رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 27 مايو، 2017 0 تعليق

المطيرات في اللقاء الشهري لمركز عبدالله بن مسعود: من أعظم أسباب السعادة لزوم الاستغفـار وكثرة الذكر

 

استعرضنا في الأسبوع الماضي جزءا من محاضرة (أبواب السعادة وحياة القلوب) التي ألقاها الدكتور عادل المطيرات بجمعية إحياء التراث الإسلامي، وقد ذكر أن من أسباب السعادة الرضا بقضاء الله، والإخلاص لله -عز وجل، والتفكر في نعم الله، والتفاؤل، والافتقار إلى الله -عز وجل، والأنس به -عز وجل- تذكر سعة رحمة الله تعالى، حسن الظن به، الخشوع في الصلاة، ومخالفة الهوى وتدبر القرآن، واليوم نستكمل تلك الأسباب:

الاستغفار

من أعظم أسباب السعادة والراحة النفسية: لزوم الاستغفار، وأن يكون لسانك رطبا من الاستغفار.

     وكلما استغفر المسلم وأكثر من الاستغفار زال همه وغمه، وشعر بالراحة النفسية وانشراح الصدر وطمأنينة القلب؛ لأن الاستغفار من الذكر، وقد قال -سبحانه-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد:28).

     والاستغفار والتوبة حياة للقلب وسبب لنقائه وصفائه وبياضه، ثبت في سنن الترمذي عن أبي هريرة] قال: قال رسول الله[: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله» {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} (المطففين:14).

قيام الليل

     ومن أهم أسباب السعادة والراحة النفسية وانشراح الصدر: عبادة جليلة، وطاعة عظيمة، هي من أفضل الطاعات، وألذ العبادات، وأجل القربات، بعد الصلوات المفروضات: إنها قيام الليل.

     في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل».

     قال رجل للحسن: يا أبا سعيد ما أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله من الأعمال؟ قال: ما أعلم شيئا يتقرب به المتقربون إلى الله أفضل من قيام العبد في جوف الليل إلى الصلاة.

     ولقد مدح الله -تعالى- القائمين، ورزقهم من عظيم فضله وجزيل إحسانه فقال: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة:16-17)، إنهم رهبان الليل.

سلامة الصدر

كذلك من الأسباب الجالبة للسعادة: أن يكون صدرك سليما من الأحقاد والضغائن، لا يحمل لإخوانه غلا ولا حقدا ولا حسدا.

     فقد جاءت الشريعة فيما جاءت به بإصلاح ذات البين، لأجل أن تكون العلاقة بين المؤمنين على أحسن ما يمكن، وأمر -سبحانه- بإصلاح ذات البين لأجل حفظ سلامة الصدور؛ فقال: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} (الأنفال:1).

محاسبة النفس

ومن أعظم الأسباب التي تؤدي إلى السعادة القلبية وانشراح الصدر والراحة النفسية المحاسبة الدائمة للنفس.

     فهي تشعر المؤمن بالراحة وانشراح الصدر، وتسهم مساهمة واضحة في إبعاد الهم والغم والكدر؛ لأنها تدفع المؤمن إلى الازدياد من عمل الخير دون كلل ولا ملل؛ مما يجلب له السعادة والراحة.

الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل

ومن أسباب السعادة والراحة النفسية: أن تحسن إلى الناس وتقوم بخدمتهم وقضاء حوائجهم، وتدخل السرور عليهم.

     وكلها خير وإحسان، وبها يدفع الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص احتساب لثوابه فيهون عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، كما قال -تعالى-: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء:114).

العفو والمسامحة

     ومن أسباب السعادة والراحة النفسية العفو والصفح والمسامحة، والتجاوز عن الأخطاء، وهذا يجلب للإنسان الراحة النفسية وانشراح الصدر، ويدفع عنه القلق والهم والغم.

والعفو: هو ترك المؤاخذة والعقوبة. العفو: أن تسامح من أخطأ في حقك ألا تنتقم ممن أخذ منك حظا من حظوظ الدنيا.

والصفح أبلغ من العفو، فإن العفو هو عدم المؤاخذة مع إمكان بقاء أثر ذلك في النفس، أما الصفح هو التجاوز عن الخطأ مع محو أثره من النفس.

من أعظم الأخلاق رفعة: العفو عند المقدرة، وهي عبادة مهجورة، قَلَّ من يتقرب إلى الله -سبحانه- بها.

الصبر

     كذلك من أعظم أسباب السعادة والراحة النفيسة، منزلة قلبية تدل على صحة قلب صاحبها وسلامته، وهي نصف الدين، ولا يمكن أن يعيش الإنسان منشرح الصدر مرتاح القلب إلا بتحقيقها، إنها منزلة الصبر.

     فإذا صبر المسلم على طاعة الله أحس بالراحة النفسية وانشراح الصدر، وإذا صبر عن معصية الله ذهب عنه الهم والغم والكدر، وإذا صبر على قدر الله رضي وارتاحت نفسه وانشرح صدره.

الشكر

كذلك من أعظم أسباب السعادة منزلة عظيمة من منازل السائرين إلى الله، وهي نصف الدين بعد الصبر، إنها منزلة الشكر.

     يقول ربنا -سبحانه-: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم:34)، يخبر ربنا في هذه الآية الكريمة أن نعمه كثيرة، لا تعد ولا تحصى، ولكن الإنسان ظلوم كفار، لا يشكر نعم الله عليه، ومن عادته أنه يكفر بالنعمة كما قال -سبحانه- عن الشيطان: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف:17).

التوكل

     ومن أهم الأسباب الموصلة إلى السعادة والراحة النفسية وانشراح الصدر، ودفع الهم والغم، منزلة عظيمة من منازل السائرين إلى الله -تعالى-: إنها منزلة التوكل.

فأعظم ما يدخل السعادة في القلوب، وأعظم ما يدخل الجنة: التوكل على الله -تعالى- فما التوكل؟

     التوكل على الله -سبحانه-: هو الثقة بالله -تعالى- والاعتماد عليه، وتفويض الأمر إليه بأن قضاءه ماض، واتباع السنة في السعي فيما لابد منه من الأسباب من مطعم ومشرب وغيرها من الأسباب.

عدم الغضب

     ومن الأسباب التي تؤدي إلى السعادة والراحة النفسية وانشراح الصدر أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب، ووجه ذلك أن الذي يعطي نفسه ما تشتهي، ولا يمكلها عند الغضب فإنها ستوقعه في المعاصي وأذى الناس؛ مما يسبب له ضيقا في النفس؛ فالذي يغضب يسب ويشتم، ويلعن ويغتاب، ويضرب ويعتدي على الناس، وقد يطلق، بل ويقتل.

ولذلك كان من يملك نفسه عن الغضب وقورا حليما مرتاح البال منشر الصدر؛ لتغلبه على نفسه والشيطان، فنال بذلك الشرف والكرامة.

وإذا غضبتَ فكن وقورا كاظما

                                      للغيظ تُبصر ما تقول وتسمع

فكفى به شرفا تَصبُّر ساعة

                                      يرضى بها عنك الإله وتُرفع

الهمة العالية

     من أهم الأمور التي تجلب السعادة والراحة النفسية وانشراح الصدر، وهي علامة من علامات صحة القلب: أن صاحبه له همة عالية، تدفعه إلى معالي الأمور في جميع العبادات والقربات ومنازل الدين ومقاماته.

فصاحب الهمة العالية وقته كله لله تعالى، يشغله فيما ينفعه من أمور دينه ودنياه، ومن يشغل وقته فيما ينفع فإنه يشعر بالراحة وانشراح الصدر.

     ورد في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحب أسمائكم إلى الله عبدالله وعبدالرحمن»، وفي رواية: «وأصدقها حارث وهمام». لقد بين رسول صلى الله عليه وسلم أن أصدق الأسماء حارث وهمام، فالمؤمن يهم بالطاعة، وله همة عالية في ذلك ، ثم يحرث تلك الهمة العالية بالعمل الصالح.

إن أهم ما يميز المؤمن في حياته أنه صاحب همة عالية، يسير بها إلى معالى الأمور، ولا يرضى بالدون  أبدا.

استغلال الوقت بما ينفع

ومن أسباب السعادة والراحة النفسية ودفع القلق والهم: استغلال الوقت بما ينفع من أمور الدين والدنيا.

     فكلما حرص المسلم على شغل وقته بما ينفع من أمور الدنيا والآخرة أحس بالراحة النفسية وانشراح الصدر، ودفع عن نفسه الهم والغم والكدر. إن المشكلة الكبرى في حياة الشباب اليوم هي كثرة وقت الفراغ، وعدم استغلاله بما ينفع، فيسيطر عليهم الشيطان، ويزين لهم سوء أعمالهم، فيقعون في كثير من المحرمات، التي من آثارها الهم والغم والكدر.

بر الوالدين

ومن أعظم الأسباب التي تجلب السعادة والراحة النفسية الحرص على بر الوالدين؛ فطاعة الوالدين راحة نفسية وسعادة قلبية، وتوفيق لكل خير.

     قال -سبحانه-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء:23-24).

ففي هذه الآية يأمرنا ربنا -سبحانه- بعبادته وتوحيده وعدم الإشراك به، ويقرن ذلك بعبادة عظيمة هي من أجل الطاعات وأشرفها: وهي بر الوالدين.

بر الوالدين طاعة من الطاعات، وقربة من القربات، ورفعة في الحسنات والدرجات.

بر الوالدين تكفير للسيئات، ومحو للآثام والخطيئات، ورحمة من رب الأرض والسموات.

البعد عن المعاصي

     ومن أسباب السعادة وراحة البال وانشراح الصدر: أن يبتعد الإنسان عن المعاصي صغيرها وكبيرها؛ لأن فعل المعاصي يجلب الهم والغم، وتركها يجلب الراحة وانشراح الصدر.

     يقول عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهناً في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.

     وقد ذكر ابن القيم أن من علامات مرض القلب أنه لا تؤلمه جراحات المعصية، فيعصي ويعصي، ويقع في صغائر الذنوب وكبائرها دون مبالاة ولا تأثر، فإن القلب إذا كان في حياة تألم بورود القبيح عليه، وأحس بهذا الألم على الحقيقة.

نسيان الماضي وعدم الخوف من المستقبل

     ومن أهم الأمور التي تجلب السعادة والراحة النفسية وانشراح الصدر: نسيان ما مضى على الإنسان من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، وأن ذلك حمق وجنون فيجاهد قلبه عن التفكير فيها.

     ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله، وزال عنه همه وقلقه.

     إن التفكير في الماضي وما فيه من مشكلات ومآس ومصائب يجلب للإنسان الحزن والخوف من المستقبل، وما يمكن أن يحصل للإنسان فيه يجلب الهم، وكلاهما ضد السعادة والراحة النفسية.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك