المشككون في العبادات ومواقيتها
الحمد لله رب العالمين، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا، والصلاة والسلام على نبينا محمد بيَّن لنا معالم ديننا ومواقيت عباداتنا وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها·· ومن ذلك أنه[ بيَّن لنا أحكام العبادات ومواقيتها من صلاة وصيام وإفطار فلم يدع مجالاً لقائل أو متحذلق، وكان المسلمون يسيرون في عباداتهم على بيَّنة من ربهم وهدى من سنة نبيهم حتى ظهر في هذا الزمان على حين اندراس من العلم وظهور الجهل أدعياء للعلم والمعرفة ناشئة يشككون الناس في عباداتهم ويبدعونهم في أمور دينهم لا لشيء إلا لأنهم خالفوهم فيما فهموه فهماً خاطئاً بسبب تعالمهم وتطفلهم على العلم، ومن ذلك ادّعاؤهم أن الناس يصلون صلاة الفجر قبل دخول وقتها – الوقت الذي يرونه هم لا الوقت الذي حدده الله ورسوله بطلوع الفجر الثاني الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلون الفجر عند طلوعه·
وربما يكون هؤلاء مقلدين لمن خالف السلف في توقيت الفجر وخالف الواقع المشاهد وحدد لصلاة الفجر وقتاً من عنده وهو يدّعي معرفته بعلم الحديث وهو لا يفقهه ولا يتقن ما يدعيه، فصار فئام من الناس يشوّشون على الناس في صلاتهم تقليداً له، ثم إذا جاء شهر رمضان المبارك صال هؤلاء على الناس في صلاة التراويح والتهجد في العشر الأواخر يشككونهم في عدد ركعات التراويح وفي وقتها ويبدّعون من خالفهم تبعاً لمن يقلدونه ممن ذكرنا فينتهي رمضان وهم في جدال وخصومة، ويكون ذلك حظهم من رمضان وقيامه الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه» وقال: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة».
لا شك أن الأمة والحمد لله فيها علماء في الحديث وعلماء ليسوا كهؤلاء المتعالمين وكانوا يصلون التراويح والتهجد في رمضان بكيفيات متنوعة من حيث التطويل والتخفيف وعدد الركعات، ولا ينكر أحد منهم على أحد ولا يبدّع بعضهم بعضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على قيام رمضان ولم يحدد في ذلك حداً معيناً في عدد الركعات وكيفية الصلاة، فمنهم من يطيل الصلاة ويقلِّل عدد الركعات، ومنهم من يخفِّف الصلاة ويزيد عدد الركعات، ولا ينكر أحد على أحد في ذلك ولا يبدّع بعضهم بعضاً·
والفرقة الثالثة يسمون أنفسهم بالفلكيين يشككون الناس في بداية شهر رمضان كما يحصل الآن من متعالمينا في بداية رمضان ونهايته إذا أخذ المسلمون بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمَّ عليكم فاقدروا له”، وفي رواية: “فأكملوا ثلاثين يوماً”، فإذا عمل المسلمون بهذا الحديث وأمثاله فأعلنوا الصيام والإفطار بناءً على الرؤية البصرية سواء من فرد أم من أفراد شنّع بعض هؤلاء الفلكيين بحملة شعواء بتخطئة المسلمين في صيامهم وفطرهم لأنهم خالفوا نظريتهم أن الهلال لا تمكن رؤيته عندهم فهم يحكمون على الغيب ويرون العصمة لنظريتهم الحسابية· يا إخوان قد سبقكم فلكيون متخصصون على مختلف الأزمنة، ولا ذكر أنهم يعارضون الرؤية البصرية ويشككون فيها وهم أحذق منكم في علم الحساب الفلكي، فلماذا تشوشون على الناس في ذلك وتكذبون المحسوس وقد قال الشاعر: ما راء كمن سمعا؟! وفي المثل: ليس الخبر كالعيان·
لقد صام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على رؤية شخص واحد كما في حديث ابن عمر وحديث الأعرابي وأفطر وأمر الناس بالإفطار بناءً على رؤية الأعراب· وقال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ولم يقل على حساب الفلك، بل علَّق الحكم بأمر ظاهر، وهذا من تيسير الله على عباده، ولئن زعمتم أن الرائي يخطئ في رؤيته أو يرى جرماً غير الهلال كما زعمتم، فبإمكان كل أحد أن يخطئكم في حسابكم، لا لأن الفلك يحصل فيه خطأ أو خلل، بل لأن حسابكم هو الذي يحصل فيه الخطأ والخلل لأنه عمل بشري بدليل أن بعضكم يخالف بعضاً كما حصل هذه السنة {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (النساء: 82)·
ونصيحتي لكم ألا تتكرر منكم هذه الغلطة, والرجوع إلى الحق فضيلة·
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه·
لاتوجد تعليقات