمم التلال، وعملياً إذا أردت الآن التقاط صورة في كثير من المناطق (ج)، التي تشكل أكثر من 60 % من الضفة الغربية، فيصعب أن تجد تلة فارغة تقف عليها لتلتقط صورة، إلا إذا لم تمانع أن تظهر المستوطنة خلفك، وتتحوّل الأودية إلى طرق تقيد حركة الفلسطينيين، ومكبات مجارٍ مكشوفة تُلوث المياه؛ فمجاري المستوطنات المكشوفة في مدينة سلفيت، مثلاً، تبعد 30 متراً عن نبع المياه الأساسي الذي يغذي المدينة، وفي المدينة ذاتها فإن المجاري ومكبّات النفايات الصلبة والكيماوية من المصانع التي تصنّع مواد ممنوعة داخل إسرائيل، تلوث «وادي قانا» الذي هو مسار مياه أساسي تعتمد عليه الزراعة وتربية المواشي، أي إن الأغنام والأبقار ترعى أعشاب مسار المجاري، وفي الشتاء الماضي، فاضت المجاري ودخلت النبع، ما أدى إلى وقف تزويد الفلسطينيين بالماء أسبوعاً.
وتوجد في غالبية القرى والبلدات بوابات يمكن للإسرائيليين إقفالها في أي لحظة، وتحويل قرية فيها مئات أو آلاف من الناس إلى سجون، ومن نتائج هذا هجرة داخلية؛ إذ يرحل كثيرون إلى المناطق (أ)، أي قصبات المدن، خصوصاً أولئك العاملين في السلطة الفلسطينية، والجامعات، والشركات الكبرى، ما يفرغ الريف.
إننا أمام مستوطنات تتلوى حتى وإن كانت فارغة، وقرى تُفرَّغ من أهلها.
ومن الملاحظات الجديدة كذلك تغير النمط المعماري في المستوطنات، فحتى سنوات قليلة، كان البناء في المستوطنات يقوم على أساس بيوت على النمط الغربي، حيث القرميد الأحمر والفِلل التي لا تنتمي إلى البيئة، أما الوحدات والمستوطنات الجديدة، فالتفريق بينها وبين البيوت العربية أصعب؛ إذ هي أشبه بالبيوت العربية، وحتى الأسوار أصبحت في بعض الحالات تأخذ شكل «السلسلة» التقليدية، التي تتكون من أحجار مرصوصة. وباتت هناك جامعة صهيونية في الضفة الغربية «آرئيل»، وسيعني هذا دخول الطلبة لها، وتأمين طرق ومواصلات منها وإليها، أي إنها كابوس جديد على الفلسطينيين.
وللمستوطنين قوات مسلحة متنامية، وخريطة المستوطنات تتحول إلى أفاعٍ تلتف في دوائر، وليست كتلاً، وهناك فلسفة عمرانية وفلسفة تخطيط مدني تعزل الفلسطينيين في سجون كبيرة، وتجعل حتى فكرة المواجهات الجماهيرية الكبيرة مع الاحتلال مستحيلة..
ما يجري على الأرض لا ينتظر، ولا يمكن الرد عليه بالذهاب إلى الأمم المتحدة والدبلوماسية التقليدية أو الصراع على السلطة.
لاتوجد تعليقات