رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 10 أغسطس، 2022 0 تعليق

الموازنة بين المصالح والمفاسد من قصص القرآن والسُنَّة – قصة موسى والخضر عليهما السلام

 

 

محمد سعيد الشحات

     مُراعاة المصالح والمفاسد مَطلبٌ شرعي، جاءت به الشريعة الإسلامية؛ لأنَّ الشريعة جاءت لتحقيق مَصالح العباد أو تكميلها، ودفع المفاسد أو تقليلها، قال -تعالى على لسان شُعيبٍ-: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ}، والموازنة: هي المُفاضلة بين المصالح والمفاسد المتعارضة؛ لتقديم الأوْلى، والمصلحة: هي الفعلُ الذي فيه صلاحٌ ونفعٌ، والمفسدة: ضدُّ المصلحة.

قصة موسى والخضر -عليهما السلام

     عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أنَّ النبيَّ ذَكَرَ قصةَ مُوسى والخَضِر؛ فقال: «فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ؛ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَعُرِفَ الْخَضِرُ؛ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ أَجْرٍ... فَعَمَدَ (قَصَدَ) الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ أَجْرٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا: قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ».

      ثُمَّ ذَكَرَ الخَضِرُ لمُوسَى سَبَبَ خَرْقِهِ لِلسَّفِينَةِ؛ فَقَالَ: «سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا؛ فَإِذَا جَاءَ الذِي يُسَخِّرُهَا وَجَدَهَا مُنْخَرِقَةً؛ فَتَجَاوَزَهَا، فَأَصْلَحُوهَا بِخَشَبَةٍ» (متفق عليه).

وَكَانَ وَرَاءَهُمْ: أي: أمَامَهم.

فَتَجَاوَزَهَا: أي تركوها؛ لأنها مَعِيبة.

الدروس المستفادة

- بيانُ الحكمة مِن خَرقِ السفينة، وهو أنَّ مَلِكًا ظالِمًا كان أمَامَهم يأخذ كل سفينةٍ صالحةٍ بالقَهرِ والقُوةِ.

- مَشروعيةُ إصلاح كلِّ المالِ (أو أكثره) بإفسادِ بعضه؛ فالخَضِر أفسَدَ بعض المال بيده لينجوَ أصل المال.

- إذا عُلِم بالتجربة والواقع أنَّ عاقبةَ المال كله إلى الفساد، ويمكن استنقاذه بإفساد بعضه؛ شُرِع ذلك قياسًا على فِعل الخضر.

- متى وُجِد ضَرران لابد مِن وقوع أحدهما؛ فيُتَحَمَّل الضرر الأصغر لدفع الضرر الأكبر؛ لأنَّ خَرقَ السفينة أخَف مِن ضَياعِها بالكليَّة.

- الموازنةُ بين المصالح والمفاسد مما اتفقت عليها الشرائع جميعها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إِنَّ اللَّهَ -تعالى- بَعَثَ الرُّسُلَ لِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا بِحَسَبِ الإِمْكَانِ» (مجموع الفتاوى).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك