رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 25 أبريل، 2016 0 تعليق

المشاركة في الإضرابات العمالية- رؤيـــة شرعيـة

النجدي: الإضراب إخلال بعقد العمل ولقد دَعا الله -عز وجل- في كتابه الكريم إلى الالتزام والوفاء بالعهود والمواثيق والعقود التي يقطعها الإنسان على نفسه تجاه الآخر

المسباح: أي إضراب يضر بالدولة واقتصادها ومصالح المواطنين والمقيمين أمر لا تجيزه الشريعة، لكونه إضرارًا بالعامة من أجل الخاصة، وعلى المضربين أن يتقوا الله ويحفظوا نعمته عليهم ويستمروا في عملهم

الحمدان: الإضرابات والاعتصامات تمثل حالة من الضيق تدل على وجود خلل ينبغي تقويمه، وهي من الأزمات التي تؤثر على المجال التربوي كتأثيرها في المجالات الأخرى سواء السياسية أم الاقتصادية

الطبطبائي: لا يجوز للعاملين في القطاع النفطي الإضراب وتعطيل العمل، وعليهم المطالبة بالوسائل القانونية

الكردي: الإضراب خروج على الحاكم، وعلى كل من يشعر بمظلمة اللجوء إلى القانون وعدم تعريض المصالح الوطنية للخطر

الناشي: يجب أن يتعامل الإعلام مع هذه القضايا بمهنية عالية، ويكون عنده مصداقية؛ لأن هذه القضايا تؤثر في المجتمع تأثيرا كبيرا

النشمي: الإضراب عن العمل محرم شرعًا؛ لما فيه من تعطيل مصالح الناس، ولاسيما في الجهات الخدمية ومن تسبب في الإضراب يستحق شرعًا عقوبة من عطل مصالح الناس أو تسبب في خسائر مالية للدولة

الحداد: الإضراب يشل مصالح الدولة، ولا يصح فرض الرأي ولي الذراع بهذه الصورة، واستجابة الدولة لذلك تعني أننا نعيش عصر الفوضى الإدارية التي سيكون لها عواقب وآثار وخيمة

 

ألقت أزمة إضراب عمال شركة نفط الكويت بظلال كئيبة على الشارع الكويتي، ولا سيما أنها جاءت في توقيت صعب للغاية؛ حيث تمر الكويت بأزمة اقتصادية طاحنة، نتيجة انخفاض أسعار النفط التي ما تزال تلقي بآثارها السيئة على الاقتصاد الكويتي، وفي الوقت نفسه تحاول الأجهزة الحكومية والنيابية والشعبية إيجاد الحلول والبدائل لتلك الأزمة الاقتصادية في هذا التوقيت الصعب.  قرر عمال النفط تنفيذ هذا الإضراب دون مراعاة للظرف الذي تمر به الكويت، ودون اعتبار لأي مصلحة وطنية أو قواعد شرعية.

     وفي خضم هذه الأزمة التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، نتساءل بكل حيادية: ما الخيار الصحيح أمام الموظفين للمطالبة بحقوقهم؟ هل يكون الإضراب عن العمل حلاً حقيقيًا ومجديًا للمشكلات العالقة التي يتعرضون لها؟ وهل تؤدي الإضرابات فعلاً إلى حلول ترضي الأطراف جميعها؟ وهل هناك بديل مشروع للإضراب لا يترتب عليه أي ضرر أو يُخلِّف وراءه أي نوع من الخسائر؟ وهل توازي المصالح المتحققة من الإضراب الأضرار الناتجة عنه؟ وما الرأي الشرعي لمشروعية الإضراب؟ وما الأضرار المستقبلية على الناشئة من انتشار مثل هذه الثقافة في مجتمعاتنا؟ وأخيرًا هل كل ما يُشرِّعه الغرب ويُقننه يصلح أن نأخذ به في مجتمعاتنا؟ أسئلة كثيرة ومحيرة نضعها أمام المختصين لنتعرف على آرائهم من خلال هذا التحقيق.

إخلال بعقد العمل

     في البداية أكد فضيلة الشيخ محمد الحمود النجدي -رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي- على أن الإضراب إخلال بعقد العمل بين العامل من جهة، وصاحب العمل من جهة أخرى، ولقد دَعا الله -عز وجل- في كتابه الكريم إلى الالتزام والوفاء بالعهود والمواثيق والعقود التي يقطعها الإنسان على نفسه تجاه الآخر، ولابد من أن يقوم العامل بجميع الأعمال الموكلة إليه على الوجه الذي يرضي الله -تعالى- مصداقًا لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ} (المائدة:1).

     وقد يصاحب الإضراب بعض المفاسد وأعمال الشغب ومظاهر العنف، وهذا ما لا يرتضيه الشارع بناء على القاعدة الفقهية: «درء المفاسد أولى من جلب المنافع»، وهناك العديد من الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لتحقيق المطالب، وقد تكون أكثر فاعلية وجدوى من الإضراب، كالتظلم لدى المسؤولين ومخاطبتهم وجدالهم بالتي هي أحسن ونحو ذلك، والإنسان العاقل لا يترك بابًا وفق أسس سليمة شرعية إلا ويطرقه.

     أما الانقطاع عن العمل بسبب عدم دفع الأجور والرواتب فهذا جائز؛ لأن رب العمل أخل بالعقد؛ فللعامل أن ينقطع عن العمل حتى يدفع له أجره، وقد قال: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» رواه ابن ماجة. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

الحفاظ على الأمانة

     من جهته أكد الشيخ ناظم المسباح أن أي إضراب يضر بالدولة واقتصادها ومصالح المواطنين والمقيمين أمر لا تجيزه الشريعة، لكونه إضرارًا بالعامة من أجل الخاصة، داعيًا إياهم أن يتقوا الله، ويحفظوا نعمته عليهم، ويستمروا في عملهم دون تعطيل، موضحًا أن العاملين في القطاع النفطي وغيرهم من موظفي الدولة عليهم مسؤولية الحفاظ على الأمانة التي قبلوا تحمل أدائها؛ فهناك عقد بين الدولة وبينهم والإخلال به إخلال بالأمانة، مؤكدًا في الوقت نفسه ضرورة أن تجلس الحكومة مع أبنائنا العاملين الذين نقدر طبيعة عملهم وخطورته لإيجاد مخارج توافقية دون تعسف وتوازن بين مكتسباتهم التي استمرت لسنوات، وتراعي أيضًا المصلحة العامة، موضحا رفضه تسييس أزمة القطاع النفطي؛ لأنه قطاع يمس أمن البلد الاقتصادي، ولا ينبغي مطلقا خضوعه لأي تكسب سياسي على حساب الكويت.

آثار سلبية

     كما أكد المسباح أن أسباب عدم جواز إضراب العاملين بالنفط هي أولاً: أن الإضراب فيه ضرر بالبلد ومصالحه العامة وفي أهم مقدراته، وتنسحب آثاره على جميع أفراد المجتمع؛ فهو غير مقتصر على رب العمل وحده، قال تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا ضرر ولا ضرار».

- ثانياً: الإضراب إخلال بالعقد بين الطرفين وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.

- ثالثاً: الإضراب انقطاع عن العمل وأخذ أجره كاملا مال حرام لا يحل لمسلم أن يطعمه ولا أن يطعم به عياله.

- رابعاً: هذا الإضراب فيه عدم شكر لنعمة الله على أبناء هذا القطاع الذين نالوا امتيازات رفعتهم عن أقرانهم، وقد قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(إبراهيم: 7).

- خامساً: التذرع بوجود أعراف دولية أو ما شابه تقر الإضراب بهذا النهج لا قيمة له إذا كان مخالفاً للشرع، وكل أمر يخالف الشريعة فلسنا ملزمين به، هذا فضلاً عن إفادةٍ بَلغَتْنا من بعض المختصين بتحفظ الكويت على بند حق الإضراب ما يجعله غير ملزم للدولة.

مسؤوليات وواجبات

     وتابع المسباح أن على الدولة أن تعالج مشكلة الإضرابات من جذورها، فعليها مراجعة مدخول عامة الموظفين ومراعاة العدالة والخصوصية، كما يجب عليها وقف غلاء الأسعار المسعور، وتشديد الرقابة على المغالين، وأن تعمل على تحقيق الحياة الكريمة والتنمية الشاملة في المجتمع في ضوء مكافحة الفساد.

قرار حازم

     واستطرد د.المسباح بأن غياب القرار الحازم مع ظاهرة الإضرابات سابقًا والتجاوب مع كل من يقوم بتعطيل مصالح الدولة فتح الباب على مصراعيه لتنامي هذه الظاهرة المؤسفة وتكرارها؛ لذلك يجب عمل خطط بديلة واتخاذ إجراءات مناسبة ضد مثل هذه الممارسات التي تضر البلاد والعباد، مطالبا بحسم الجدل القانوني حول هذا الأمر من خلال سن تشريع واضح ومحدد يمنع أو يضيق دائرة الإضرابات لأبعد مدى؛ فلا يمكن ترك الأمور هكذا.

محرم شرعًا

من جهته قال الدكتور عجيل النشمي: إن الإضراب عن العمل محرم شرعاً؛ لما فيه من تعطيل مصالح الناس، ولاسيما في الجهات الخدمية كالكهرباء والماء، وأخطر منهم البترول؛ لما يترتب عليه من خسائر فادحة.

وأكد النشمي «من تسبب في الإضراب يستحق شرعاً عقوبة من عطل مصالح الناس أو تسبب في خسائر مالية للدولة، والتعبير عن الرأي مكفول ويمكن التعبير بعد الدوام مثلاً».

لا يجوز تعطيل العمل

من جهته، قال عميد كلية الشريعة السابق الدكتور محمد الطبطبائي: إنه لا يجوز للعاملين في القطاع النفطي الإضراب وتعطيل العمل، وعليهم المطالبة بالوسائل القانونية.

خروج على الحاكم

   

 وفي هذا الاطار، قال عضو هيئة الفتوى بوزارة الأوقاف د. أحمد الحجي الكردي: إنه ضد كل هذه الأعمال التي يمنعها الإسلام كلية، مستدلا على ذلك بأن فيها خروجاً على الحاكم، وناشد من يشعر بمظلمة اللجوء إلى القانون، وعدم تعريض المصالح الوطنية للخطر.

مخالف للدستور

 

   وعن الآثار الاقتصادية للإضرابات قال الدكتور وليد الحداد الخبير الاقتصادي: تنص المادة 26 من الدستور على أن «الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم..» بالرغم من أن حرية الرأي مكفولة وأن النظام الإداري والقوانين المنظمة له بحاجة إلى تطوير؛ حيث أكل عليها الدهر وشرب وهي منذ السبعينيات، وأن النظام الإداري الذي ينظم العمل الحكومي يجب أن يتصف بالعدالة والمساواة في الأجور، وأيضا يجب أن يضمن أن الأجور تعطى مقابل الإنتاجية وتحمل المسؤوليات والواجبات، إلا أن هذا لا يعني أن نقوم بالإضراب وشل مصالح الدولة فهذا مخالف للدستور؛ إذ إن هناك قنوات قانونية عديدة أهمها مجلس الأمة لتغيير الرواتب والأجور، وأيضا إبداء الرأي من خلال الصحافة ووسائل الإعلام، وأيضا السلطة القضائية الممثلة بالقضاء الإداري، وحتى في حالة الإضراب يجب مراعاة المصلحة العامة ومصالح المواطنين كما في النص الدستوري.

     الإضراب وإن كانت تجيزه القوانين إلا أنه يشل مصالح الدولة، وفرض الرأي ولي الذراع بهذه الصورة، واستجابة الدولة لذلك تعني أننا نعيش عصر الفوضى الإدارية التي أعتقد أن عواقبها وخيمة، أهمها على الميزانية العامة التي ستستنزف بلا تعويض؛ لأن الزيادات يجب أيضا أن تعني معها زيادة دخل الدولة، وأخيرًا نحن بحاجة إلى الحكمة والتطوير ورؤية أخرى للأمور، والله أعلم.

مهنية ومصداقية

 

   وعن دور الإعلام في التعامل مع هذه الظاهرة  أكد الإعلامي مهندس سالم الناشي أن الإعلام له دور مهم جدًا في التعامل مع هذه الأزمة؛ فبإمكانه أن يسلط عليها الضوء؛ بحيث يجعلها مهمة ويضخمها، أو العكس فيتعامل معها بطرقة تقلل من شأنها، ولا يخفى على أحد أن استخدام وسائل التقنية الحديثة مكنت الإعلاميين من القدرة على تضخيم مثل هذه الأحداث وإثارة الناس بطرائق كثيرة لا تخفى على أحد، فيجعل الأعداد القليلة كثيرة بدمج بعضها مع بعض وغير ذلك؛ لذلك فالإعلام يمكنه لعب دور حقيقي في هذه الأزمة وغيرها من الأزمات، وكذلك يمكنه أداء دور غير حقيقي أيضًا، لذلك يجب أن يتعامل الإعلام مع هذه القضايا بمهنية عالية ويكون عنده مصداقية؛ لأن هذه القضايا تؤثر في المجتمع تأثيرا كبيرا، ولاسيما أن أغلب هذه الإضرابات والمظاهرات غير مطابقة للحقيقة.

وجود خلل

     

وعن تأثير هذه الظاهرة إلى المجال التربوي والمؤسسة التعليمية قال الدكتور جاسم الحمدان -الأستاذ بكلية التربية جامعة الكويت ومدير برنامج ماجستير الإدارة التربوية-: إن الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات تمثل حالة من الضيق تدل على وجود خلل ينبغي تقويمه، وهي من الأزمات التي تؤثر على المجال التربوي كتأثيرها في المجالات الأخرى سواء السياسية أم الاقتصادية.

     وهذه الإضرابات تتلاحق فيها الأحداث وتتشابك كما أنها تولد ضغطًا على متخذ القرار، وتجعله في حالة اضطراب وتخبط؛ لذا فإن الأمر يستوجب التعامل السريع والفعال معها، ويكون اتخاذ القرارات فيها من خلال آليات منهجية محددة، كما أننا لابد ألا نعتمد على ردود الأفعال في التعامل مع مثل هذه الأزمة ولاسيما في المؤسسة التعليمية، ويجب أن نتبع الأسلوب العلمي في اتخاذ القرارات، علمًا بأنه توجد إشارات قبل حدوث هذه الأزمات يمكن تحريها كتحري الأمطار والعواصف قبل قدومها، وهي تحتاج في علاجها لدراسة أسبابها سواء كانت داخلية ضمن المؤسسة التعليمية، أم خارجية تعارضت فيها المصالح، التي يكون الخاسر الوحيد فيها هم الطلبة.

حق مشروع ولكن.!

-  أخيرًا: لا يجادل أحد في حق الموظفين والأجراء والعمال في الدفاع عن مكاسبهم وامتيازاتهم ومختلف حقوقهم، وممارسة كافة الحقوق المكفولة لهم من قبل القانون في المطالبة بهذه الحقوق، لكن ما العمل حين تصطدم المطالبة بهذه الحقوق مع حقوق طبقات وشرائح أخرى من المجتمع؟ ما العمل حين تصبح المطالبة بهذه الحقوق مجرد تعطيل لمصالح المواطنين وإضرار متعمد بهم من خلال الإضراب والانقطاع عن العمل؟ ما العمل حين تعطي هذه الإضرابات ذريعة لمن يريد أن يعبث بأمن هذا البلد واستقراره؟

هنا إذًا يقع نوع من الاصطدام بين حق وحق؛ حق الموظف في المطالبة بحقه من خلال الإضراب، وحق المواطن في الاستفادة من المرافق العامة المكفولة له أيضًا بكل القوانين.

     ومهما كانت المسوغات والأسباب التي دفعت هؤلاء المضربين، ومهما كانت شرعية الإضراب من الناحية القانونية، فلاشك أن الآثار السلبية والخسائر المترتبة على هذا الأمر تفوق بمراحل ما قد يترتب عليه من المصالح والمنافع الفئوية المحدودة، سواء على المستوى الاقتصادي أم الاجتماعي أم النفسي.

 

   ولا شك أننا أمام مرحلة صعبة تمر بها دولة الكويت، وعلى الأطراف كلها تحمل المسؤولية الكاملة في الحفاظ على أمن هذا البلد واستقراره وعلى الجميع أن يُغلِّبوا المصلحة العامة لبلدهم، ولاسيما في ظل الواقع الذي تمر به المنطقة العربية في الوقت الراهن، حفظ الله الكويت وجميع بلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك