المستشارة الاجتماعية مها المسلم: التعامل مع العواطف بإيجابيــــــة يؤمّن سلامة النفس وتوازنها- من أهم مقومات الصحة النفسية سلامـــة المشاعر والعواطف
تحدثت المدربة والمستشارة الاجتماعية مها بنت محمد المسلم عن المشاعر والعواطف في حياة الإنسان، وأكدت أن من أهم دعائم الصحة النفسية سلامة مشاعر الفرد واتزان عواطفه، مبيِّنة أن مشاعرنا الوجدانية هي انعكاس طبيعي لأفكارنا وسلوكياتنا.
وشددت على أهمية معرفة نوع المشاعر التي تسيطر علينا وبالتالي كيفية التعامل معها، وقالت مها المسلم: الإنسان كله عواطف ولا يخلو أي أحد من العواطف لكننا نحتاج إلى كيفية إظهارها ومعرفة مشاعر الآخرين وفهمها.. جاء ذلك خلال الحوار التالي معها حول ما هية المشاعر ومتطلباتها.
- بداية، حدثينا عن أهمية المشاعر والعواطف في حياة الإنسان؟
- لقد جُبل الإنسان على السعي بإصرار على الحفاظ على حياته على هذه الأرض ليضمن معيشته -بإذن الله- بحياة أطول من خلال الاهتمام بالصحة قدر الإمكان والابتعاد عن المخاطر التي قد تؤدي إلى هلاكه، وهذه سنَّة الله في خلقه: حب البقاء.
ولو سألت بعض العقلاء: كيف تحافظ على حياتك؟ لأجابك بالمحافظة على صحة جسده وحمايته من أمور قد تضره وتؤثّر على عمره أقل مما هو عليه في مثل من هم بسنه.
ولكن توقف معه قليلاً واسأل عن صحة النمو الوجداني (العاطفي) كيف يحافظ عليه؟ ستجد الكثير منهم قد يتوقف وقتاً ليدرك معنى السؤال ثم كيف يجيب عليه، مع العلم أن من أهم مقومات الصحة النفسية التي هي أيضاً أساس للصحة البدنية: سلامة العواطف أو المشاعر؛ ولهذا علينا أن نؤمن أن التعامل مع العواطف بإيجابية بكلا نوعيها من الأمور المهمة والكفيلة بسلامة النفس من شوائب تعكرها وتؤثر على سيرها بوجه صحيح.
- ما الأسلوب السليم للتعامل مع المشاعر؟
- ينبغي علينا أن نفهم ماالعواطف التي تصيبنا سواء كانت سلبية أم إيجابية وبالتالي الطرائق السليمة للتعامل معها وما يُسمى بالاعتراف بالمشاعر للأنا وللطرف الآخر، فكلنا يعلم من خلال المثل الدارج: «فاقد الشيء لا يعطيه»، فمن يجهل كيف يتعامل مع عواطفه حتماً يجهل كيف يتعامل مع مشاعر مَن هم حوله ويحتك بهم، سواء كانوا في محيطه الأسري والاجتماعي أم في محيطه المهني، وأول الطريق أن نثق أن مشاعرنا تأتي من أفكارنا السلبية والإيجابية.
- كيف تكون مشاعرنا متولّدة من أفكارنا السلبية والإيجابية؟
- الفكرة السلبية تولّد لنا مشاعر سلبية مثل الإحباط، اليأس، العجز، انعدام الثقة، الحزن، القلق، التوتر، البؤس، التشاؤم، الخوف، الغضب، وغيرها كثير.
والفكرة الايجابية تنتج لنا داخلياً مشاعر ايجابية مريحة كالفرح، والإنجاز، والفخر، والثقة، والسعادة، والبهجة، والتفاؤل، والسمو، والحماس، والنجاح، والرضا، وغيرها كثير من المشاعر أو الوجدانيات الجميلة.
- حدثينا عن أوليات التعامل مع المشاعر الايجابية؟
- في بداية الأمر علينا أن نضع نصب أعيننا أن نتخلص من كل فكرة قد تؤثّر على مشاعرنا تأثيراً سيئاً قدر الإمكان ولا نستسلم لها ونتذكّر حديث رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «المؤمن كيّس فطن» فالفطنة تأتي بأمور كثيرة من ضمنها ما هو محور حديثنا هذا، فالفكرة أياً كانت تورث لنا عواطف تؤثّر على صحتنا النفسية وهذا من أوليات التعامل مع المشاعر الإيجابية.
- كيف نعبّر عن مشاعرنا أمام الآخرين لنصل للإيجابية؟
- يكون ذلك بإخراجها من القلب إلى اللسان ثم إلى مسمع الطرف الآخر، بطريقة مقننة خالية من الصراعات أو الغضب أو قضية الند بالند، فالمهم هنا أننا نسعى لراحتنا قبل كل شيء وبعده، وهذه الدرجة الأولى، وليجرب أحدنا لو كان يحمل مشاعر مزعجة لم تخرج سنشعر بألم في الصدر وضيق وتوتر قد نحمله يوماً أو أكثر، ويؤثّر علينا هذا الحمل وعلى سير حياتنا اليومية وبالتالي تعاملنا مع الآخرين، بينما لو قمنا بإفراغ تلك العواطف لشعرنا براحة عجيبة.
- نتطلع والقارئ الكريم لضرب أمثلة لتتضح الصورة لدينا بهذا المفهوم؟
- حسناً.. لو حدث موقف لك مع زميل في العمل وضايقك تصرفه يجب أن توضح له هذا الأمر الذي أزعجك بكل هدوء بعيداً عن التشنج، فربما قد صدر سلوكه بشكل عشوائي لا يقصد إيلامك؛ لهذا عملية أن تعترف أمامه بمشاعرك هي طريقة ذهبية لكي يتعرّف على شخصيتك بما تحب وتكره وبالتالي لا يتكرر فعله، ومن ثم سيجيد تعامله معك بناءً على ما زرعته أنت معه من طرق مقننة لتفريغ تلك المشاعر.
مثال آخر: اجتماع مع رئيسك وزملائك بالعمل وفاجأك الرئيس بقرار لمهمة لم تكن في الحسبان ولم يهيئك لها مسبقاً، وشخصيتك لا تحب المفاجآت خصوصاً المهنية غير المتوقعة من المدير، فإن أبطنت مشاعرك فلن ترتاح وستحمل على مديرك انزعاجاً كلما شاهدته وهو لا يعلم بفعلته أنه ضايقك، عندها تبعد الفكرة السلبية وبالتالي المشاعر السيئة بالتفريغ وإزاحتها من صدرك، كأن تقول لرئيسك: أنا إنسان أحب في العمل أن أعلم بخطة المهام مسبقاً حتى أرتب... و... وتفويضك لي بالمهمة فاجأني وسبب لي توتراً وربكة أزعجتني، كنت أرجو قبل أن يبدأ الاجتماع أن تذكر لي ذلك حتى لا أصاب بربكة أثناء الاجتماع.
بهذا التكنيك يكون الموظف أفرغ شعوره السلبي، ارتاح، لم يظهر اللوم، وضح الموقف للمدير، وهذه طريقة ساعدته على الارتياح وهي بدايات التعامل مع المشاعر بشكل إيجابي.
وما حدث في مثل هذا الموقف قس عليه بموقف ظهرت منه مشاعر (مريحة) إيجابية يجب أن تظهرها للطرف الآخر أنك أو سعيد أو فخور بموقفه معك لتشعره بتصرفه أنه جلب نتيجة محمودة عليك بإحداث عواطف جميلة، وبالتالي تعطيه إشارة غير مباشرة لأن يحذو هذا الطريق مرة أخرى سواء معك أم مع غيرك.
- بعد أن أدركنا التعبير عن مشاعرنا مع الآخرين، كيف نساعد الآخرين للاعتراف بمشاعرهم؟
- هذه مرحلة مهمة وهي مساعدة الآخرين في الاعتراف بمشاعرهم ومساعدتهم وإظهار ما يبطنون من عواطف، لكي نساعدهم على الراحة وخلق تواصل فعّال معهم، فكلنا يعلم أن من أساسيات التواصل الفعَّال إيجاد ألفة بيننا وبين الطرف الآخر عن طريق الاهتمام بعواطفهم بشكل متوازن وجيد لنا ولهم، ولو أخذت المثال الأول الخاص بالموظف مع مديره، وسأطبقه هنا بالاعتراف بمشاعر الطرف الآخر، وهو زميلي وموقفه مع المدير، وشاهدت زميلي وما ظهر عليه من توتر وانفعال سلبي ولأنه يجهل تلك العواطف التي تخالجه وتزعجه بشكل دقيق، فأقول له: أنت تشعر بتوتر من مفاجأتك المدير بقراره، أو تقول: أنا أشعر أنك قلق حيال تلك المهمة أو مرتبك أو... أياً كان، ستجده يشعر بالراحة أن هناك طرفا آخر شعر به وفكر في مشاعره وساعده على الاستدلال على الجرح، عندها ستلاحظ إسهابه معك بالحديث والتعبير عن نفسه المنزعجة من الموقف، ثم بعدها سيفكر بحلول جيدة لأنه أفرغ عواطفه فوصل العقل إلى حكمته.
- الإنسان كله عاطفة ولا يخلو أحد منا من تلك العواطف، فكيف يتصرف وهو في ذروة انفعالاته؟
- صحيح أن الإنسان كله عاطفة ولا يخلو أحد منا من تلك العواطف ولكننا قد نفتقر إلى عملية إظهارها وأيضاً لا نفهم مشاعر الآخرين، وبالتالي قد يشوب علاقاتنا معهم شيء من العكر والبتر، فكما يقال العقل السليم، بالجسم السليم، أنا أقول: النفس السليمة بعد الله تكون بالشعور السليم، فكلنا يعلم أن حل المشكلات بالعواطف الجياشة عادة تكون الحلول أو القرارات في غير مكانها، لأنها جاءت من انفعال سيطر على التفكير السليم، فالعقل أصبح مربوطاً بعاطفة طاغية شلت عمله، فيجب أن نبتعد كل البعد عن اتخاذ قرارات وعواطفنا في ذروتها ننتظر حتى تصفو أولاً وعندها يبدأ العقل السليم بالأفكار والقرارات والحلول السليمة بإذن الله.
لاتوجد تعليقات