رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: علي الكاش 26 أغسطس، 2013 0 تعليق

النظامان العراقي والإيراني يحذوان بعضهما حذو النعل بالنعل

للعراق وإيران أهمية اقتصادية كبرى على مستوى العالم والشرق الأوسط. فكلاهما دولة بترولية ضخمة، يدر النفط عليهما بعشرات المليارات من الدولارات سنويا، علاوة على الموقع الجغراقي المهم كرابط بين الشرق والغرب، ووجود الممرات المائية لأغراض الملاحة التجارية، وتوفر المواد الأولية المختلفة التي تشكل قاعدة لبناء هرم صناعي كبير، ووفرة المياه وتنوع مصادرها، والمساحة الجيدة من الأرض القابلة للزراعة التي تسمح بتوسع نطاق الإنتاج الزراعي بما يسد الحاجة المحلية وتصدير الفائض. فمضيق هرمز على سبيل المثال يعد من الممرات المائية المهمة في العالم؛ من حيث حركة السفن وحجم تجارة النفط المار من خلاله الذي يصل الى نسبة 40% من النفط العالمي، و90% من صادرات نفط الخليج، وحوالي 50% من حجم تجارة المنطقة مع العالم. كما أنه نقطة وصل بين الخليج العربي وخليج عمان والبحر العربي والمحيط الهندي، ويعد منفذا بحريا لخمس دول عربية خليجية لا تمتلك غيره لتصدير نفطها(العراق، الكويت، قطر، الإمارات والبحرين).

     عندما تتوفر هذه الإمكانات المادية والبشرية بهذا الشكل، فإنها تبشر بنهضة صناعية وزراعية وتجارية كبيرة، سيما إن الواردات النفطية تسمح ببناء رأس مال وطني يكفي الدولة شرور الاستثمارات الأجنبية، ووصايا المؤسسات المالية والنقدية المشبوهة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير وغيرها. ويقيِ الدولة من فخ القروض الأجنبية والفوائد الباهظة الناجمة عنها.

     إن هذه المؤشرات الإيجابية -لأي دولة وفق المعايير الدولية- تعني أن تلك الدولة خرجت من دائرة الدول النامية، وأصبحت على عتبة الدول المتطورة أو داخلها، أي في طريق التنمية السريعة، وبالتالي فإن شعبها محظوط من كل الأوجه كما يفترض! فقوة الدخل القومي والناتج القومي ينعكسان على متوسط دخل الفرد الذي لابد أن يتناسب الأخير مع الاثنين. والمليارات الواردة والقوة الاقتصادية لابد أن تنعكس بشكل مباشر على رخاء ورفاهية الشعب بأجمعه. هكذا يقول منطق الاقتصاد، وهذا ما نشهده في الدول الأوربية والأسوية ذات المداخيل الكبيرة.

      فمستوى الدخل القومي والناتج القومي يتناسبان مع مستوى التقدم والرفاهية، ويعملان بطريقة الأواني المستطرقة، أي يتناسبان طرديا. وفي حال وجود تخلخل في المعادلة ما بين قوة الإقتصاد من جهة، ورفاهية الشعب من جهة أخرى، فإن هذه الحالة تعني وجود كارثة وطنية، وليس خللا في أداء المؤسسات الحكومية فحسب. ولتبسيط الصورة: إذا إفترضنا أن دخل أسرة من أربعة أشخاص (4000) دولار شهريا، وأن أجور السكن والخدمات (1000) دولار شهريا، وتكلفة الأكل الشرب والملابس(1500) دولار، على افتراض أن مستوى السكن والمعيشة جيدة جدا للأسرة، ويخصص للخدمات الطارئة(500) دولار، فإن الأسرة يمكنها أن توفر شهريا ليس ما لا يقل عن(1000) دولار شهريا، أي 1/4 الدخل شهريا.

     لكن عندما تجد إن أفراد الأسرة حفاة، ويلبسون ملابس رثة، ويأكلون أكلا بسيطا، ويعيشون في كوخ أو بيت من الصفيح، ويضطرون أحيانا للأكل من حاويات القمامة، فأي واحد منا سُيصطدم من هول المفاجأة، ولا يمكن أن نصف تلك الحالة بأنها خلل في إدارة البيت، أو في ميزانية الأسرة، أو سوء تصرف الأسرة فقط. إنها جميع هذه المؤشرات وأكثر منها.

     ربما يعتقد بعضهم أن هذا الافتراض فيه مبالغة، لكننا سنثبت له إنها حالة حقيقية وليس من ضرب الخيال. وليس على مستوى الأسرة فقط! بل على مستوى مجتمع كامل، أو بالأحرى على مستوى دول، ولدينا نموذجان واقعيان هما العراق وإيران. ومن المؤسف حقا  أن من يحكمهما أحزاب إسلامية كما تدعي، والإسلام أوجب التكافل الاجتماعي والمساواة العدالة ومحاربة الفقر والجوع والجهل والظلم، وليس ترسيخ هذه السلبيات.

     الواردات النفطية الإيرانية كبيرة جدا، ويشكل النفط أكثر من 90% من صادراتها، ورغم أن اقتصادها مثل العراق أحادي الجانب إلا أن لها مصادر أخرى للدخل، فهي ثاني دولة بعد روسيا من حيث صادراتها من الغاز، وثاني دولة في منظمة الأوبك في تصدير النفط. وقد أشارت(مجلة الإيكونومست) في تقارير لها بأن «إجمالي  الناتج المحلي في إيران? 478 ملياراً و 400 مليون دولار في العام الماضي، وسيصل هذا الرقم إلى  553 ملياراً و600 مليون دولار في العام الحالي 2013، مسجلا نمواً بقيمة 65 ملياراً و100 مليون دولار”. وإجمالي قيمة الاستثمارات مليار و230 مليون دولار فقد صدرت إيران ما قيمته 59.55 مليار دولار من النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي والغاز عام 2010، وبلغت الصادرات غير النفطية 19 مليار دولار. وأن معدل قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إيران حوالي ملياري دولار لغاية عام2013، وبلغت الميزانية العامة للفترة نفسها (347) مليار دولار، بجعل سعر النفط 60 دولار للبرميل الواحد. بالتأكيد تعكس هذه الإحصائيات واردات ضخمة لا تتوفر في بعض الدول الأوربية نفسها، مع مراعاة أن سعر برميل النفط يزيد عن100 دولار للبرميل الواحد.

     لكن هل هذه الإحصائيات تعكس الواقع الفعلي لمدى رفاهية الشعب الإيراني ورخائه؟ وهل يحصل المواطن  الإيراني على حصة معقولة ومقبولة من ثروات بلده الهائلة؟

     تشير المعلومات المستقاة من مركز الإحصاء الإيراني بأن(47) مليون من مجموع (70) مليون إيراني لا يتجاوز دخلهم اليومي (4) دولارات. وذكرت وزارة الإحصاء الإيرانية بأن في إيران (10) مليون فرد يعيشون تحت خط  الفقر المطلق، و(30) مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر النسبي. وتحتل إيران المرتبة الأولى في فقر شعبها من بين 19 بلد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعامين الحالي والماضي على التوالي، وتصل نسبة الفقر حسب معلومات إحصائية إلى 50%، وبلغ مستوى  التردي في مستوى المعيشة ولاسيما بعد الحصار الذي فرض على النظام بسبب عناده النووي بما لا يقل عن 20% سنويا. ويعاني 58% من الشعب الإيراني من أمراض نفسية كالقلق والإحباط والحزن والتوتر والكآبة؛ مما انعكس على زيادة حالات الانتحار والإدمان على المخدرات ولاسيما بين الشباب، وتبلغ نسبة التضخم في ايران (40%) وفي بعض القطاعات أكثر، وهذا ما صرح به الرئيس حسن روحاني بأن بلاده تواجه أعلى معدل للتضخم في المنطقة، وربما في العالم بأسره، مشيراً في كلمته التي ألقاها أمام نواب البرلمان الإيراني إلى فشل السياسات الاقتصادية للرئيس الإيراني المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، بقوله: «التضخم الحالي في البلاد وصل إلى 42%»، وأن نسبة البطالة(27%) من مجمل القوى القادرة على العمل(بطالة مطلقة)، ويضاف لها نسبة تقدر بحوالي 34% مما يسمى (البطالة الجزئية).

     بلغت الديون الخارجية(20.5) مليار دولار، كما أن سعر العملة يشهد تدهورا كبيرا، ومن المعروف أن العملة الإيرانية على وشك الانهيار بسبب الحصار المفروض على البلاد؛ حيث فقدت حوالي 30% من قيمتها في نهاية فترة رئاسة أحمدي نجاد الثانية حسب الإحصائيات الرسمية التي قدمها البنك المركزي الإيراني، وهي في هبوط مستمر، وقد اعترف النظام الإيراني بهذه الحقيقة! من جهة أخرى تبلغ نسبة الأمية في إيران 48٪ من عدد السكان، فهي بين الذكور 37.7٪، وبين النساء نحو 61٪ (راجع موسوعة المعرفة/إيران).

     فيما يتعلق بالعراق فقد جاء في المرتبة السادسة لأغنى الدول العربية؛ من حيث إجمالي الدخل والناتج القومي بحسب دراسة بحثية أعدها مركز الأبحاث المتخصص (ANEKI)؛ حيث بلغت الواردات لخزينة الدولة (113.9) مليار دولار للعام الحالي 2013. وأشار تقرير للجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات بوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية إلى أن حصة الفرد العراقي من هذه المليارات(1272) دولارا سنويا فقط، أي (106) دولار في الشهر!

     وسنقدم أحصائيات سريعة عن الوضعين الاقتصادي والاجتماعي للشعب العراقي دون الاعتماد على إحصائيات الحكومة العراقية؛ لأنها تكذب في كل شيء. مثلا تشير وزارة التخطيط بأن نسبة البطالة المطلقة(15%) والمقنعة(30%). في حين يؤكد البنك الدولي بأن نسبة البطالة المطلقة حوالي 39% بين الشباب ضمن الفئة العمرية 15-29 عاماً. ونسبة البطالة بين النساء 33%. ويعد الاقتصاد العراقي الأكثر تضخما في الأسعار من بين (22) دولة عربية؛ حيث يبلغ معدله(64.8 %) وفقا لإحصائية عام 2006 الصادرة من قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابع لمنظمة الأمم المتحدة.

     وحول انتشار الأمية أكدت وزارة التخطيط العراقية وجود أكثر من(8) ملايين عراقي لا يعرفون القراءة والكتابة، أي حوالي 27% من السكان، وسبق أن أعلن عضو هيئة الأمناء في المركز العراقي للإصلاح الاقتصادي كمال البصري بأن نسبة الأمية تصل إلى 28% من إجمالي عدد السكان في الفئة العمرية 10 سنوات فأكثر.

     وحول خط الفقر تشير الإحصائيات بأن(35%) من الشعب العراقي يعيشون تحت خط الفقر، في حين أشار تقرير للجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات- بوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية- إلى أن 23%  من سكان العراق يعيشون في دائرة الفقر، وأن هذه النسبة تزداد في الريف العراقي أكثر مما هي عليه في المدن. لوجود أكثر من (7) مليون فقير معدم، فقد انتشرت ظاهرة التسول في أغنى بلد في العالم! ودعت الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى القضاء على ظاهرة التسول في  بيان لها يوم 14تموز العام الحالي جاء فيه: «أمانة مجلس الوزراء تؤكد على ضرورة وضع ضوابط قانونية للقضاء على ظاهرة التسول تتضمن معالجة الأسباب»! لا تعليق.

     وحول الفساد المالي والإداري أدرجت منظمة الشفافية العالمية العراق ضمن أسوأ دول العالم في الفساد المالي؛ حيث جاء تسلسله في المرتبة (175) من أصل (179) دولة بسبب انتشار الفساد في مؤسساته. وكانت هيئة النزاهة قد كشفت في تقريرها السنوي، للعام عن انخفاض قيمة قضايا الفساد في البلاد من نحو ثلاثة ترليونات دينار عراقي خلال العام 2011 إلى نحو 133 مليار دينار خلال العام2012. فهنيئا للشعب العراقي بهذا الإنجاز الرائع! ويتساءل مجلس الوزراء عن أسباب تفاقم ظاهرة التسول!

كما أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرا شاملا عن مؤشرات الفساد، وجاء ترتيب البلدين في مؤشرات الفساد عام 2008 كما يلي، العراق في المرتية(171) وإيران في المرتبة(141).

     وفي مجال الدفاع ذكر التقرير بأن العراق وإيران يمتلكان عدداً قليلاً من الضوابط المعمول بها لمنع الفساد في تمويل قطاع الدفاع والأمن، ولا يقدمان معلومات رسمية عن النسبة المئوية من الميزانية الوطنية التي يتم إنفاقها على البنود السرية، ويمتنعان عن تزويد الهيئات التشريعية بأية معلومات. ونشاط هذه المجموعة ويرمز لها (هـ) محدود للغاية في مكافحة الفساد، وإنفاذ الضوابط القائمة لمكافحة الفساد السياسي.

     وهناك تشابه كبير في سياسة الدولتين في قمع المعارضة الوطنية، وخنق الحريات الأساسية، وانتهاك حقوق الإنسان، وتهميش الأقليات الأثنية والمذهبية، وتغليب الولاء الطائفي على الولاء الوطني، وكثرة عدد اللاجئين في دول العالم، وانتشار الرذيلة والإيدز وتعاطي المخدرات وظاهرة الاغتيالات. كما يتصدر البلدان -بعد الصين- المرتبة الثانية والثالثة في إعدام مواطنيهم. وفي تقرير الصندوق من أجل السلام ومجلة السياسة الخارجية الأمريكية (foreign policy) جاء العراق في المرتبة(11)  ضمن مؤشر الدولة الفاشلة للعام 2013، بل إن دولا مثل أثيوبيا وأريتريا وجيبوتي هي أفضل من العراق في مؤشرات الفشل!

     المصيبة أن نظام الملالي يعتقد نفسه بأنه نظام نموذجي متقدم، وعلى هذا الأساس الركيك يصدر ثورته الفاشلة لبقية دول العالم، وينصح دولا أخرى للاقتداء بتجربته! والنظام العراقي الخبل يُخيل له بأن ثورات الربيع العربي انطلقت من أحضان تجربته الديمقراطية الفاشلة. وينصح الأنظمة الحاكمة للاقتداء بها! والأنكى من هذا وذاك هناك من العرب والعراقيين ممن يدافع عن النظامين الإجراميين بكل وقاحة وقباحة!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك