رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 12 يونيو، 2012 0 تعليق

المشروع الإصلاحي لصلاح الدين الأيوبي في مصر .. دروس وعبر (1)

قام المنهج القرآني على تربية النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم والمسلمين من بعدهم من خلال القصص والنظر في أحوال الأمم السابقة، قال تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}، وقال تعالى: {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}، فالقرآن يربط ماضي البشرية بحاضرها، وحاضرها بماضيها، والنواميس والسنن التي تحكم الحياة جارية لا تتخلف ولا تتبدل، فإذا قام العاملون للإسلام بدراستها وإدراك مغازيها، استرشدوا بها في سيرهم، واستشرفوا من خلالها مستقبلهم ومآل أمورهم.

 

 

 

 

 

      ولا شك أن المرحلة التي تمر بها مصر الآن مرحلة تاريخية بالغة الأهمية، وشديدة الخطورة، ولاسيما بعد أن أصبح المشروع الإسلامي مرشحًا لقيادتها مع ما يعترضه من عقبات، بل كثير من المواجهات التي قد تعوق تنفيذه على أرض الواقع، بعد سنوات من الذل والقهر والحرمان.

      لذلك حري بالتيارات الإسلامية وهم على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخهم وتاريخ أمتهم أن ينظروا بعين الاعتبار في تجارب الماضي، والمشاريع الإصلاحية التي مرت بالأمة وكان لها الأثر البالغ في تغيير مسارها وجعلها تتبوأ مكان الصدارة والسمو.   

      ومن المشاريع الإصلاحية التي غيرت مسار الأمة المصرية، بل مسار الأمة جميعًا: مشروع صلاح الدين الأيوبي لتغيير واقع المجتمع المصري والقضاء على الدولة الفاطمية، والذي كان مقدمةً لفتح بيت المقدس وتحريره من أيدي الصليبيين.

      والمرحلة التي تمر بها مصر الآن تشبه إلى حد كبير المرحلة التي كان عليها صلاح الدين الأيوبي مع اختلاف بسيط؛ لذلك فإنَّ هذه التجربة تجربة فريدة ومَعْلمٌ مهم على طريق التغيير المنشود، ولابد أن تكون هذه التجربة نبراسًا لنا فنستلهم منها العبر والعظات.

      وكثيرٌ من المؤرخين العرب والمسلمين في العصر الحديث عندما ينظرون في سيرة البطل صلاح الدين الأيوبي – رحمه الله - يقفزون إلى مرحلة الجهاد العسكري الذي قاده وأصحابه لتحرير بيت المقدس، وينْسون الجهاد الآخر الذي كان مُقدِّمةً لهذا الفتح العظيم - ألا وهو الجهاد التربوي -  الذي خاضه ضد الدولة العبيدية التي احتلت مصر حينًا من الزمن بالقوة والطغيان، حيث استطاع – رحمه الله – بجهاده التربوي العلمي أن يحقق انتصارات قد لا تتحقق بالمعارك والقتال، وتَمَكن من تغيير واقع المجتمع المصري والقضاء على الدولة الفاطمية التي حكمت مصر قرابة ثلاثة قرون؛ حيث واجه الفكر بالفكر، والتربية بالتربية، وقضى على كل الضلالات الفكرية والثقافية والتربوية التي نخرت في جسد المجتمع المصري سنوات طوالا.

      ومع الأسف فإنَّ هؤلاء المؤرخين وكثيرا من الحركات الإسلامية الآن يستثيرون المشاعر لندب صلاح الدين والتباكي على غيابه وانتظار قائد مثله، بل يهيجون عواطف الجماهير وحماستهم لتحرير بيت المقدس وهم ما زالوا على أعتاب سلم التمكين، وبذلك يضعون المسلمين أمام خطوة مستحيلة من العمل؛ لأنَّ الخطوة الممكنة- الآن- هي العودة للجماهير الإسلاميَّة لإرشادها وتوجيهها وتربيتها على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمَّة، فإذا نجحوا في ذلك، أصبحت الخطوة التالية ممكنة، وهي إخراج أمَّة مسلمة موحدة صافية العقيدة قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق الغايات، وإذا نجحوا في تحقيق ذلك أصبحت الخطوة الأخيرة ممكنة وهي الجهاد العسكري لتحرير بلاد المسلمين المغتصبة.

      وهذا ما فعله البطل صلاح الدين – رحمه الله – حيث استطاع أنْ يربِّي جيلاً وأمَّة على كتاب الله وسنة رسوله[، وقد كانت هذه التربيَّة هي المقدمة لفتح بيت المقدس وتطهيره من دنس الصليبيين؛ فالإنسان الذي ربَّاه صلاح الدين حين استلامه الحكم في مصر سنة (567 هـ ) بالكُتَّاب والمدارس والمعاهد  الشرعيَّة اتخذه قائدًا وجنديًا قويًا لفتح بيت المقدس.

      وعندما نقف على تجربة صلاح الدين – رحمه الله- نجد أنَّ أهم ما يميز هذه التجربة أنها تجربة متكاملة استطاع فيها أن يغير واقع المجتمع المصري بأكمله بعدما استشرى الفساد في جميع مناحي الحياة سواء في الناحية الاجتماعيَّة أم السياسيَّة أم الفكريَّة أم الدينيَّة، في مرحلة تشبه تمامًا تلك المرحلة التي تعيشها مصر في الوقت الراهن.

      والوقوف على هذه التجربة بأكملها ودراستها دراسة متأنية أمرٌ يطول بحثه، وليس هذا مقامه؛ لذلك سنلقي الضوء على جانب من أهم الجوانب المؤثرة في عملية التغيير التي قادها صلاح الدين – رحمه الله -  في مصر، ألا وهو الجانب التربوي والفكري، الذي كان الأساس الذي اعتمد عليه صلاح الدين في تغيير المجتمع المصري بأسره وإعادة تشكيله وصياغته من جديد، وهذا ما سنتعرف عليه في الأعداد القادمة إن شاء الله.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك