رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 31 أغسطس، 2022 0 تعليق

المنهج النبوي في مواجهة التحديات العقائدية للشباب (2)

ما زال حديثنا مستمرًا حول منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواجهة التحديات العقائدية للشباب، وذكرنا من ذلك: غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الشباب، وذكرنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طبق ذلك من خلال وسائل عملية أولها تعليمهم الإيمان منذ الصغر، وتعليم الحسن وغيره بعض الأدعية، ثانيًا: التوضيح والبيان، وذلك من خلال ضرب الأمثال، واستخدام وسائل الإيضاح، والقصص، وإجابة التساؤلات.

ثالثًا: إثارة الانتباه واغتنام الفرص

     من منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الشباب إثارة الانتباه لما يريد أن يعلمهم إياه، ويعرفهم به، وذلك يجعل الشاب مستعدا لما يلقى إليه، بتوجيه حواسه وتركيز ذهنه، إضافة إلى ذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يغتنم الفرصة المناسبة لهذا التعليم، والمواقف في هذا كثيرة، فمنها ما حصل لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه -؛ حيث يقول: «بينما أنا رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل، فقال: يا معاذ، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: هل تدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ بن جبل، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق العباد على الله ألا يعذبهم».

درس بليغ في العقيدة

     تلقى الشاب معاذ بن جبل - رضي الله عنه - درسًا بليغًا في العقيدة، وقد تأثر به تأثرا شدیدًا، مما جعله لا يكتفي برواية ما سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كلام مقصود، بل يروي تفاصيل حاله مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن تلك المؤثرات في هذا الموقف ما يلي:

١- تكرار النداء «یا معاذ بن جبل»... «یا معاذ بن جبل»... «یا معاذ بن جبل»... مع كون معاذ بن جبل قريبا منه، مما جعله شديد الاتنباه، متهيئة للسماع.

٢- السكوت بعد النداء، وذلك يدعو إلى التفكير في أهمية الأمر.

٣- ابتداء الدرس بإلقاء سؤال: هل تدري ما حق الله على عباده؟

اغتنام الفرص

      كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدع فرصة تمر على الشباب دون أن يغتنمها ويجعل منها درسا بليغا في العقيدة، أو موعظة مؤثرة كثيرا ما تدمع منها العيون، وتوجل منها القلوب، والتوجيه المناسب لذه الحادثة أو هذا الموقف، أو هذه الحالة يجعل الشباب يأخذوا منه درسا لا ينسى، وذلك لارتباطه بهذا الواقع المشاهد، أو صلته بمناسبة لابسها الناس وعايشوها، وهنا يرسخ التعليم في الذهن ويثبت في القلب ولا يحتاج إلى تطويل وتكرار.

     ومن أمثلة اغتنام الفرص ما رواه عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس فجعل ينكت مخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة، إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتب شقية أو سعيدة، فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: «أما أهل السعادة فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل الشقاوة، ثم قرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآية.

المتابعة وتقويم الأخطاء

كذلك كان من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - المتابعة وتقويم الأخطاء وذلك من خلال وسائل عدة:

 أولاً: التعاهد بالوصية

     إضافة لما كان يسلكه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الشباب من التعليم في الصغر ثم التوضيح والبيان وإثارة الانتباه واغتنام الفرص، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحرص على متابعة هذا الغرس، وتعاهد الإيمان في القلوب، ببذل الوصايا لهم، ومن وصاياه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الجانب ما يلي:

احفظ الله يحفظك

     عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فقال: «يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف»، فهذه وصية عظيمة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عمه الغلام ابن عباس، وصية يتكفل الله -سبحانه و-تعالى-- لمن عمل بها أن يحفظه في أموره كلها، ومن جملتها أعز ما يملكه الإنسان إيمانه بر به، فيحفظه الله -سبحانه و-تعالى-- من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فیتوفاه على الإيمان.

اتق الله حيثما كنت

     ومن الوصايا الإيمانية وصيته - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن»، وهذه الوصية نفسها أوصى بها الشاب معاذ بن جبل - رضي الله عنه -؛ حيث قال: يا رسول الله! أوصني، قال: «اتق الله حيثما كنت -أو أينما كنت- قال: زدني قال: أتبع السيئة الحسنة تمحها، قال: زدني، قال: خالق الناس بخلق حسن».

استحيوا من الله حق الحيا

ويروي عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - وصية أخرى من الوصايا الإيمانية؛ حيث يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: استحيوا من الله حق الحياء، قال: قلنا یا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله، قال، ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».

 

ثانيًا: امتحان إيمان الشباب

      قال -تعالى- {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}. ولما كانت هذه حقيقة الإيمان، وهذه حال المؤمن، كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - حريصا على أن يبلغ الشباب حقيقة الإيمان، لتكون لهم القدرة على حمل الأمانة، والقيام بالتكاليف، والثبات عند الفتن، فكان يمتحن ما عندهم من الإيمان ومدی رسوخهم فيه، وبهذا يتسنى له إكمال نقصه، وإصلاح خلله، وتفسير غامضة، ومن مواقفه - صلى الله عليه وسلم - في امتحان الشباب ما يلي:

امتحان صبر الشاب

     عن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم، يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالميشار، فيوضع على رأسه، فيشق بائنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».

     في هذا الحديث امتحان لصبر الشاب خباب بن الأرت ومن معه من المؤمنين، وهم المؤمنون الأوائل، الذين حملوا عبء الدعوة في مهدها؛ فإن هذه المرحلة من الدعوة بحاجة إلى رجال على جانب كبير من الصبر والثبات وتحمل الأذى في سبيل الله.

     وعن عبدالله بن عمرو قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف أنت إذا بقيت في حثالة من الناس؟ قال: قلت يا رسول الله، كيف ذلك؟ قال: إذا مرجت عهودهم، وأماناتهم، وكانوا هكذا - وشبك يونس بين أصابعه يصف ذاك- قال: قلت ما أصنع عند ذاك یا رسول الله؟ قال: اتق الله -عز وجل- وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصتك، وإياك وعوامهم».

     في هذا الحديث امتحان الإيمان للشاب عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - لمعرفة ماذا سيفعل في حال ظهور الفتن واختلاط الأمور.

     ومن مواقف امتحان الشباب حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - المذكور سابقا، وذلك عندما سأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تدري ما حق الله على عباده؟ وقال أيضا هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟

ثالثًا: تقويم إيمان الشباب

     إذا كانت مرحلة إيمان الشباب مرحلة مهمة لمعرفة ما يوجد من الخلل والنقص عند الشباب في هذا الجانب، فإن الأمر لا يتوقف عند هذا بل بأتي مرحلة التقويم لذلك الخلل، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغفل عن سلامة عقيدة شباب أمته وقوة إيمانهم، فعندما يدرك الخطأ يبادر في إصلاحه، ويسد خلله، ويكمل نقصه، حتى ينشأ الجيل قوي الإيمان ثابت الجنان، وكان أسلوب النبي -[- في تقويمه للأخطاء أسلوبا حكيما، كيف لا؟ وقد أمره ربه -سبحانه وتعالى- بقوله {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة الموعظة الحسنة}، والشباب خصوصا يجب دعوتهم بأسلوب حكيم في مواجهة أخطائهم، ومن الأسلوب الحكيم للنبي - صلى الله عليه وسلم - في تقويم الأخطاء في الإيمان ما يلي:

1- التعليل وإيجاد البديل

     عن عبدالله بن مسعود -  رضي الله عنه - قال: «كنا نصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقول: السلام على الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله».

     من الملاحظ في هذه الرواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أدرك الخطأ لم يسكت عنه، بل صوبه بقوله: «إن الله هو السلام. قال البيضاوي ما حاصله: إنه أنكر التسليم على الله، وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال، فإن كل سلام ورحمة له ومنه، وهو مالكها ومعطيها. وقال غيره: وجه النهي لأنه المرجوع إليه بالمسائل، المتعالي عن المعاني المذكورة، فكيف يدعى له وهو المدعو على الحالات.

     وبعد التعليل يوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - البديل هذا القول «ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات...» وفي رواية أخرى فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء، أو بين السماء والأرض» تعليل للبديل وترغيب فيه.

٢- الإشعار بعظم الخطأ

     عن أسامة بن زید -رضي الله عنهما- قال: «بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرقة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار، رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟! قلت: كان متعوذا. فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم».

     وفي رواية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأسامة: «كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!». فلم تمنع مكانة أسامة بن زید - رضي الله عنه - عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبه له، من أن يقف من أسامة موقف المغلظ عليه، المبين له خطر ما وقع فيه، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرر الإنكار، حتى أدرك أسامة بن زید - رضي الله عنه - فداحة غلطته، وخطر زلته، وخشي من عاقبة ذلك. وكان هذا الموقف كافيا بأن يلقن أسامة بن زید درسا لا ينساه، ولا يعود إلى مثل ذلك العمل مرة أخرى، ويعبر أسامة بن زید - رضي الله عنه - عن شدة تأثره بهذا الدرس فيقول: «فلا والله لا أقاتل أحدا قال: لا إله إلا الله، بعد ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ».

 

٣- الإيحاء بالغضب

     عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: «أَهدى إليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حُلة سيراءَ فلبستها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي».

     إن الخطأ الذي وقع فيه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - هو لبس ثياب تحرم على الرجال؛ لما فيها من الحرير، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضب لهذا العمل، فكان هذا الغضب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أدركه علي - رضي الله عنه - كافيا لأن يدرك علي خطأه، ويقلع عنه.

4- الإلزام والتحذير من العواقب

     عن أبي هريرة - رضي الله عنه  - قال: خرج علينا رسول الله -  صلى الله عليه وسلم - ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى احمر وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال: «أكذا أمرتم، أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه».

5- العتاب والعقاب

     قد يحتاج الخطأ الحاصل للشباب في قضية من قضايا الإيمان إلى عتاب أو عقاب -ولكن بحدود معينة بعيدة عن العواطف، والانفعالات- فلم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعاتب شباب الصحابة بكلمات جارحة أو زائدة عن حدودها.

     لقد عاتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشاب معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عندما شكاه قومه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإطالة الصلاة بهم، ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عتابه لمعاذ لم يزد على قوله: «یا معاذ، أفتان أنت، أفتان أنت؟ اقرأ بكذا».

     وقد يتجاوز تقويم الخطأ مرحلة العتاب إلى مرحلة العقاب بحسب حجم الخطأ وملابساته، ومن أمثلة ذلك ما عاقب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشاب كعب بم مالك - رضي الله عنه - عند ما تخلف عن الخروج إلى غزوة تبوك، فجلسوا في هذه العزلة خمسين ليلة حتى أنزل الله -سبحانه وتعالى- توبتهم».

 

 

فوائد من مواقف اختبار إيمان الشباب

- معرفة قدرة الشباب على تحمل التكاليف الإيمانية.

- معرفة ما عندهم من النقص في فهم بعض القضايا الإيمانية.

- توجيه الشباب إلى ما يجب فعله في حال الفتن.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك