رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 11 نوفمبر، 2013 0 تعليق

المسجد الأقصى بين الهدم والتقسيم

 

المشروع اليهودي الهادف لهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه، ليس بخافٍ على أحد، وطالما عقدت له المؤتمرات العلنية من قِبل الجماعات اليهودية المتحالفة مع المؤسسات الرسمية اليهودية والمتناسقة مع أيدلوجياتها في تهويد المسجد الأقصى والقدس بأكملها.

 وازدادت جرأة تلك الجماعات المتطرفة بعدما وفرت لها سلطات الاحتلال الحماية والرعاية، في ممارسة طقوسها في ساحات المسجد الأقصى المبارك، ضمن خطة التمهيد لتقسيمه كما، آل الحال في المسجد الإبراهيمي، ليكون لليهود موطئ في المسجد الأقصى ومرافقه.

     فأضحت الاقتحامات اليومية والممارسات التلمودية أمراً واقعاً في ساحات المسجد الأقصى، وأعطت التصريحات الرسمية من قادة اليهود كوزير الداخلية وسلطة بلدية القدس وأعضاء البرلمان الضوء الأخضر للجماعات العاملة على هدم المسجد الأقصى الإذن لتحويل البرامج من واقع التنضير إلى التفعيل، مستغلين الفرصة الذهبية التي وفرها الصمت العربي والإسلامي والدولي التام.

     لقد كنا في السابق نهزأ من بيانات الشجب والاستنكار بعد كل اعتداء على المسجد الأقصى، أما الآن فعدنا نقول: أين بيانات الشجب؟ وأين الاستنكار لممارسات اليهود في المسجد الأقصى؟!

     وتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً لم يُعد كلاماً يُقال بل تصريحات جلية، وممارسات فعلية، لتتحدد مساحات لكل من المسلمين واليهود، وهذا تمهيد لجعل المسجد هيكلا ومعبدا خالصا لليهود.

     وتمهيداً للمشروع الأكبر في تقسيم المسجد الأقصى، وضمن خطة تهويد القدس خطوة بخطوة، أوعز رئيس وزراء الاحتلال (بنيامين نتنياهو) بالعمل فورا لإقامة (الهيكل التوراتي) على حساب الأراضي الفلسطينية التي لا تبعد سوى أمتار عن جنوب الأقصى، لينضم إلى مشروع التهويد والاستيطان لبلدة سلوان والبؤرة الاستيطانية المسماة (مركز الزوار) أو (مدينة داود) حيث الحفريات والأنفاق التي تتصل بمحيط المسجد الأقصى وأسفله.

      ويهدف هذا المشروع إلى التعجيل في نزع الهوية والسيادة الإسلامية عن المسجد الأقصى وشرقي القدس، بل ونزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل مساحة المسجد الأقصى وتبديلها بمفوض خاص من قبل سلطات الاحتلال، ليصبح المسجد الأقصى بموجبها تابعا لوزارة الأديان الصهيونية.

     فساسة اليهود وجماعتهم المتطرفة يعملون ويشرعون تقاسم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، بل خطوا المقترحات التي ستكون أمراً واقعاً؛ حيث تنص على أن الجامع القبلي المسقوف هو فقط المسجد الأقصى، وفيه فقط تؤدى صلوات المسلمين، أما كامل مساحة صحن قبة الصخرة والجهة الشرقية منه فهو مقدس يهودي خالص بزعمهم!!

     وهذا يعطي الحق لليهود بدخول المسجد الأقصى من جميع الأبواب وفي كل الأوقات، وفي أماكن واسعة منه الذي هو كل ما دار عليه السور، وليس فقط قبة الصخرة والمسجد القبلي ( المصلى الجامع ) – كما يشيع اليهود.

     وتمهيداً لذلك الإقرار صرحت وسائل الإعلام الصهيوني قبل أيام بالمقترح الذي سيعرضه نائب الوزير الصهيوني خلال جلسة علانية خاصة، تعقدها لجنة الأمن الداخلي في البرلمان الصهيوني، قانون تقسيم الأقصى لهذا الغرض. وهذا جعل المسجد الأقصى بين مشروعي التقسيم والهدم، وقادة الاحتلال قدموا مشروع التقسيم على المشاريع والسيناريوهات الأخرى، والهادفة إلى التهويد الشامل للمسجد الأقصى لمقاصد أهمها:

- التقسيم أقل ضرراً على الكيان المحتل من السيناريوهات الأخرى، والمرحلة تستلزم التدرج خشية من ردود أفعال فلسطينية داخلية قد تعطل مشاريع اليهود المستقبلية.

- مشروع التقسيم تناغم مع مخططات الجماعات اليهودية الرامية لهدم المسجد الأقصى، وتأكيد بأن الحكومة المحتلة تعمل على التهويد لكن بسياسات قد تخالف الاندفاع عند الكثير من الجماعات والحركات المتطرفة التي لا تحسب حساب العواقب.

- والتقسيم يحقق هدف التعجيل بنزع الهوية والسيادة الإسلامية عن المسجد الأقصى وشرقي القدس، بل ونزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل مساحة المسجد الأقصى وتبديلها بمفوض خاص من قبل سلطات الاحتلال، ليصبح المسجد الأقصى بموجبها تابعا لوزارة الأديان الصهيونية.

- وتقسيم المسجد الأقصى استقطاب للداعمين الخارجيين للجماعات اليهودية العاملة من أجل إقامة الهيكل المزعوم، والمدعومة من أحزاب سياسية تحت قبة البرلمان اليهودي التي تؤمن بضرورة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.

     وهذا لم يأت من فراغ، فهو نتاج جهد لسنوات عديدة نسج خلاله حاخامات اليهود وباحثوهم وسياسيوهم وأعوانهم من المستشرقين الكثير من الأساطير حول الهيكل المزعوم؛ الذي سطروا حوله الكثير من الأكاذيب، واتخذوا منها المسوّغات للكثير من الإجراءات والممارسات الممهدة لهدم المسجد الأقصى؛ ليعيدوا أمجادهم المزعومة في بناء ما أسموه: (هيكل سليمان).

     وقد سعت في إشاعة تلك الأساطير المؤسسات اليهودية العاملة من أجل إقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، وأحاطتها بمنطلقات عقائدية، ومن نماذج تلك الأساطير: ما نُشر مؤخراً في كتاب مصور يحمل اسماً عبريّاً يعني: (القدس أولا)(1)، تحت شعار: (تطوير السياحة في القدس)، بالتعاون بين (سلطة تطوير القدس)، و(بلدية القدس)، وتحوي صفحاته معالم المخطط القادم بالصور والوثائق والرسومات الهندسية المفصلة لما ستكون عليه البلدة القديمة والمسجد الأقصى بعد إقامة المنشآت الجديدة المزمع تشييدها داخل أسواره وأسوار البلدة القديمة وما جاورها.

     وأخطر هذه المخططات المفصلة في الكتاب: إقامة الهيكل المزعوم بين قبة الصخرة والمصلى الجامع في صدر المسجد الأقصى، والهدف من توزيع هذا الكتاب وأمثاله: إيصال رسالة صريحة للزائرين من اليهود وغيرهم من السائحين بأن تاريخ تلك الأرض هو تاريخ اليهود فقط، فهي -بتزييفهم وتزويرهم- مدينة داود وسليمان، والعرب احتلوها وأنشؤوا مقدساتهم على أنقاض كنسهم ومقابرهم ومنازلهم!

      والأمر في مخططات الاحتلال لا تقف عند حد التهويد بأن تتطلع إلى ابتلاع الأرض لتوسع تمكنه فيها، ولكنه يواجه مشكلة العنصر البشري الموجود عليها؛ ولهذا فهو يتبع سياسة من شقين: الأول: تهويد الأرض بشكل مثابر، والشق الثاني: هو تقليل الوجود الإسلامي - الفلسطيني إلى أدنى حد – أي طرد الفلسطينيين وتهجيرهم.

      نعم القدس تعيش معاناة حقيقية وتواطؤاً دولياً وعالمياً لم يشهد له مثيل، ومع ذلك مازال بعض الكتاب الذين يحملون أسماء عربية يشككون في أن ممارسات اليهود ستؤدي إلى تهويد القدس، بل وبعضهم يُحسن الظن باليهود وممارساتهم!

     لا شك أن السكوت عن تلك الممارسات تحت ذريعه انشغال الشعوب العربية بالخريف العربي، لا مسوغ له، فاليهود يجيدون استغلال الفرص، بل إن هذه التصريحات وتلك الممارسات ما هي إلا جس نبض الأمة، لمعرفة حقيقتها بعد هذه الفوضى التي تعيشها في ظل ما أسموه الربيع العربي!

     إذا كان أمر التهديدات قد بدا في السنوات الماضية أنه مجرد بالونات اختبار، فإنه من الواضح الجلي أن بالونات الاختبار أضحت مشاريع تناقش في المؤسسات اليهودية الرسمية وبتناغم وتوافق مع الحركات المتطرفة، والمشروع سيطبق... ما دام الصمت مستمراً.

فهل بعد هذا وقفة جدية رسمية وشعبية من الدول العربية والإسلامية لإنقاذ المسجد الأقصى من مخاطر التهويد التي تهدده؟!

     والسؤال: لماذا السكوت الواضح على هذه التصريحات والممارسات والاعتداءات من قبل وسائل الإعلام العربية والغربية؟! لعل التقسيم أو الهدم يدور في دائرة نشر السلم والسلام، ولكننا لا نعي معانيها ومقاصدها!

الهامش:

1- انظر: (المخطط اليهودي لإقامة الهيكل وتهويد القدس)، ترجمة للوثيقة العبرية الصادرة عن سلطة تطوير القدس وبلدية القدس، ترجمة وإصدار مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك