رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 6 يونيو، 2021 0 تعليق

المسجد الأقصى المفترى عليه


كثرت في الآونة الأخيرة كتابات من أسموهم بالأدباء والكتّاب والفلاسفة! وشرهم من تلبس بلباس العلم والدين الذين يشيعون بأنَّ المسجد الأقصى ليس هو مسجد القدس، وأنه مسجد في الطائف، وأنَّ مسرى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إليه، وليس للمسجد الأقصى في القدس أي فضل عن بقية المساجد، وأن المسلمين خدعوا بإعطاء القداسة لمسجد القدس على مر العهود والأزمان، إلى أن جاء هذا الكاتب وذلك الكاذب، وعَرف ما لم يعرفه حتى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين بشرهم بفتحه، وذكر لهم فضله.

     وتعدى الأمر ليقول بعضهم بأن المعراج حصل بالقلب فقط لا بالجسد والروح، وأن المسجد الأقصى الذي ندّعي قداسته في القدس ليس لنا! وأنّ لليهود حقا فيه! وأنّه عندما فُتح أُخذ من النصارى فهو لليهود والنصارى، ومؤخرا قالوا: إن لليهود حقا في المسجد الأقصى، بل وطالبوا بإعطاء اليهود حقوقهم في أماكن عبادتهم! ورد ما اعتدينا عليه من مقدسات اليهود!

كيف وصل الحال بهؤلاء؟

     ونستغرب، كيف وصل الحال بهؤلاء أن جنّدوا أفواههم وأقلامهم لخدمات يعجز عنها كتّاب الصحف العبرية؟! بل توسعوا ليوجهوا سهامهم لكلّ من دافع عن حقوق المسلمين بمقدساتهم في فلسطين، وأعطوا لليهود حقوقًا في أرضنا ومقدساتنا؛ وأوغلوا في تنظيرهم حتى قالوا بضرورة إعادة صياغة التاريخ، وسرد أحداث نكبة فلسطين ونكستها بطريقة مغايرة؛ لأنهما حدثا بسبب أننا لم نستطع أن نتعامل مع حداثة الكيان اليهودي وتطوره!

أكثر تورية وتقية

     لا شك أن كتابات هؤلاء وأقوالهم كانت في السابق أكثر تورية وتقية؛ لأنَّ الأمة الإسلامية لم تكن بهذا الانكسار والضعف كما عليه الآن، فصوت هؤلاء وظهورهم يخفت حين تكون الأمة في قوتها، ومكانتها التي كانت عليها، وظهورهم مرهون بضعف الأمة، وتكالب أعدائها عليها، وهذا هو حال كل من أراد السوء لهذه الأمة منذ عهد النبوة إلى الآن؛ فقد جمعوا خلاصة ما كتبه الباحثون اليهود للتشكيك في مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين، وما سطرته مراكزهم العلمية، وما اخترعه مؤرخيهم لخلق تاريخ يخدم كيانهم ووجودهم على الأرض المباركة، وحقا ألا مثيل لهؤلاء في كل مراحل التاريخ! فهؤلاء أناس تنكروا لأمتهم وأوطانهم، ودافعوا عن حقوق أعدائهم، وهذا الفكر -مع الأسف- يجد كل الدعم من الظهور، وفتح الأبواب؛ ليقولوا ما أرادوا عبر الفضائيات والمنتديات.

لماذا التشكيك في تاريخ القدس والمسجد الأقصى؟

     لا شك أن هذا التشكيك ضمن مؤامرة لهدم الثوابت في مكان المسجد الأقصى المبارك ومكانته، ولقطع الرابط بين فلسطين وبيت المقدس ومسجدها الأقصى المبارك، وفي سبيل ذلك أصروا على التشكيك في كل ما جاء في الكتاب والسنة حول فضائل المسجد الأقصى المبارك ليقولوا -كاذبين -: بأن القدس لا مكانة لها، ولا رابطاً دينيًا بينها وبين الإسلام، وأن المسجد الأقصى هو مسجد آخر غير مسجد القدس، هو مسجد في السماء، أو هو مسجد قريب من المدينة وسمي الأقصى لأنه البعيد! فقد أساءهم تعلق المسلمين بالقدس والأقصى ومحبتهم لهما والنظر إليهما، وتاريخهما الزاهر، فعملوا على تقويض إجماع المسلمين على قداسة مدينة القدس، وتعظيم حرمتها وحرمة الأقصى في الإسلام.

لماذا تتكرر هذه الأكاذيب والشبهات؟

     ولعلنا نتساءل لماذا تتكرر على مسامعنا هذه الأكاذيب والشبهات بين فترة وأخرى؟ وما هدف من يتبناها من صحافة ووسائل إعلامية وفضائية؟ وما السبب في نشر هذا التشكيك في مكان المسجد الأقصى ومكانته؟ ولماذا المحاولات حثيثة من هؤلاء -وهم ليسوا يهودًا- لإدخالها في بعض النفوس؟

     على الرغم أن ما يقوله هؤلاء -ممن أسموهم أدباء ومفكرين- لم يضف جديدًا على الدراسات اليهودية والاستشراقية التي تعمل على تقليل أهمية المصادر الإسلامية المتعلقة ببيت المقدس، بعد أن فتحها أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه -، أو للتقليل من أهميتها ومكانتها في الإسلام والتشكيك في النصوص التي جاءت في الكتاب والسنة وكتب السير والفقه؛ وذلك بهدف إلغاء الحقائق والتشكيك في الثوابت لكتابة تاريخ جديد لبيت المقدس من وجهة نظر أحادية متعصبة.

دوافع مراكز الدراسات

     ولا شك أننا نعرف دوافع مراكز الدراسات والباحثين الغربيين في نشر تلك الشبهات والأكاذيب لإكساب احتلالهم لبيت المقدس شرعيةً دينيةً وتاريخيةً وواقعيةً وأثريةً وقانونيةً، بل وإنسانيةً في بعض الأحيان! وحقًا فإن تاريخنا في القدس يؤرقهم، وكيف لا يقلقهم وفي طياته الأخبار والسير ما يشيب منه غلمان الحاقدين وأعداء المسلمين؟ ففي تاريخنا أخبار الفتوحات والبطولات، ثم الهزائم والانتصارات، قام بها علماء وقادة، فتحوا الأمصار، وانتصروا على غارات المغول، وكسروا شوكة الاستعمار المعاصر، وفي صفحة مؤلمة من صفحات هذا التاريخ - الذي نعيشه - انتكاسة للأمة بأن قامت على أرض فلسطين دولة آثمة ظالمة، سلبت الأرض والمقدسات، وسرقت الخيرات، وتعدت على الحريات والكرامات.

أسئلة موضوعية

     نسأل من يدّعي أن مكان المسجد الأقصى ومكانته عند المسلمين حادثة، ولا سيما بعد الفتح الصلاحي، لماذا شدَّ الصحابة -رضي الله عنهُم- الرِّحال إلى بيت المقدس وصلّوا في المسجد الأقصى؟ ولماذا كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهمَا- إذا دخل المسجد الأقصى لا يقصده إلا من أجل الصلاة فيه، ولا يشرب فيه شربة ماء، حتى تصيبه دعوة سليمان عليه السلام؟

- ولماذا دفن الكثير من الصحابة والتابعين في مقبرة مأمن الله في القدس؟ ومن أبرز من استقر من الصحابة في القدس وتوفي فيها: الصحابي الجليل عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، والصحابي الجليل شداد بن أوس - رضي الله عنه -، ألم تكن تلك دلالة على مكانتها الشرعية؟

- ولماذا اجتمع بالمسجد الأقصى علماء «المقادسة» مع علماء من بلدان العالم الإسلامي المختلفة من المشرق والمغرب؛ حيث ذكر مؤرخ فلسطين عارف العارف في كتابه (تاريخ القدس) أنه «كان في المسجد الأقصى ثلاثمائة وستون مدرسًا» في القرن الخامس الهجري.

- ولماذا أورد مجير الدين الحنبلي -رحمه الله- في الجزء الثاني من كتابه (الأنس الجليل) سِيرًا مختصرة لحوالي 440 عالمًا وقاضيًا وخطيبًا ومؤلفًا ممن عاشوا وعملوا في بيت المقدس منذ الفتح الصلاحي وحتى سنة 900 للهجرة أي خلال 300 سنة؟

- ولماذا أحاطت المدارس والأوقاف بالمسجد الأقصى من جهته الغربية والشمالية وكان بعضها في داخل أسوار المسجد الأقصى، وكان عددها بالمئات؟

- ومصاطب العلم في ساحات المسجد الأقصى التي اختصت بشتى العلوم، هل لها دلالة علمية أم كانت للزينة؟! ومنها مصطبة علاء الدين البصيري، ومصطبة الظاهر، ومصطبة قبة موسى، ومصطبة سبيل قايتباي، لتستوعب مئات المدرسين لإلقاء دروسهم على المصاطب التي كان يجلس عليها الطلاب.

- أليس ما سبق يظهر لنا بجلاء أن المسجد الأقصى عاش حياة علمية حافلة على مدى القرون، وكان مركزًا من أهم مراكز تدريس العلوم الشرعية في العالم الإسلامي؟

أول قبلة للمسلمين

 شئتم أم أبيتم، المسجد الأقصى هو: أول قبلة للمسلمين، وثاني مسجد وضع في الأرض، وبارك الله فيه وفيما حوله، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، ومسرى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومعراجه إلى السموات العلى، وصلى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - فيه بالأنبياء إمامًا، ويضاعف فيه أجر الصلاة، وبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بفتحه.

محل دعوة الأنبياء إلى توحيد الله -تعالى

- والمسجد الأقصى: محل دعوة الأنبياء إلى توحيد الله -تعالى-، ورباط الفاتحين، ومنارة للعلم والعلماء، دخله من الصحابة جمع كثير، ويرجى -والرجاء رجاء الأنبياء- لمن صلى فيه أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، وهو مقام الطائفة المنصورة، وأرض المحشر والمنشر، وفيه يتحصن المؤمنون من الدَّجال ولا يدخله.

أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على فضله وعظيم شأنه

- والمسجد الأقصى: أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على فضله وعظيم شأنه، وأخبر بتعلق قلوب المسلمين به لدرجة تمني المسلم أن يكون له موضع صغير يطل منه على المسجد الأقصى أو يراه منه، ويكون ذلك عنده أحب إليه من الدنيا وما فيها، وهذا ما أخبرنا به الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض؛ حيث يرى منه بيت المقدس، خير له من الدُّنيا جميعًا»، أو قال: «خيرٌ من الدُّنيا وما فيها».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك