النضج التربوي من مسؤولية الأبوين
فرق شاسع بين الرعاية والتربية، وفرق آخر كبير وشاسع بين توعية الأبناء وإنضاجهم، لايمكن أن تسعفهم في حياتهم الرعاية فقط، بل في زماننا هذا حتى تربيتهم لاتكاد تسعفهم ولاتنجيهم من مشكلات قد يقعون فيها؛ لكثرة مستجدات العصر التي يعيشون فيه، ولتزاحم الذئاب البشرية من حولهم، ولموت الضمائر عند الناس ممن يتعاملون معهم.
فرق شاسع بين الرعاية والتربية وفرق آخر كبير وشاسع بين توعية الأبناء وإنضاجهم، لايمكن أن تسعفهم في حياتهم الرعاية فقط بل في زماننا هذا حتى تربيتهم لاتكاد تسعفهم ولاتنجيهم من مشكلات قد يقعون فيها؛ لكثرة مستجدات العصر الذي يعيشون فيه ولتزاحم الذئاب البشرية من حولهم، ولموت الضمائر عند الناس ممن يتعاملون معهم.
لايكفي فقط أن نتعب على تربيتهم، بل ينبغي اعتماد مبدأ صناعة البصيرة داخل عقولهم وقلوبهم، البصيرة هي قدرتهم على التمييز بين الحق والباطل والصحة والخطأ والخير والشر، تلك البصيرة هي النور الحقيقي الذي يمشون على أساسه في حياتهم، ودون والبصيرة تأكد-عزيزي الأب وياعزيزتي الأم-، أن الأبناء متخبطون لامحالة في مسيرة حياتهم، وحينها لاينفع الندم، يقول ربنا -سبحانه- في كتابه العزيز {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} سورة الحج آية (46)، أفضل مستويات التربية التي تقدمها لأبنائك هي بصيرتهم التي تحميهم من التخبط في أمور دينهم ودنياهم كافة.
ثقافة شرعية عالية
لذا يلزمنا نحن -الآباء والأمهات- ثقافة شرعية عالية المستوى عميقة في جذورها، وتلزمنا ثقافة تربوية رفيعة القدر واسعة التقعيد والتقنين حسب المنظور الشرعي؛ فلاحاجة لنا أن نربيهم على هوية غير هوية العروبة والإسلام، مما يؤدّي إلى الانسلاخ منهما. صرنا نشهد في الآونة الأخيرة من بني جلدتنا من شريحة المحافظين الذين يرفعون لواء الاهتداء بخير البشر وبالمحجة البيضاء، أصبحنا نرى لهم قناعات تكاد توقعهم أو قد أوقعتهم في ذلك الانسلاخ عن الهوية العربية الإسلامية بحجة رغبتهم في توفير أفضل التعليم لأبنائهم، وبتنا نلحظ المنافسات بين الأسر الصغيرة الحديثة فيمن ينال أكثر حداثة وانفتاحا وتحلقا في عوالم أبعد ماتكون عن المعين الصافي من دين الله.
وحينما نخاطبهم ونتحدث معهم تبرز بيننا وبينهم أزمة الفجوة الكبيرة بين الجيلين جيل الصغار وجيل الكبار؛ فهم يعتقدون أن الارتباط بالهوية والتنادي بالتمسك بها هذا من شأنه يفقدنا التحضر الذي لابد أن ننفتح عليه، سئل الإمام في زمانه عبدالله بن المبارك: هل ننصح؟ أجاب السائل: وهل بقي من يقبل؟!
عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، أصعب بناء وأعقده هو بناء الإنسان، وأكثر بناء يحتاج منا إلى جهد عال وصبر مديد هوبناء الإنسان؛ لذا فالجهود التربوية مستويات في أدائها ودرجات في عمقها النضجوي الذي يغلغله الآباء والأمهات في قلوب الأبناء وعقولهم، لايكفي أن نختار لهم أحسن المدارس ولا أن نختار لهم أفضل الصحبة، لا يكفي أن نعلمهم مبادئ الدين والأخلاق، لو قضينا دهرا طويلا نعلم ونعلم ونعلم، مالم ندرّبهم على ماعلمناهم إياه نظريا، ونتأكد بعده أنهم قد تشبعوا واصطبغوا به، ثم بدؤوا عيانا يمارسونه في المجتمع وإلا فالندم بعد ذلك لاينفع ولا يغني الأبوين ولايسمنهما من جوع، لايكفي أن يكون الولد أو الابن وافي الدين وإنما أهل العلم ربطوا وافي الدين بوافر العقل!!
إن الإنضاج التربوي مسؤولية عظمى وكبرى يجدر بالأبوين تربية الأبناء وتعليمهم وتدريبهم عليه، وإلا فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، نأمل حقيقة أن يكون الآباء قد نضجوا نضجا رفيع المستوى حتى يستطيعوا ممارسة الغرس النضجوي في الأبناء، ألا هل بلغت، اللهم فاشهد!
لاتوجد تعليقات