رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 18 أغسطس، 2015 0 تعليق

المظاهرات العراقية فشل للمشروع الإيراني في العراق

عمت مظاهرات واسعة العاصمة العراقية بغداد وبعض المدن العراقية الأخرى، رفع المتظاهرون خلالها شعارات تندد بالفساد المستشري في الحكومة العراقية، وأثره في أزمة الطاقة الكهربائية التي تركت العراقيين يكتوون بدرجات الحرارة العالية في الصيف.

مظاهرات شاملة

     من بغداد إلى النجف والبصرة والناصرية ومدن أخرى، انتفض العراقيون ضد الفساد وتردي الخدمات ونتائج نظام المحاصصة السياسية التي أقعدت البلد في درك الفشل، وشغلت الناس بصراعات طائفية على حساب الحرية والعدل والرخاء، وقد عبرت الجموع الكبيرة عن غضبها من نهب أموال طائلة من خزائن البلد، من بينها ثلاثين مليار دولار صرفت على ملف الطاقة وحده، فيما لا يزال العراق يتخبط في الظلام ويتشوه مظهره بأسلاك مولدات كهربائية تمثل خطرًا على حياة الناس.

لماذا الآن؟

     وقد دعا المرجع الديني في العراق علي السيستاني رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى اتخاذ إجراءات حاسمة ضد المسؤولين الفاسدين، وضرب كل المتورطين بالفساد «بيدٍ من حديد»،  حيث أعلن المكتب الإعلامي له على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) أنه يتعهد بالالتزام «بالتوجيهات القيمة للمرجعية الدينية العليا»، وأنه سيعلن (خطة شاملة للإصلاح) داعيا القوى السياسية إلى التعاون معه في تنفيذها، فأين كانت هذه الإصلاحات منذ زمن والفساد ينخر في جسد الدولة العراقية إلى النخاع»؟

المالكي المسؤول

ويُحمّل أغلب العراقيين نوري المالكي نائب رئيس الوزراء مسؤولية وصول الحال إلى ما هي عليه الآن، إلى حد أنهم يقولون إنه تسلم العراق 18 محافظة وسلّمه 14، ويقصدون بذلك أنه المتسبب في سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من البلاد.

     وكان نوري المالكي قد تولى منصب رئيس الوزراء في العراق من 2006 وحتى 2014، وخلال هذه الفترة دخلت مئات المليارات ميزانية الدولة: حيث تراوحت بين 80 و130 مليار دولار، لكن المواطن العراقي لم يلمس أثرًا على الأرض للأموال الطائلة التي خصصت للطاقة وتحسين الخدمات، ويقول كثيرون: إنهم لا يعرفون أين ذهبت تلك المليارات.

لذلك لم يغب اسم المالكي عن تلك المظاهرات، فهو المتسبب في تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية، بحسب الشعارات التي رُددت فيها، فضلا عن اتهام أعضاء في مجلس النواب له بذلك.

أبعاد داخلية

     وفي تصريح خاص للفرقان ذكر الشيخ شعلان الشمري أحد القيادات السنية في الأنبار أن التظاهرات التي تجري في العراق أبعادها السياسية داخلية فقط، وليس لها أي تأثير على البعد السياسي الإقليمي، فهي أشبه بثورة ضد الفساد المالي والإداري الداخلي الذي خلف واقعًا خدميًا مزريًا، وهذه خطوة إيجابية إن أنتجت استجابة حكومية حقيقية، وإلا فالإصلاحات التي قامت بها السلطة الحاكمة من إلغاء بعض الدرجات أو المناصب لا تعني بالضرورة انتهاء الفساد، ولا تعني بداية لمرحلة البناء إلا إذا رأينا أثرا فاعلا على المستوى المالي والإداري وبالتالي أثرًا إيجابيًا على المستوى الخدمي.

إلغاء نظام المحاصصة

وعن جدية حكومة العبادي في إلغاء نظام المحاصصة في الإصلاحات الجديدة، قال الشمري إن العبادي لن يستطيع ذلك، فالواقع معقد ومركب ويصعب على العبادي اتخاذ هذه الخطوة.

دول الخليج والأزمة

     وعن دور دول الخليج في الأزمة العراقية، قال الشمري إنه من الصعوبة بمكان التعامل مع الأزمة العراقية على وجهة واحدة فلابد من التعامل المركب، وأعني بذلك أن العراق جزء من منطقة إقليمية يشوبها حرب أيدلوجية، والخليج وقف مع طرفي النزاع الأيدلوجي ودعمه، فالخليج يعد أحد طرفي النزاع مع مراعاة  التركيز أو التخفيف، لكن العراق اليوم منقسم على كل المستويات سواء القيادية أم الشعبية، فقسم يقف مع احد طرفي النزاع، والقسم الآخر يقف مع الطرف الآخر، وقسم ثالث محايد.

     فجنوب العراق بجميع مكوناته تقف مع أيدلوجية ولاية الفقيه، والعرب السنة يؤيدون التحول المفاجئ في السياسية السعودية، والأيدلوجية السعودية أقرب إلى العرب السنة لا سيما أنها انتقلت من الحرب بالوكالة إلى الحرب المباشرة، فهذا التحول في السياسة السعودية جعل العراقيين السنة يشعرون بالانتماء للهوية السنية، وأن هناك أملا للعمل ضمن المنظومة السنية في المنطقة الإقليمية على مستوى الحكومات وليس الأفراد فقط.

الأسباب الحقيقية للأزمة

وفي السياق ذاته صرح الشيخ فتحي الموصلي - مستشار الوقف السني بمملكة البحرين - للفرقان قائلاً: المتتبع للقضية العراقية بتطوراتها وأحداثها وتقلباتها يلحظ أن الإشكال في العراق - بعد سقوط بغداد - يكمن في أمور ثلاثة خطيرة:

- الأول: أن الحكومات التي تعاقبت على إدارة سياسة العراق كانت حكومات سياسية ذات مشاريع طائفية، ساهمت في تدمير بنيته التحتية وتفكيك نسيجه الاجتماعي وتبديد ثرواته وتضييع مقومات أمنه واستقراره؛ حتى صار العراق بسببها البلد الأول في الفساد الإداري وغياب الأمن بل صار العراق مصنعًا لصناعة الإرهاب وتسويقه.

- والثاني: الهيمنة الإيرانية على العراق؛ بعد أن سلمت أمريكا العراق بثرواته وتاريخه وشعبه لإيران في أسوأ صفقة سياسية واقتصادية في التاريخ؛ ليتحول العراق بعد هذه الصفقة إلى بلد محتل من قبل إيران، بل لم يقف الأمر عند التدخل والاحتلال والهيمنة بل تعداه إلى سرقة ثرواته ومقدراته، وقيام إيران بتمويل مشاريعها الطائفية وتحركاتها التوسعيّة بأموال العراق وثرواته.

- والأمر الثالث الذي ساهم في المشكلة العراقية: هو غياب المشروع السياسي الإصلاحي الوطني، سواء بتغييب النخب السياسية المخلصة الواعية وإقصائها أم بسبب القصور في القوى السياسية في إنقاذ العراق بمشروع إصلاحي شامل يقوم على أساس المصالح العامة الضرورية وليس على أساس المصالح الحزبية الشخصية.

هذه هي أسباب تفاقم المشكلة العراقية: الفساد في الساسة العراقيين، والهيمنة الإيرانية، وغياب المشروع السياسي الوطني الإصلاحي للنخب التي كان المؤمل منها هو المبادرة بحلول شرعية عملية لإنقاذ ما أمكن إنقاذه.

أبعاد الحراك الشعبي

     وعن الحراك الشعبي قال الشيخ الموصلي: إن العراقيين قد أدركوا على اختلاف طوائفهم وشرائحهم أن تلك الحكومات الطائفية لم تستطع توفير الحد الأدنى من ضرورات الحياة الكريمة لا في مجال الأمن ولا في مجال الصحة ولا في مجال الكهرباء، بل سياساتها ومبادراتها كانت مشاريع وهمية ومبادرات إعلامية وسرقات علنية؛ لهذا لم يبق أمام المواطن العراقي إلا الرفض لهذا الواقع وهو يعيش يوميًا المأساة والظلم والتعدي على حياته وحقوقه وكرامته.

إيران السبب الأكبر في الأزمة

وقد أدرك العراقيون أيضًا بكافة طوائفهم  أن إيران بتدخلاتها وتجاوزاتها وسرقاتها هي السبب الرئيس في كل هذا البلاء العظيم الذي حل بالعراق وبالمنطقة لهذا رفعوا شعارا معبرا وصريحا بتحميل إيران مسؤولية ما حل بالعراق من دمار وانهيار في اقتصاده وأمنه وضرورات الحياة فيه.

حجم المعاناة

     وعن تداعيات تلك الأحداث ودلالاتها قال الموصلي: هذه الأحداث كشفت عن حجم المعاناة التي يعيشها الشعب العراقي في ظل الحكومات الطائفية والهيمنة الإيرانية؛ وحجم الفساد الإداري والسياسي لهذه الحكومات في مختلف نواحي الحياة؛ كما دلَّت هذه الأحداث على (أن المشروع الإيراني الطائفي في العراق مشروع هش لا يحمل عوامل البقاء، ولا يمتلك مقومات الاستمرار وهو عاجز عن تلبية تطلعاته التوسعية، ولا يتصف بالشرعية والقبول حتى عند الطائفة التي يعول عليها في تحقيق أهدافه)؛ لأن هذا المشروع غريب على الجسم العراقي والعربي، وهو مشروع يعيش عقدة تاريخية وأفكارا عنصرية وتطلعات فاشيّة وسلوكيات غير مدنية ولا إنسانية.

      ومن كانت هذه هي سياساته لا يتوقع منه الإصلاح والبناء ؛ لهذا النصيحة التي يتعين أن تصل إلى العبادي رئيس الوزراء - إن كان يصغي لها - أن الحل ليس في إصلاحات شكلية أو في تغيير لبعض المناصب السيادية بل في حلول جذرية: أولها أن ترفع إيران يدها عن العراق، وتنشغل بمشكلاتها وأزماتها الداخلية.

المحاصصة والمصالح الشخصية

     يؤكد أحد الخبراء في الشأن العراقي الذي فضل عدم ذكر اسمه أن الوضع السياسي في العراق لا يمكن أن ينظر إليه بمعزل عن العملية السياسية التي تعتمد نظام المحاصصة الطائفية والعرقية أساساً لها، ولذلك بقيت توجهات الفئات والأحزاب السياسية المشاركة في هذه العملية لا تخرج عن نطاق المصالح الضيقة لهذه الجهات أو الأحزاب بعيدًا عن المصلحة العليا للبلد.

     وعلى الرغم من أن الشيعة كانت لهم حصة الأسد في المنظومة السياسية الجديدة إلا أن ذلك لم يكن كافيًا في إقناع العراقيين عامة، والشيعة خاصة أن هذه الفئات الحزبية قائمة على خدمة فئات الشعب المختلفة، بل يشعر العراقيون الشيعة بعد مضي أكثر من خمسة عشر عامًا أن هذه الأحزاب  لم تكن تمثل إلا مصالحها الضيقة بعيداً عن هموم الطائفة، بل بعيداً عن مصالح البلد غالباً.

تنفيذ الأجندة الإيرانية

     ثم يؤكد هذا الخبير على أن الأحزاب الشيعية تنفذ أجندة إيرانية في العراق، وبما أن مصالح العراق تتعارض في أغلب الأحيان مع مصالح إيران –ولا سيما في المجال الاقتصادي والتجاري– فإن هذا خلق لدى العراقيين –وعلى رأسهم الشيعة– خلق لديهم احساساً بأن هؤلاء الساسة الذين انتخبوهم وأوصلوهم إلى سدة البرلمان والوزارات الحكومية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقدموا خدمة تذكر للعراق.

     كما أكد على أن المتابع للوضع السياسي في جنوب العراق يلتمس بوضوح الرفض الشعبي المتزايد لسيطرة الإيرانيين –من مؤسسات وأفراد– على الاقتصاد العراقي وربما كانت لهم الأفضلية على أهل البلد أنفسهم، بل تعدى ذلك إلى سيطرتهم حتى على السياحة الدينية في النجف وكربلاء، وأصبح العاملون في هذه المجالات لا يجدون إلا الفتات، بل ربما لا يجدون حتى فتات الفتات.

سؤال مهم

لكن السؤال الذي يطرح هنا: ما مآلات هذه المظاهرات في ضوء العملية السياسة في العراق؟

في واقع الحال أثبتت الأحداث الماضية في العراق أن هذا البلد لا يمكن إحاطته بتصور مستقبلي دقيق، نظراً للتداخلات الإقليمية فيه، ولا سيما التدخل الإيراني السياسي

مساحة محدودة

     من هنا يمكن أن نقول: إن مساحة الحركة المتاحة أمام المظاهرات الشيعية محدودة جداً في الظرف الراهن، ولا يمكن التعويل عليها إلا إذا كسر الشيعة حاجز النفوذ الإيراني، واندفعوا باتجاه التغيير القسري، الذي ربما يؤدي إلى تضحيات، كما حدث في المظاهرات التي حدثت في عهد نوري المالكي.

صحوة لابد أن تستغل

     على كل حال بقي أن نقول: إن خروج الشيعة العرب – لأول مرة – عن النفوذ الإيراني من خلال رفعهم لشعارات وطنية تندد بالأحزاب التابعة لها مثل شعار (إخوان سنة وشيعة هذا البلد ما نبيعه)، والأمر الآخر تقريع الأحزاب الدينية الشيعية الفاسدة، وتحميل المرجعية الدينية – بشكل أو بآخر – مسؤولية فسادها، كل هذا يعني أن هناك صحوة لا بد أن تستغل لإعادة الأمور إلى نصابها، وأن العراقيين عموما بدؤوا يدركون أن التحرك السلمي هو أفضل خيار لاسترداد الحقوق وطرد المفسدين الذين عاثوا في البلاد وأظهروا فيه الفساد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك