رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سامح محمد بسيوني 24 فبراير، 2020 0 تعليق

المفاهيم والذوق العام

 

     الله -عز وجل- هو خالق الخلق، وهو أعلم بما يصلحهم وما ينفعهم وما يضرهم، وهذا أمر يجب أن يسلم به العقلاء كلهم، فما من صانع في الدنيا -ولله المثل الأعلى- إلا ويضع لما صنع كتالوج تشغيل واضح التعليمات والأوامر الملزمة حتى يضمن جودة الأداء على النحو المطلوب، ودون أن يسوغ للمشغل الحكمة من تلك التعليمات التشغيلية لأنه يعدها من حقوق الملكية الخاصة به، والعجيب أن الجميع يتقبل ذلك بل ولا ينازع فيه، سواء كان ليبراليا أم يساريا أم تنويريا -كما يزعمون- طلبا لنجاح الأداء المطلوب.

     وفي الوقت ذاته تجد هؤلاء الأشخاص أنفسهم تصيبهم حالة من (الشيزوفرينيا) حينما يتعلق الأمر بطرح ضرورة الالتزام بأوامر الرب الخالق -سبحانه وتعالى- في كل مناحي الحياة؛ لأنه أعلم بما يصلح خلقه ويضمن سلامتهم في حياتهم، وقد قال -تعالى-: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، وقال -تعالى-:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.

     والمتأمل في الظواهر المجتمعية الحادثة يجد أن مقياس المعروف ومقياس المنكر صار عند الكثير من الناس محكومًا بأهوائهم وأذواقهم لا بما أمر الله به وارتضاه أو نهى عنه وكرهه؛ لذا فلا يجب أبدا أن تُحدَّد المفاهيم تبعًا لأذواق المجتمع وللذوق العام فقط، كمفهوم الابتذال أو الرقي الأخلاقي؛ فالذوق العام للناس يتغير من زمان لآخر، أو من مكان لآخر طبقا لنمط الحياة السائدة أو البيئة المحيطة الضاغطة، بل الصحيح أن تكون ضوابط الأخلاق ومفاهيم التحسين والتقبيح خاضعة لأوامر الله المُبينة للمقبول والمرفوض والحسن والقبيح طبقا لمراد الله الخالق المالك العليم الحكيم الذي جاء شرعه ليشمل نواحي الحياة المختلفة من أخلاق وعقائد وأحكام لا تخضع لأذواق الناس المتباينة.

فـالأخلاق الحميدة والأذواق الراقية لا يحكم عليها بذلك إلا إن كانت من المعروف الذي يُرضي الله ويوافق أمره، والأخلاق السيئة والأذواق المبتذلة إنما هي كل منكر حرمه الله.

     كما أنه يجب الانتهاء عن تلك المحاولات المستمرة من بعضهم لقصر مفهوم الدين والشرع على الأخلاق فقط بعيدًا عن شموليته للعقائد والأحكام أيضًا - مع ما يتعرض له مفهوم الأخلاق من انحدار نظرًا لتدني أذواق الناس من زمان لآخر وخضوعه لأحوالهم وأهوائهم؛ لأن هذا يعني تعرض مفهوم الشرع والدين للتغير والضياع طبقا لأذواق الناس وضياع منحى الأخلاق.

      والناظر الآن إلى حالة أغاني المهرجانات المبتذلة والكليبات الغنائية والأفلام والمسلسلات الهابطة، وما صنعته من حالةِ كسرٍ للقيم وتسهيل لأمر تكوين العلاقات المحرمة بين الجنسين في النفوس، وانتشارٍ وتسويغٍ للفساد وشربٍ للخمور والمخدرات وانتهاك الأعراض وما إلى ذلك من محرمات، سيرى نموذجًا واضحًا لهذه التحولات البيئية والمجتمعية الضاغطة على أذواق الناس الحاكمة وأخلاقهم، وإلى الله المشتكى.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك