المواقع الأثرية في غزة..معالم راسخة في الأرض (3300ق.م)
في جنوب مدينة غزة، يقع (تل السكن) أحد أهم المواقع الأثرية في الأراضي الفلسطينية التي يعود تاريخه إلى العصر البرونزي المبكر (2300ق.م).
يقع التل شمال وادي غزة على بعد 5 كم جنوب مدينة غزة، على تربة رملية كركارية بارتفاع 30 مترًا عن سطح البحر، وقد تميز بالمناعة والحصانة؛ بسبب التحصينات المعمارية التي أنشئت فيه على مدار التاريخ.
مدير عام الآثار بوزارة السياحة والآثار الفلسطينية جمال أبو ريدة، يصف (تل السكن) بأنه أقدم مركز إداري مصري محصن في فلسطين، وهو بمثابة السكن الرئيس للأعمال التجارية بين مصر والمناطق المجاورة لها. ويضيف أبو ريدة خلال حديثه لمجلة (الفرقان) أن التل شهد مرحلتين مختلفتين من الاستيطان البشري وهما الحضارة المصرية والحضارة الكنعانية اللتان تعودان إلى أوائل العصر البرونزي المبكر.
اكتشف (تل السكن) عام 1418هـ-1998م، أثناء بناء مجمع سكني فيه؛ حيث ظهرت بقايا كبيرة من الطوب اللبن، فضلا عن معالم عمارية أخرى والعديد من القطع الأثرية المتنوعة.
ويقول أبو ريدة: إن اكتشاف هذا المعلم ساعد في توضيح التاريخ القديم لغزة وتطور العلاقات المصرية الكنعانية التي مرت بمراحل متعددة مثل العلاقات التجارية والعسكرية والإدارة؛ وذلك خلال الألفية الثالثة والرابعة قبل الميلاد.
وتفيد إحصاءات رسمية بوجود 150 بيتا أثريا، و20 مسجدا أثريا، وسوق قديمة، وسبيل واحدة ، وزاويتان، فضلا عن 15 موقعا أثريا، في قطاع غزة.
ويؤكد أبو ريدة أن الكثير من المواقع الأثرية في الأراضي الفلسطينية تعرضت لعملية سرقة ونهب منظمتين من قبل السلطات الإسرائيلية أثناء احتلالها لقطاع غزة؛ حيث قامت بتزوير بعض القطع الذهبية والتوابيت وعدد من الأحجار والآثار التي كانت موجودة في غزة على أنها قطع أثرية تعود لليهود.
على مسافة لا تبعد كيلو مترات معدودة، يقع موقع (تل أم عامر) أو الذي يصنف من أهم المواقع الأثرية في فلسطين، وهو أول دير نصراني وضع في البلاد, ويعود تاريخ بنائه إلى مراحل زمنية قديمة، يقع على تلة مرتفعة من الرمال على بعد 15 كم جنوب غرب غزة وعلى بعد 3 كم غرب مدينة النصيرات، فيما يبعد عن ساحل البحر 500 متر تقريبا ويرتفع بنحو 22مترا.
يقول أبو ريدة: إن عمليات التنقيب مستمرة في هذا الموقع لاكتشاف المزيد من الآثار، وحل الكثير من الألغاز من خلال تفسير النقوش واللغات المكتوبة على بعض لوحاته.
ويؤكد أن (تل أم عامر) يمثل معلما تاريخيا كبيرا ، و مكانا للجذب السياحي لكن هو بحاجة إلى عناية واهتمام أكبر لتحويله إلى موقع أثري يجذب الزوار، ويتكون الدير من مجموعات معمارية عديدة محاطة بسور خارجي من الحجر المهندم المسنود بدعامات حجرية بمساحة قدرها 137م في 75م، فضلا عن احتوائه على مجموعة من القاعات والغرف والممرات، بلغ عددها 245 غرفة، تعود أدوار بنائها الى مراحل زمنية عدة، بدأت من منتصف القرن الرابع الميلادي حتى القرن الثامن الميلادي.
معلم تاريخي آخر في قطاع غزة يعد النموذج الوحيد المتبقي للقصور في غزة . فـ(قصر الباشا) يمثل في تصميمه ومحتواه المعماري فلسفة وطابع العمارة الإسلامية، وهو يقع في حي الدرج بالجهة الشرقية من البلدة القديمة فيها.
ولا توجد لوحة تأسيسية تؤرخ لبناء هذا المبنى، ويقال: إن بناءه يعود للعمارة الإسلامية المملوكية؛ ودل على ذلك وجود رنك (شعار) الأسد، على المدخل الرئيس للقصرو وهو عبارة عن أسدين متقابلين اُتخذ للدلالة على انتصار المسلمين على الخطرين المغولي والصليبي.
ويقول علي عاشور موظف في وزارة الآثار والسياحة والمرشد الخاص بالمتحف: «القصر من القصور النادرة في فلسطين؛ ومعظم القصور في فلسطين الإسلامية تم هدمها».
ويبين عاشور خلال حديثه لمجلة (الفرقان) أن القصر يتكون من مبنيين منفصلين، كَوَّنا فيما بينهما حديقة، ويقع المدخل الرئيس للقصر في الواجهة الجنوبية للمبنى الشمالي، وهي من أجمل الواجهات بناء وزخرفة؛ حيث زُينت بزخارف هندسية جميلة نُقشت بالحجر، وزُينت المداخل والواجهات بالعديد من العناصر المعمارية والزخرفية المميزة، كالعقود والأطباق النجمية، التي تدل على رقي وازدهار فن العمارة الإسلامي.
وأشار إلى أنه لا يوجد في القصر أي لوحة تعريفية تقدم تاريخا دقيقا لإنشاء القصر، وتم التعرف عليه بأنه يعود للعصر المملوكي من خلال شعار الأسد الموجود على بوابة القصر؛ حيث اتخذ منه الظاهر بيبرس شعاراً له.
تحول قصر الباشا حديثا إلى متحف، وباتت جدرانه وحجراته تتحدث عن نفسها لكل الزائرين عن قدمها وأسرارها، وباتت باحاته تحتوى مكتشفات أثرية جمعت من كل أماكن قطاع غزة لتعرض في هذا المكان.
وينوه عاشور إلى أن المتحف يفتح مع كل صباح أبوابه للزائرين مجانا، ويشرح لهم الموظفون تفاصيل الآثار التي يحتويها المتحف.
كذلك توجد معالم أثرية مهمة في قطاع غزة تثبت المكانة التاريخية والموقع الجغرافي المهم للقطاع منذ أزل التاريخ؛ ففي حي الدرج يقع سوق القيسارية أو سوق الذهب وهو ملاصق للجدار الجنوبي للجامع العمري الكبير، ويعود بناء السوق إلى العصر المملوكي، ويتكون من شارع مغطى بقبو مدبب وعلى جانبي هذا الشارع حوانيت صغيرة مغطاة بأقبية متقاطعة.
أما حمام السمرة فيقع بحي الزيتون، ويعد أحد النماذج الرائعة للحمامات العثمانية في فلسطين، وهو الحمام الوحيد الباقي لغاية الآن في مدينة غزة؛ حيث حظي في تخطيطه الانتقال التدريجي من الغرفة الساخنة إلى الغرفة الدافئة، ومن ثم الغرفة الباردة التي سقفت بقبة ذات فتحات مستديرة معشقة بالزجاج الملون يسمح لأشعة الشمس من النفاذ لإضاءة القاعة بضوء طبيعي يضفي على المكان رونقاً وجمالاً، هذا فضلا عن الأرضية الجميلة التي رصفت بمداور رخامية ومربعات ومثلثات ذات ألوان متنوعة، وقد رمم الحمام مؤخراً وأصبح أكثر جمالاً وروعة.
يقدر عمر حمام السمرة بغزة بحوالي ألف سنة حسب اللوحة الموجودة التي تشير إلى إنهاء إعادة بناء الحمام وترميمه علي يد (سنقل بن عبد الله المؤتي) في أوائل العهد المملوكي سنة 656 هـ، ويعد الحمام من الأماكن المباركة التي تفيد جسم الإنسان.
ويقسم حمام السمرة إلى ثلاثة أقسام مقسمة حسب درجة الحرارة، ويقول مدير حمام السمرة سليمان لوزير: «لقد قامت الجامعة الإسلامية بالتعاون مع إدارة الحمام ومؤسسة (اكويكرز) بترميم هذا الحمام».
ويضيف: «يوجد اهتمام معنوي من قبل الحكومة للحفاظ على الحمام دون تقديم أي دعم مادي»، مضيفًا أن هذا الحمام يرتاده آلاف المواطنين من كافة أنحاء قطاع غزة سنوياً .
لاتوجد تعليقات