رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود الديب 1 أكتوبر، 2012 0 تعليق

المسلمون شركاء في نهضة أمريكا اللاتينية- رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البرازيل الشيخ خالــد تقي الدين: مساهمة العرب والمسلمين الحضارية في البرازيل كفلت لهم حرية ممارســـة الشعائر الإسلامية

طرحنا على الشيخ خالد رزق تقي الدين رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل سؤالاً حول «الأثر الحضاري لمسلمي أمريكا اللاتينية على دول أمريكا اللاتينية» فأبحر بنا من خلال العشرات من المراجع الإسلامية وغير الإسلامية، وعاد بنا بالتاريخ وبالتحديد إلى الغزاة الإسبان والبرتغاليين ومن رافقهم من الموريسكيين، وأوضح أنه لا شك أن هؤلاء قد تأثروا بالثقافة الإسلامية التي كانت سائدة في شبه الجزيرة الأيبيرية، ونقلوا تلك الثقافة إلى أمريكا اللاتينية.

 

     أما عن التأثير الحضاري فيمكن ملاحظته في عدة مظاهر، فليونة طبع المستعمر البرتغالي في تعامله مع المستعمرين أرجعه كثير من المحللين التاريخيين للتأثر بالتعاليم الإسلامية، فالسماحة العنصرية البرازيلية ليست وليدة الصدفة ولكنها ترجع إلى تاريخ طويل يمتد إلى الجذور البرتغالية، فقد تعايش البرتغاليون في شبه الجزيرة الأيبيرية بشكل سلمي مع المسلمين لفترة طويلة، وبالإضافة إلى إدخال استخدام الحديد والدراجة التي استخدمت كوسيلة للانتقال، نجد أن الأيبيريين قد جلبوا معهم إلى العالم الجديد حيوانات جديدة وخاصة الحصان الذي ربما بدونه لم يكن ليتم الغزو، كما أنهم أثروا الزراعة بنباتات جديدة مثل القمح والعنب وقصب السكر وأشجار التوت، والعديد من أشجار الفاكهة مثل التين والزيتون، وهذه الأمور التي تم نقلها هي أمور حضارية استفادها الأيبيريون خلال معاشرتهم للمسلمين خلال 800 عام.

     ويظهر التأثير الحضاري الذي نقله معهم الإسبان وكذا بعض الموريسكيين الذين وصلوا أمريكا اللاتينية خلال المرحلة الاستعمارية، في مختلف المجالات، مثل الهندسة المعمارية التي يمثلها الفن المدجن، واللغة حيث يصل عدد الكلمات ذات الأصل العربي في الإسبانية إلى خمسة آلاف كلمة، وفي اللغة البرتغالية يبلغ حوالي ثلاثة آلاف كلمة، أو مثل بعض الاحتفالات الشعبية، حيث مازالت بعض مدن المكسيك تنظم إلى الوقت الحاضر، مهرجانات سنوية يشارك فيها آلاف الأشخاص تسمى مهرجانات «المسلمين والمسيحيين».

اعتزاز بالجذور العربية

ويمكننا متابعة هذا التأثير الحضاري في الدول التالية:

- فنزويلا: وظلت إلى يومنا هذا، الآثار الأندلسية قائمة في جنوب أمريكا، فبقي التأثير الإسلامي الأندلسي في التراث الفنزويلي المكتوب يظهر من وقت لآخر، أهمه إنتاج الكاتب الفنزويلي دون رفائيل دونقاليس إي مندس (ولد سنة 1878م) الذي اعتز بجذوره الإسلامية في مؤلفاته، وما زال كثير من الفنزويليين يفخرون بأصولهم الأندلسية الإسلامية.

- كولومبيا: ويعتز كذلك الكولومبيون بالتأثير الأندلسي الإسلامي، ونبغ في القرن التاسع عشر إخصائيون كولومبيون في الحضارة الإسلامية، منهم الدون آزكيال أوريكواشا، وعندما ضعفت قبضة الكنيسة على البلاد بعد استقلالها، وصلت الشجاعة ببعض الكتاب الكبار إلى الافتخار بالإسلام وحضارته، ومنهم من تعلم اللغة العربية وآدابها، لعل أشهرهم دون روفينو خوزي كوارفو.

- البيرو والإكوادور: ودخل التراث الإسلامي الأندلسي إلى العمارة في البيرو والإكوادور، كما أثر على كتابتهما، كقصة كاتب البيرو الكبير دون ريكاردو بلما التي نشرها تحت عنوان: “افعل الخير ولا تبال”، حيث اتخذ حياة الأمير إبراهيم جد الأمير الأموي مروان الثاني أساساً، والقصة مبنية على عظمة التسامح والكرم اللذين أديا إلى أن يسامح الرجل ضيفه رغم اكتشافه أنه قاتل ابنه، ويوجد بالبيرو اليوم تعاطف كبير مع الإسلام، وكذلك الحال في بوليفيا.

التأثير الأدبي

- تشيلي: وأثرت الحضارة الأندلسية في الأدب التشيلي، كما يظهر مثلاً، في تراث الكاتب الشيلي دون بدرو براود الذي طبق القافية العربية على الشعر الإسباني، ونشر سنة 1921م ديواناً باسم أفغاني مستعار هو “رضائي روشان” كما أصبحت عدة قصص عربية جزءاً من التراث الشعبي الشيلي.

- الأرجنتين: وهاجر الأندلسيون إلى مناطق أرجنتين اليوم، وبسبب اضطهاد الكنيسة والدولة، لم يبق من إسلامهم إلا ذكرى يفتخرون بها، كما فعل كاتب أواخر القرن التاسع عشر دومنغو سارميانتو الذي كان يفتخر بأصله الإسلامي كسليل بني الرزين في شرق الأندلس.

     وقد أثرت الحضارة الأندلسية على كثير من الأدباء الأرجنتينيين كأنريكي لاريتا الذي كتب عن حياة الأندلسيين أيام الملك فليبي الثاني في كتابه “انتصار الدون روميرو”، والكاتب قونسالس بالنسية في قصته “علامة الأسد” وغيرهما.

     وتختلف الأبحاث والروايات حول بداية الهجرة الحديثة للعرب والمسلمين إلى أمريكا اللاتينية، وأوردت دراسة متخصصة للجالية العربية في المكسيك وثيقة يعود تاريخها إلى عام 1826م تتحدث عن مهاجر “توركو” وتعني كلمة الأتراك، وكانت تطلق على كل المهاجرين العرب لأنهم كانوا يدخلون أمريكا اللاتينية بجوازات سفر عثمانية وهو لقب يشتهر به العرب حتى اليوم في هذا البلد.

     وتوضح مخطوطة “مسلية الغريب بكل أمر عجيب” أنه كانت توجد اتفاقيات بين الإمبراطورية العثمانية مما يؤكد وصول مهاجرين مسلمين لهذه البلاد منذ وقت مبكر، كما تشهد بذلك اللوحة المعلقة في مركز مدينة ميكسيكو، التي تتحدث عن إهداء الجالية العثمانية “ساعة تركية” إلى المسؤولين المكسيكيين؛ اعترافاً منها بالترحيب وحسن الضيافة اللذين حظوا بهما في وطنها الجديد.

     وتذكر بعض الدراسات المتخصصة في المكسيك وجود أسماء عربية في السجلات التجارية لإحدى المدن المكسيكية يعود تاريخها إلى سنة 1842م.

وعن التأثير الحضاري للمهاجرين الجدد يقول فيديريكو مايرو المدير العام لمنظمة اليونسكو: “لقد حقن الملايين من المهاجرين الوافدين من مختلف جهات العالم، والذين استقروا في أمريكا بعد أن عبروا المحيط الأطلسي، دماً جديداً في مجتمعات هذه القارة بعد أن طبعوها بعاداتهم وثقافاتهم”، ثم يضيف: “وعلى الرغم من أن عدد المهاجرين العرب في أمريكا اللاتينية بقي متواضعاً نسبياً إذا ما قورن بعدد الإيطاليين أو الإسبان، فإنهم ساهموا بشكل فعال، بسبب جديتهم وعملهم وروح المبادرة لديهم، في تنمية بلدانهم المضيفة، وهذه القيم الثقافية التي حملتها سفن العبيد، جلبها أيضا المهجرون العرب إلى البرازيل... بتفهم المساهمة الجليلة والواضحة لهؤلاء الناس في بناء البرازيل”.

     وقال الروائي البرازيلي جورج أمادو: “إن الدم العربي لعب دوراً من أكبر الأدوار شأناً في ديمقراطيتنا العرقية، وفي مساهمتنا في الثقافة العالمية، وفي نزوعنا الإنساني، لقد اندمج السوريون واللبنانيون والعرب من البقاع الأخرى أيضاً مع البرتغالي والزنجي ومع السلافي والإسباني في هذا الخليط العجيب الذي أنجب الإنسان البرازيلي، وفي وسط هؤلاء كان العربي برازيلياً صميماً منذ اليوم الأول، إنه هاهنا في الحكم، وفي البرلمان وفي الفنون وفي الأدب، وإنه هاهنا يعمل في الأرض والتجارة ويوجد الصناعة بقدرته على العمل والأحلام”.

الدور الاقتصادي:

     أما عن التأثير التجاري والاقتصادي، فكان الهدف من الهجرة الحديثة الكسب المالي بالمقام الأول ولذلك نبغ المهاجرون الجدد العرب والمسلمون في الجانب التجاري، واستطاعوا ترك بصمات واضحة في النمو التجاري والاقتصادي في الدول التي سكنوها، وأثروا الحياة التجارية بالكثير من المبادئ والأصول التي أصبحت متداولة فيما بعد.

     وقد بدأ المهاجر المسلم حياته كبائع متجول، ثم بعد ذلك افتتح محلاً صغيراً ثم اتجه إلى التصنيع والإنتاج، ويعود تأسيس أول المحال التجارية العربية في أمريكا اللاتينية لعام 1887م في مدينة “أركيبا” بدولة بيرو، وخلال المرحلة نفسها كان العرب يمتلكون من 30-35 محلاً تجارياً في بيونس أيرس بالأرجنتين، ويلاحظ ارتفاع هذا العدد لـ3701 محل تجاري في نفس البلد، وقد برع المسلمون في تجارة النسيج والأقمشة، وما زال هذا المجال يستهويهم ويوجد الكثير من المسلمين الذين يمتلكون مصانع بارعة في هذا المجال، وهذا الأمر ينطبق على كافة بلدان أمريكا اللاتينية.

     وكان أهم بروز للصناعيين العرب في القارة المذكورة في البرازيل والتشيلي والأرجنتين، وقد وصلت نسبة ما تنتجه المؤسسات الصناعية ذات الرأسمال العربي في البرازيل قبيل الحرب العالمية الثانية 75% من الإنتاج الوطني لمادة الحرير و25% من الإنتاج الوطني لمادتي القطن والصوف، ووصلت نسبة ما تنتجه المؤسسات الصناعية العربية خلال المرحلة نفسها في التشيلي إلى 90% من الحرير والقطن والنايلون، أما في الأرجنتين فقد وصلت نسبة ما تنتجه المؤسسات الصناعية ذات الرأسمال العربي في منتصف ثلاثينات القرن العشرين إلى 50% من مجموع النسيج المصنع في هذا البلد.

     ولقد ساهم الأجانب خصوصاً في جنوب البلاد، في الرفع من القدرة الشرائية للسكان، وبالتالي في تراكم رأس المال، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجالية العربية، ومن خلال نشاطها التجاري، كان لها دور مهم في هذا التطور الذي عرفه المجتمع، ويساهم في الوقت الحاضر عدد من أفراد الجالية العربية الذين حققوا نوعاً من الرقي (السوسيو- اقتصادي) بشكل فعال في التحولات التي يعرفها المشهد الاقتصادي البرازيلي.

المجالات العلمية:

     وكان للمنحدرين من أصول عربية حضور متميز في الحياة المهنية، خصوصاً في مجالات الطب والهندسة والحقوق، نلمس هذا الحضور في الميدان الطبي منذ بداية القرن العشرين تقريباً، حيث أصبح لبعض الأطباء المنحدرين من أصول عربية شهرة دولية، وقد شيدت الجالية العربية أربعة مستشفيات في ولاية ساو باولو، منها: المستشفى السوري اللبناني، ومستشفى القلب، وكلاهما امتدت شهرته إلى مختلف أنحاء البرازيل، ثم مستشفى 9 يوليو، وأخيراً مستشفى ابن سينا الذي شيده المسلمون المنتمون إلى هذه الجالية ويشرفون عليه، ونسجل هذا الحضور كذلك في ميدان الهندسة التي برز فيها العديد من المنحدرين من أصول عربية، وبخاصة في حقل الهندسة المعمارية الذي يتمتع فيه بعض المهندسين العرب بشعبية كبيرة، بفضل إقبالهم على تشييد المساكن الرخيصة الثمن، والهندسة الصناعية التي يشرفون عليها في عدد من البلدان، خصوصاً الأفريقية والأمريكية، كما نسجل هذا الحضور في المجال القانوني؛ إذ برز المنحدرون من أصول عربية منذ مرحلة مبكرة، إلى جانب حقلي المحاماة والقضاء، في تخصصات مثل القانونين التجاري والمالي حيث عملوا كمستشارين لبعض كبار رجال الصناعة والتجارة من أبناء جلدتهم.

الدين الإسلامي

     وإن مساهمة المسلمين والعرب الحضارية في دولة مثل البرازيل جعلت الحكومة البرازيلية تكرمهم وتكفل لهم الكثير من الحريات، فالدستور البرازيلي يكفل حرية ممارسة الشعائر الإسلامية، والدعوة إليها، ونشرها بكل الطرق السلمية، وتساعد الحكومة الفيدرالية، وحكومات الولايات وكذلك البلديات في فتح الآفاق وإعطاء المساحات المناسبة لممارسة هذا الدور، وكذلك مساعدة المؤسسات الإسلامية التي تريد بناء مساجد أو مدارس أو مراكز ثقافية بمنحها أرضاً مجانية لإقامة مشاريعها عليها، وتسهيل حصولها على التراخيص اللازمة، وإعفائها أحياناً من الضرائب السنوية.

     وتم صدور قرار جمهوري باعتبار يوم 25 مارس من كل عام يوماً لتكريم الجالية العربية، وكذلك قرار من برلمان ولاية “ساو باولو” باعتبار يوم 12 مايو من كل عام يوماً لتكريم الدين الإسلامي، وصدر قرار من برلمان ولاية “ساو باولو” باعتبار يوم 29 نوفمبر من كل عام يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه المغتصب، وصدور قرار من قبل السلطات الفيدرالية يقضي باستطاعة المرأة المسلمة البرازيلية أو المقيمة في البرازيل استخراج أوراقها الرسمية أو جواز سفرها بصورتها وهي ترتدي الحجاب، وفقاً للدستور البرازيلي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك