رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سالم الناشي 30 يوليو، 2017 0 تعليق

المفهوم الإنساني في القرآن الكريم (2) الإنشاء في الأرض سبب للتوبة والاستغفار

- من نعم الله على الإنسان أن خلقه، وأسكنه الأرض ليعمرها وليعيش فيها إلى حين. قال -تعالى- في سورة هود الآية 61: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}.

- فالله يمتن على عباده بنعمه من الخلق والإنشاء والاستعمار ليكون هدفهم الأصيل هو إفراد الله بالعبودية؛ فهو الخالق الذي لا ند، ولا نظير، ولا شريك له. وما بعث الله رسله للناس إلا ليدلوا الناس على خالقهم ومنشئهم، قال -تعالى-: {كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} (الأنعام/133) أي ابتدأكم، ونشأ النشء والنشأة: إحداث الشيء وتربيته. قال -تعالى-: {ولقد علمتم النشأة الأولى} (الواقعة/62).

- ويقال: نشأ فلان، والناشئ يراد به الشاب، وقوله: {إن ناشئة الليل هي أشد وطأ} (المزمل/6) يريد القيام والانتصاب للصلاة، ومنه: نشأ السحاب لحدوثه في الهواء، وتكونه شيئا فشيئا، وأصل «الإنشاء»، الإحداث. يقال: «قد أنشأ فلان يحدِّث القوم», بمعنى ابتدأ وأخذ في الكلام، وعليه يكون معنى أنشأكم أي ابتدأ خلقكم {من الأرض} أي بخلق أبيكم آدم منها.

- وقد خلق الله -تعالى- آدم عليه السلام من الأرض أي مما تحويه وذلك في قوله سبحانه: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} (طه/55)، فخلقه من ترابها، وهذا يتضح من قوله -تعالى-: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} (آل عمران/59). ومزج التراب بالماء فأصبح طينا: {هو الذي خلقكم من طين} (الأنعام/2)، طين لزج: {إنا خلقناهم من طين لازب}(الصافات/11). فأصبح هذا الطين أسود متغيراً، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} (الحجر/26). يشبه الفخار كما قال: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} (الرحمن/14).

- قال -صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -عز وجل- خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض؛ فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب».

- قال ابن القيم -رحمه الله-: « لما اقتضى كمال الرب -تعالى جل جلاله- وقدرته التامة وعلمه المحيط ومشيئته النافذة وحكمته البالغة تنويع خلقه من المواد المتباينة وإنشاءهم من الصور المختلفة, والتباين العظيم بينهم في المواد والصور والصفات والهيئات والأشكال والطبائع والقوى اقتضت حكمته أن أخذ من الأرض قبضة من التراب, ثم ألقى عليها الماء فصارت مثل الحمأ المسنون ثم أرسل عليها الريح فجففها حتى صارت صلصالا كالفخار, ثم قدر لها الأعضاء والمنافذ والأوصال والرطوبات, وصورها فأبدع في تصويرها, وأظهرها في أحسن الأشكال, وفصلها أحسن تفصيل مع اتصال أجزائها, وهيأ كل جزء منها لما يراد منه, وقدَّره لما خلق له عن أبلغ الوجوه, ففصَّلها في توصيلها, وأبدع في تصويرها وتشكيلها».

- يؤيد ذلك قوله -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (الروم:22)، ومن هنا نعلم أن الاختلاف في الخلقة سبب في اختلاف أخلاق الناس وسلوكياتهم؛ فجاء منهم المؤمن والكافر، العادل والظالم، الصابر والجازع، والراضي والساخط، وهلم جرّا.

- فمن أجل ذلك امتن الله -تعالى- على عباده بأن فتح لهم باب التوبة والاستغفار، وحث على ذلك؛ فقال -جل شأنه-: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31)، وقال: {وأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} (هود:3).

وقال -صلى الله عليه وسلم -: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» (رواه البخاري).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك