رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 30 مايو، 2023 0 تعليق

المناصب العامة أمانة وتوليتها غير المؤهلين لها خيانة – أمانـة اختيـار المرشح

التصويت في الانتخابات أمانة، ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها ويؤديها بالشكل الصحيح، وهي كذلك شهادة سيسأل عنها أمام الله ، قال -تعالى-: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} (الزخرف/19)، فالمسلم سيسأل عن هذه الشهادة يوم القيامة، فلا يجوز له أن ينتخب إلا من يراه كفؤاً لهذا المجلس، حتى لو كان قريبًا أو صديقًا، أو مقابل أن يأخذ شيئًا من المال أو الهدايا -وهذا حرام أصلا- ثمنًا لصوته وشهادته؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يصل إلى موقع المسؤولية من ليس أهلاً لها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»، قالوا: كيف إضاعتها يا رسول اللَّه؟ قال: «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ؛ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» .

     إنَّ المناصب العامة هي من بين أعلى مراتب الأمانة، والتفريط فيها بتسليمها لغير المؤهلين لها يُعَدُّ خيانة عظيمة، ولطالما كان رسول الله - عليه السلام - يوصي بالأمانة في خطبه، ويحذر من التفريط في حملها، فعن أنس قال: ما خطبنا رسول الله إلا قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»؛ ولذلك لما سأل أبو ذر - رضي الله عنه - وهو من هو في الصلاح والزهد والعلم والخُلق- رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لماذا لا يستعمله؟ (أي يوليه وظيفة عامة)، قال له: «يا أباذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها» رواه مسلم.

استشراء الفساد في المجتمع

     ومن مفاسد تولي المناصب العامة لمن ليس أهلاً لها استشراء الفساد في المجتمع بأسره بحسب خطورة المنصب، وذلك ما نبه إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: «إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة»، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ ، قال: «إذا أُسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»، والأمانة تقضي بأن نصطفي للأعمال أحسن الناس قياما بها، فإذا ملنا عنه إلى غيره - لهوى أو رشوة أو قرابة، فقد ارتكبنا -بتنحية القادر وتولية العاجز - خيانة فادحة.

وجوب اختيار الأكفأ

      واستنادا إلى مجمل النصوص الواردة في القرآن والسنة، وكذلك القواعد العامة في الشريعة ومقاصدها، ذهب علماؤنا المحققون من السلف والخلف إلى وجوب اختيار الأكفأ في تولية المناصب، وقد بوَّب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الفصل الأول من كتابه: (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية)، بعنوان (استعمال الأصلح)، واستشهد فيه ببعض هذه النصوص والقواعد، وعلق عليها بقوله: «فيجب على ولي الأمر أن يولّي على كل عمل من أعمال المسلمين، أصلح من يجده لذلك العمل، وهذا واجب عليه، فيجب عليه البحث عن المستحقين للولايات، من نوابه على الأمصار، من الأمراء الذين هم نواب ذي السلطان، والقضاة، ومن أمراء الأجناد، وولاة الأموال من الوزراء والكتاب والسعاة على الخراج والصدقات، وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين، وعلى كل واحد من هؤلاء، أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده، فيجب على كل من ولي شيئاً من أمر المسلمين، من هؤلاء وغيرهم، أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع، أصلح من يقدر عليه، ولا يقدم الرجل لكونه طلب الولاية، أو يسبق في الطلب، فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو صداقة، أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة، أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نهي عنه في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الأنفال:27)..» اهـ .

دور العلماء في توجيه الناخبين

      على العلماء في هذا الجانب مسؤولية كبيرة في إرشاد الناس إلى المشاركة وتحمّل المسؤولية، والتأكيد على دورهم الفاعل في مكافحة الفساد باختيار من هو أصلح، ويجب عليهم بيان الحق للناس، إبراءً للذمة، وإقامة الحجة على أهل الباطل، قال -تعالى-: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (النساء:165)، كما أنَّ عليهم نشر الوعي لدى الناس من خلال خطاب ديني متزن، يستهدف نشر قيم الفضيلة في المجتمع، وبيان مخاطر اختيار الفاسدين وآثاره السلبية المترتبة عل المجتمع، والجزاء والعقاب الذي يناله الفرد في الآخرة جراء ذلك، كما أنه يجب على أهل العلم ألا يستغلوا المنابر التي أعطيت لهم سواء في المسجد، أو من خلال برنامج تلفزيوني، أو عمود في جريدة لتلميع بعض من لا يستحق، لمصلحة شخصية أو لهوى عنده، ونقول: إن أكثرية أهل العلم -بفضل الله- يقوم بالدور المطلوب في بيان هذا الحق.

 

 

القوة والأمانة

      القوة والأمانة من أهم الصفات التي يجب أن يتصف بها النائب قال -تعالى-: {إن خير من استأجرت القوي الأمين}، فلابد أن يكون فيه القوة والقدرة على القيام بواجبات هذا المنصب، وأن يكون مؤهلا لهذا المكان؛ حيث يحتاج هذا المكان إلى نوع من الأهلية، ونوع من القدرة على العمل والقول؛ بحيث تكون لديه القدرة على قول الحق، وأن يتكلم بما يعلم من الحق، ولاسيما من الكتاب والسنة، ثم لابد أن يكون هذا الشخص صالحًا في نفسه، أمينا إذا اؤتمن على شيء، ويكون قادرًا على أن يؤدي هذه الأمانة ولا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويجب ألا يكون الإنسان همه كسب المال على حساب مصلحة أمته، فيقدم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة؛ فهذا لا شك أن يدل على خطورة هذا المنصب.

 

 

دور الإعلام في التوجيه والإرشاد

م. سالم الناشي

       وعن دور الإعلام في هذه القضية، قال رئيس قطاع العلاقات العامة والإعلام م. سالم الناشي: لا شك أن للإعلام دورا كبيرا في التأثير، وفي توجيه الرأي العام والناخبين لاختيار الأصلح والأكفأ؛ فالإعلام يمكن أن يؤدي دورًا إيجابيا أو دورًا سلبيا في هذا الاختيار، فكما أنه يكون سببًا في إيصال أناس صالحين لقبة مجلس النواب، ويمكنه كذلك أن يوصل لنا عناصر سيئة من خلال التلميع وتزييف الحقائق حولهم، وهذا ما لا نستطيع أن نتجاهله؛ لأن الواقع أثبت لنا ذلك، وهو أن الإعلام يؤدي دوراً أساسيا في تكوين الرأي العام، ولا سيما مع هذه الثورة الرقمية الهائلة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ لذلك واجب كل مؤسسة إعلامية أن تلتزم المسؤولية، والدقة والموضوعية والحيادية، واحترام حق الجمهور في معرفة الأخبار الصحيحة دون تزييف؛ لأنه إذا انعدمت الأخلاق، وسيطرت المصالح الشخصية أو الحزبية أو التجارية ابتعدت المؤسسة الإعلامية عن خدمة المصلحة العامة، وهذا يعني أنها بدلا من أن تكون آلية من آليات الرقابة والمساءلة، ومدافعة عن مصالح المجتمع، تصبح أداة رخيصة في يد فئة محددة، تستعملها وتسخرها لخدمة مصالحها، وحتى لو كانت على حساب المصلحة العامة للمجتمع.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك