رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 15 أكتوبر، 2017 0 تعليق

الموظف المسلم في سلك العمل الإداري

من أعظم الكوارث الحياتية التي تحدث للمجتمعات البشرية وضع الرجل في غير مكانه الصحيح, ولما سئل الرسول - صلى الله عليه وسلم - متى تقوم الساعة? فقال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة, فقيل: يا رسول الله، وكيف إضاعتها? فقال: إذا وسِّد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة» (أخرجه البخاري).

إن العدل هو وضع الشيء في موضعه, وإذا وضعت الشيء في غير موضعه تكون قد جانبت العدل والصواب؛ لذا سوف تكون النتائج سلبية على كل الأحوال، وتحقيق العدالة من أعظم مقاصد الشريعة.

والسؤال كيف نحقق العدل في حياتنا الدينية والمهنية؟ والجواب فيما يأتي:

تخلص من أسر العادة

العادة: سلوك متكرر يصدر من الشخص بطريقة لا إرادية نتيجة قناعة ترسخت في عقله الباطن عبر السنين.

      وتنبع خطورة العادات من أنها تتحكم تماما في سلوكيات الإنسان وبالتالي تتدخل في كل لحظة من لحظات حياته, فالإنسان في الحقيقة ما هو إلا مجموعة من العادات, والعادات في النهاية هي التي تحدد مصيره - بإرادة الله تعالى- في الحياة سواء أكان نجاحاً أم فشلاً.

مثال: إنسان لديه عادة التسويف والكسل: وهما من مشكلات مجتمعنا.

كيف تكونت لديه هذه العادة ؟

1- شب منذ صغره فرأى أباه وأمه وبيئته في كسل عن الواجبات, وتأخير عمل اليوم إلى غد, فوعى ما رأ ى فتكونت لديه فكرة.

2- بدأ يمارس هذا الفعل نفسه الذي رآه من البيئة.

3- بتكرار الفعل ومع مرور السنين تكوّن لديه سلوك الكسل فأصبح عادة.

- ما رأيك في إنسان عنده عادة التسويف والكسل وإيثار الدعة والراحة على العمل الجاد الدؤوب, فكيف سيكون ذلك مؤثرا في حياته?

لا شك أنه سيحصد شخصية كسولة تقوده إلى مصير الفشل الذريع.

     وعلى العكس من ذلك إنسان لديه عادة الجدية والالتزام, وبدأ يمارس الأفعال نفسها ومع الممارسة لأفعال الجدية وحب النشاط والعمل ترسخت في نفسه تلك العادة, فحصد شخصية جادة نشيطة منضبطة لابد أن تقوده في النهاية إلى مصير النجاح بعون الله تعالى.

إذاً نجاح الإنسان وخروجه من نفق الفشل مرتبط بعاداته, فللنجاح عادات كما أن للفشل عادات.

تقول الحكمة القديمة: (اغرس فكرة تحصد فعلا, اغرس فعلا تحصد عادة,اغرس عادة تحصد شخصية، اغرس شخصية تحصد مصيرا).

هل من الممكن تغيير العادات ؟

     عندما انطلقت السفينة (أبوللو) في رحلتها إلى القمر, كان على رواد الفضاء أن يتخلصوا من أكبر عائق في طريق الوصول ألا وهو قوة الجاذبية الأرضية؛ ومن أجل ذلك تم تحميل تلك السفينة على صاروخ فضائي ذي مراحل مختلفة, استخدم هذا الصاروخ في المرحلة الأولى للإطلاق كمّاً هائلاً من الطاقة في الدقائق الأولى من الإطلاق خلال الأميال الأولى القليلة من الرحلة, لقطع مسافة حوالي نصف مليون ميل، وذلك للتخلص من أسر الجاذبية الأرضية.

     وعادات الإنسان أيضا لها قوة جذب هائلة نتجت عن ممارسات قد استقرت في أعماق العقل الباطن عبر السنين, ولكن مع ذلك يمكن تغييرها بالجهد المضاعف والمتابعة, ومع أن ذلك يستغرق جهد ا جبارا في أول الأمر, لكن الأمر يخف علينا بعد أن نشعر بالتخلص من أسر هذه العادات وما لها من آثار سلبية،  والمشجع في الأمر أننا عندما نستبدل عادات الفشل بعادات النجاح, فإن عادات النجاح أيضا تكون لها تلك الجاذبية القوية نفسها, بمعنى أننا لن نستطيع التخلي عنها بسهولة مما يحتم علينا أن ننجح ولو رغما عنا, فالعادات إذاً لها قوة جذب هائلة وبإمكانك أن تسخر تلك القوة لتعمل لصالحك, أو تسخرك هي لنفسها لتعمل ضد نفسك, فالعادات يمكن تغييرها جزما, وهذا مقتضى قوله -تعالى-: {إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (الرعد: 11).

     ولو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتدريبات, وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن؛ إذ ينقل الصقر من الاستيحاش إلى الأنس, والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك, والفرس من الجماح إلى سلاسة الانقياد, وكل ذلك تغيير للأخلاق.

والعبادات -كالصيام- وسائل عظيمة في تغيير عادات الإنسان.

تذكر رسالتك أيها المسلم: (الخبرة العملية وأخلاقيات المهنة)

ما الرسالة التي وضعها الله للمؤمن ليصبح في أقصى درجات النجاح والفاعلية؟

- سؤال مهم وخطير سيترتب على إجابته فهم معنى الحياة, وتحديد الطريقة الصحيحة للعيش في هذه الحياة الدنيا؛ ولذا فهذه المحاضرة اليوم تحتاج منك إلى تركيز وانتباه; لأنها قد تغير نظرتك للحياة وبالتالي ستغير حياتك بأكملها.

- لتعلم أيها المؤمن: أن رسالتك المتفردة التي تمنحها لك شريعة الإسلام تنبني كلها على إجابة عن أخطر سؤال ظهر على وجه الأرض منذ بدء الخليقة وحتى قيام الساعة, هذا السؤال هو: لماذا خلقنا على ظهر الأرض ؟

ما مهمة الإنسان الحقيقية التي وجد للقيام بها?

     هذا السؤال الذي حير الفلاسفة والمفكرين الذين حرموا من نور الوحي; فضلوا وأضلوا؛ فمنهم من قال: إن الله خلق العالم ثم نسيه! سبحانك هذا بهتان عظيم! {وما كان ربك نسيا} (مريم:64)، ومنهم من قال: إنه خلق العالم للعب! ويقول -تعالى-: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} (الأنبياء:16)، وقال -تعالى-: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} (الحجر:85).

     نعم أيها المؤمن, فهذا هدفك الأعظم في الحياة, أن تمضيها كلها في تحقيق مرضاة الله عز وجل; فيكون جزاؤك السعادة والنجاح في الدنيا والآخرة.ولكن هل يعني ذلك أنك مطالب بالعكوف في المساجد, وترك الدنيا من أجل التفرغ للعبادة وترك الكدح في شؤون الحياة الدنيا؟!

كلا بالطبع, إن هذا المفهوم المغلوط الناقص لكلمة العبادة هو الذي أوجد ذلك الفصام النكد بين الدين والدنيا, وبين الدنيا والآخرة في حس كثير من المسلمين.

     فالعبادة في مفهومها الصحيح كما يعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه: من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة»؛ فكل فعل لك في هذه الحياة سواء كان طاعة مشروعة, أم عملا مباحا إذا ابتغيت به مرضاة الله -عز وجل-; فإنه عبادة تثاب عليها من الله عز وجل, بل إن المسلم عندما يأتي شهوته المباحة يؤجر عليها وتكون له صدقة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم - «... وفي بضع أحدكم صدقة»! فتعجب الصحابة من ذلك، قالوا: يا رسول الله, أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر?! قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام, أكان عليه وزر? فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر». (رواه مسلم).

     وتعمير هذه الأرض, هو من جملة العبادات التي فرضها الله على المؤمن, غير أن تحقيق العبودية لله -جل وعلا- في الأرض لا يتم إلا بحيازة مقومات الخلافة التي جعلها الله -عز وجل- سببا لاستمرار الحياة وبقائها.

     {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة: 30) ووضح الغاية من الخلافة في قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: 56) وفي قوله: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} (هود: 61)، ومن بينها السعي في الأرض وابتغاء فضل الله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك: 15).

     والخلافة في أرض الله إنما تكون بعمارتها وصناعة النهضة والحضارة فيها, ولكنها الحضارة الموصولة بالله -تعالى-, التي ينشئها الإنسان في تعبيد الناس لرب العالمين, وها هو ذا النبي -[- يبين لنا هذا المفهوم العظيم, ويعقد الصلة بين الدنيا والآخرة, فيقول: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل». (رواه أحمد والطيالسي والبخاري في الأدب وصححه الألباني).

قم بتطوير ذاتك

ويكون تطوير الذات في المجالات الآتية:

- الإيمان: وذلك بالمداومة على زيادة الإيمان ورفع مستواه بالمداومة على فعل الطاعات, واجتناب المنكرات, والإكثار من النوافل.

الإنتاج والكفاءة والفعالية

- الاحتراف: وذلك برفع مستوى الإنتاج والكفاءة والفعالية في عملك أو مهنتك.

- العلاقات: وذلك بالمداومة على رفع علاقتك الإيجابية مع الآخرين «وخالق الناس بخلق حسن...».

شعارك مع الوظيفة

1-(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).

2 -(سوف تكون لي لا علي).

3-(لو دامت لغيري ما وصلت إلي).

تفقه في دينك

فلا يمنعك ضغوطات العمل من درس ثابت في معرفة الحلال والحرام.

لتكن الحكمة حليفك

     كثير من أصحاب الوظائف يصعب عليهم تطبيق مبادئهم مع تحديات العمل مثلا:  -رئيسي لا يعجبه هذا السلوك (الالتزام الديني)- بعض المواقف حرجة فعلا مثل أن تصافحك مديرتك! وهنالك القلق الدائم كلما فكر في التقاعد.

الثقة بالله

     ينبغي أن تكون على ثقة بعجز المخلوقين عن التصرف في حياتك سلبا أو إيجابا: فعن ابن عباس قال: كنت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فقال: «يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف». (رواه أحمد والترمذي وصححه في تخريج المشكاة) والرزق بيد الله, قال تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (هود: 6)؛ فالشخص الذي يتملكك الخوف من إذيته لك قد تكون أنت سببا في هدايته.

تقوى الله

     قال -تعالى-: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق:2-3)، {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} (الطلاق:4)، {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا} (الطلاق:5).

إقناع الناس

إقناع الناس بمبادئك أولى من الهروب والتخفي, والحد الأدنى أن يعلموا أن هناك حياة خاصة وحرية شخصية للفرد.

التوسط في الأمور

بتفهم عادات الناس التي لم يتفلتوا منها بعد, فتعيش مبادئك عندهم بنوع من الهدوء المفعم بالحكمة والرحمة دون تشدد أو تسيب.

     عن أبي هريرة -رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مثل المؤمن كمثل خامة الزرع يفيء ورقه من حيث أتتها الريح تكفئها فإذا سكنت اعتدلت، وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء ومثل الكافر كمثل الأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء» (رواه البخاري).

رب نفسك على الصبر

تخلص من ضغوط المال: كالرشوة والهدايا المشبوهة).

{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} (النمل:36).

     عن أبي حميد الساعدي قال: «استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا، ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر أي (تصيح)، ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول اللهم هل بلغت». (متفق عليه).

كن نظاميا

(لتوفق بين إعطاء العمل حقه والبيت كذلك) والقصد في ذلك الحرص على الاستفادة من الوقت:

     وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل» (تقدم تخريجه) وهذا يعني أنه ما بقي من العمر شيء وجب أن يبقى من العمل شيء بقدر ما بقي من العمر, وهذا غاية العناية بالوقت, وغاية الفقه في الدين؛ لأن هذا الغرس لا يستفيد منه في الدنيا لكن في الآخرة.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك