المسجد الأقصى وفلسطين في حياة الصحابة (3) استفهامات الصحابة حول المسجد الأقصى
- عمل الصَّحابة رضوان الله عليهم بتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليهم بلاد الشَّام وفلسطين وحرّروا المسجد الأقصى العام السادس عشر للهجرة
- شد الصَّحابة رضوان الله عليهم الرِّحال إلى المسجد الأقصى وعلى رأسهم أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب وقد دخل بيت المقدس جمع كثير من الصحابة رضي الله عنهم
ما زال حديثنا مستمرا عن المسجد الأقصى وفلسطين في حياة الصحابة؛ حيث ذكرنا من ارتبط بفلسطين من الصحابة، وأسباب ارتباط الصحابة بفلسطين، وذكرنا مجالات ارتباط الصحابة بفلسطين، ومنها: الجهاد، والإقامة، والتعبّد، والحكم والسياسة، والتعليم، والتجارة، كما ذكرنا عدد الصحابة في بيت المقدس وفلسطين، ونكمل في هذه الحلقة الكلام عن سؤالات الصحابة -رضوان الله عليهم- عن المسجد الأقصى..
كان المسجد الأقصى موضع سؤال الصحابة في مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما يذكر لنا الصحابي الجليل أبو ذر تدارس الصحابة -رضوان الله عليهم- فيما بينهم، أيُّهما أفضل: مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم مسجد بيت المقدس؟ فكان الحديث جواباً لسؤالهم في نص الحديث.أولاً: سؤال أَبِي ذَرٍّ الغفَارِيِّ:
عن أول المساجد وضعاً في الأرض
عنْ أَبِي ذَرٍّ الغفَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمـَسْجِدُ الْحـَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمـَسْجِدُ الأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ، ثُمَّ قَالَ: حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ، وَالأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ». يدلُّ الحديث على فضيلةٍ ومنقبةٍ فريدةٍ لأرض (فلسطين)، فهو يبيِّن أنَّ فيها ثاني مسجدٍ بُنِيَ في الأرض بعد المسجد الحرام في مكَّة المكرَّمة، فاختصاص (فلسطين) بثاني المساجد المبنيَّة في الأرض في تاريخ البشريَّة يدلُّ على شرف (فلسطين) ومكانتها الدينيَّة، واصطفاء الله لها من بين جميع بلاد الدُّنيا، فإنَّ فيها أقدم مسجدٍ - بعد المسجد الحرام - مبنيٍّ على الأرض في تاريخ الإنسانيَّة، فلولا ما دلَّت عليه النُّصوص الأخرى من تفضيل المسجد النَّبويِّ، لكان الفضل في الأقدميَّة للمسجد الأقصى.ثانياً: سؤال الصحابة عن فضل الصَّلاة في المسجد الأقصى
عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ مَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمـَقْدِسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمـُصَلَّى، وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الْأَرْضِ، حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمـَقْدِسِ، خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا - أَوْ قَالَ: خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا -»، وهذا الحديث يبيِّن فضيلة الصَّلاة في المسجد الأقصى في (فلسطين)، وأنَّها مضاعفةٌ عمّا سواها من المساجد؛ سوى المسجد الحرام ومسجد النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم . وإذا تأمَّلنا في دوافع بحث الصَّحابة -رضوان الله عليهم- فيما بينهم إلى تفضيل المسجد الأقصى أو تفضيل المسجد النَّبويِّ، فذلك لمِاَ علموه من أنَّ المسجد الأقصى بُني بعد المسجد الحرام، وأنَّه القبلة الأولى للمسلمين، وغير ذلك من الخصائص الواردة بشأنه، فكان هذا البحث قائماً بينهم، وهذا الحديث من أعلام النُّبوَّة، حيث فيه البشارة بفتح (فلسطين) وبيت المقدس، وأداء الصَّلاة فيه، في الوقت الذي كان الإسلام لا يتجاوز المدينة أو الحجاز، أو الجزيرة العربيَّة؛ بل كان بيت المقدس و(فلسطين) والشام تخضع للسَّيطرة النصرانيَّة البيزنطيَّة.مشقة الإقامة في القدس
كما يشير هذا الحديث أيضاً إلى مجيء زمان بعده سوف يشقُّ فيه على المسلمين الإقامة في القدس والمسجد الأقصى أو مجاورتهما، وتسير الأحداث هذه الأيَّام لتدلَّ على صحَّة ذلك ووقوعه؛ فالمتتبَّع لأحوال القدس والمسجد الأقصى خصوصًا و(فلسطين) عموما -في ظلِّ الاحتلال اليهوديِّ الحاقد، والممارسات الإسرائيليَّة الصهيونيَّة- تؤكِّد معنى هذا الحديث؛ حيث يتمنّى المسلم معها أن يكون له ولو موضعٌ صغيرٌ من الأرض، ولو كانت هذه الأرض بقدر طول الحبل الذي تربط به الدَّابَّة لتأكل طعامها؛ بحيث يرى منه المسجد الأقصى، وها هم أولاء اليهود يسعوْن بكلِّ الطرائق الممكنة لهم، ويدبِّرون الحيل، ليُفرِّغوا القدس كلَّها من المسلمين.ثالثاً: حرص الصحابة -رضوان الله عليهم على شد الرحال إلى المسجد الأقصى
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمـَسْجِدِ الْحـَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى». هذا الحديث وغيره ممَّا جاء في الحثِّ على زيارة المسجد الأقصى في (فلسطين) - مع كون المسجد كان تحت السَّيطرة الدولة البيزنطيَّة النصرانيَّة - يشير للصَّحابة بأنَّه يجب عليهم العمل على فتحه وتحريره من حكم النصارى، الّذين انحرفوا عن رسالة عيسى -عليه السلام-، فأشركوا بالله تعالى، ولم يعرفوا للمسجد قدسيَّته ومكانته، بل ملؤوه بالأوثان والصّور. عمل الصَّحابة -رضوان الله عليهم- بتوجيهات النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح الله عليهم بلاد الشَّام و(فلسطين)، وحرّروا المسجد الأقصى عام ستَّة عشر للهجرة، وقاموا بشدِّ الرِّحال إلى المسجد الأقصى، وعلى رأسهم الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب، ودخل بيت المقدس من الصحابة -رضي الله عنهم- جمع كثير، شدوا الرحال إليه، وقصدوه بالسكن والعبادة والوعظ والإرشاد، نذكر منهم: - أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -: وكان القائد العام لجيوش الفتح في الشام . - بلال بن رباح - رضي الله عنه -: شهد فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب، وأذن في المسجد الأقصى. - معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: استخلفه أبو عبيدة على الناس بعد موته، فمات أيضاً بالطاعون. - عياض بن غنم - رضي الله عنه -: دخل بيت المقدس، وبنى فيها حماماً، وله رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم . - خالد بن الوليد - رضي الله عنه -: سيف الله المسلول شهد فتح بيت المقدس. - عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: أول من ولي قضاء فلسطين سكن بيت المقدس ودفن فيها. قال الأوزاعي: أول من ولي قضاء فلسطين: عبادة بن الصامت، وعن أبي سلام الأسود قال: كنت إذا قدمت بيت المقدس نزلت على عبادة بن الصامت، وقبر عبادة بن الصامت ببيت المقدس. - تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه -: وهو من أهل فلسطين في الجاهلية، أسلم وصحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديار الخليل، وكان أميراً على بيت المقدس. - عبدالله بن سلام - رضي الله عنه -: قدم بيت المقدس، وشهد فتحها، وهو من المشهود لهم بالجنة. - أبو هريرة عبدالرحمن بن صخر - رضي الله عنه -: قدم بيت المقدس وشهد فتحه، وهو من رواة حديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد». - معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-: قدم بيت المقدس، قال الليث: (بويع معاوية بإيلياء، وتلك بيعة أهل الشام له. - عبدالله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-: قدم بيت المقدس، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يأتي إليه فيصلي فيه، ولا يشرب فيه ماء لتصيبه دعوة سليمان لقوله: -لا يريد إلا الصلاة فيه. - أبو ريحانة - رضي الله عنه -: سكن بيت المقدس، وكان يعِظ في المسجد الأقصى. - شدّاد بن أوس - رضي الله عنه -: سكن بيت المقدس، ومات بها في أيام معاوية، وقبره في مقبرة باب الرحمة بالقرب من سور -المسجد الأقصى. - سلامة بن قيصر - رضي الله عنه -: قيل له صحبة، وكان إمام المسلمين في الصلاة بعد الفتح والياً لمعاوية على بيت المقدس، ومات ببيت المقدس وقُبر فيها. - أبو جمعة الأنصاري -رضي الله عنه-: واسمه جندب بن سباع، قدم بيت المقدس ليصلي فيه، ويُعَدّ من الشاميين. - عوف بن مالك الأشجعي -رضي الله عنه -: شهد فتح بيت المقدس، ونزل بحمص، وهو صحابي جليل. - عمرو بن العاص - رضي الله عنه-: قدم بيت المقدس، وشهد الفتح، وتوفي في خلافة معاوية. - أبو أبيّ عبدالله بن عمرو الأنصاري - رضي الله عنه -: ربيب عبادة بن الصامت، وهو ممن صلى إلى القبلتين، وسكن بيت المقدس، ويُعَد في الشاميين، وهو آخر من مات من الصحابة ببيت المقدس -رضي الله عنهم. - فيروز الديلمي أو الحِميري: من فُرس اليمن، سكن بيت المقدس، ويقال إنه مات بها وقبره بها. - أبو محمد النجاري: سكن بيت المقدس، قيل إنه شهد صفين مع علي - رضي الله عنه- وهؤلاء بعض من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن عرفتهم القدس منهم تسعة دفنوا في أرضها.
لاتوجد تعليقات