المسباح للفرقان: من أهم آفات العمل الدعوي – تصدر من ليس لديه أهلية كاملة وانفراده برأيه دون الرجوع إ
المسباح للفرقان: من أهم آفات العمل الدعوي - تصدر من ليس لديه أهلية كاملة وانفراده برأيه دون الرجوع إلى العلماء (1)
لكل كيان دعوي أو مؤسسة خيرية رجال ساهموا في بنائها، وصنعوا تاريخها؛ فالدعوات إنما تقوم على رجال يمشون بثبات واستقامة على طريقها حتى النهاية، وفي إطار تسليط الضوء على جهود رجالات جمعية إحياء التراث الإسلامي ومسؤوليها، يطيب لنا أن نستضيف في هذا الحوار رئيس قطاع التنمية الخيرية والمجتمعية ورئيس جمعية الماهر بالقرآن والموجه العام السابق بوزارة التربية، الشيخ جاسم المسباح، نرصد فيه أهم المحطات الدعوية والإعلامية والتربوية في مسيرته المباركة.
- بداية، نريد منكم إلقاء الضوء على بداياتكم في العمل الدعوي، وكيف كان ارتباطكم بالدعوة السلفية المباركة؟
- بحمد الله -تعالى- وتوفيقه كان بداية ارتباطي بالدعوة السلفية، من خلال أحد الإخوة الفضلاء وهو الأخ عجير الطوق، وكان في منطقة القادسية، وهو أخ حبيب وفاضل، دعاني لصلاة الجمعة عند الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، وفي الحقيقة رأيت من السلفيين المنهج الواضح والاهتمام بالعقيدة والأخلاق، وحرصت بعدها على حضور الدروس عند الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق -رحمه الله- في درس التفسير، وللشيخ عبد الله السبت -رحمه الله-؛ حيث كان له درس في العقيدة وأيضًا شرح كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، ومن الإخوة الذين تعرفت عليهم في هذه الفترة الأخ عدنان السعد وهو من الإخوة الفضلاء والدعاة السلفيين وأخونا بدر، وأخونا عجيل الطوق، -جزاهم الله خيرًا- كانوا أصحاب فضل علي بعد الله -عز وجل- في الالتزام وغيرهم -جزاهم الله خيرا-؛ حيث تعلمنا معهم العلوم الشرعية، ولا سيما في مجال العقيدة والفقه والتجويد والأخلاق ومنهج الدعوة السلفية، وتدرجنا شيئا فشيئا، وبحمد الله رب العالمين من الثانوية وأنا أدرس العلوم الشرعية ولم يكن هناك كلية شريعة آنذاك في الكويت؛ فدرست في السعودية.
- من الأشخاص الذين تأثرت بهم في العمل الدعوي؟
- من أكثر الأشخاص الذين تأثرت بهم في العمل الدعوي -بما رأيته في حياته التي وهبها لله في جميع أوقاته- الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله-، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، وغيرهم من أهل العلم لكن هؤلاء رموز، وفي الحقيقة لهم فضل كبير على الإسلام والمسلمين، الشيخ ابن باز تعرفنا عليه منذ البداية؛ فقد كان -حقيقة رحمه الله- أشهد بالله أن عنده سماحة، وسعة بال وأفق وعلم، فهؤلاء العلماء كالموسوعات في جميع العلوم الشرعية إن جئت إلى القرآن وتفسيره وعلومه، وإن جئت للسنة ومعرفتهم الصحيح والضعيف، وإن جئت بهم إلى فهم السلف وفي حياتهم العملية، وطبعا غيرهم من أهل العلم، وكان الشيخ ابن باز بعد صلاة الفجر لديه درس في التفسير، وحضرت له دروسا عدة، وكنت أنقطع أحيانا؛ لأن الدرس كان يستمر مدة ساعتين، فكنا إذا حضرنا للنهاية يؤثر على حضورنا في الجامعة؛ فكانت تبدأ محاضراتنا من الساعة السابعة إلى الساعة الثانية عشرة، لكن كنا نحضر في نهاية الأسبوع، وكان يشرح -رحمه الله- التفسير ثم أحاديث من كتاب فتح الباري أو قراءة بعض السنن مع الشرح والتعليق، وأيضا شرح الفرائض وبعض القضايا الفقهية؛ فكانت له سلسلة دروس رائعة جدا إضافة للمحاضرات التي يلقيها في الجامعة أو في الجوامع، وكانت له جلسات خاصة -رحمه الله.
ولا شك أن المشايخ والدعاة الذين كانوا سببًا في معرفتي بالدعوة السلفية المباركة في الكويت كان لهم أثر طيب، وتعلمنا على أيديهم كأخينا محمد القناعي، وعبدالرحمن المطوع في منطقة القادسية، وأيضا أخونا عدنان السعدد، وجاسم القبندي، وأخونا بدر، وغيرهم من الإخوة الفضلاء في الدعوة السلفية الذين تعلمنا على أيدهم ولهم أثر في ارتباط الإنسان بالله -سبحانه وتعالى- ومنهم أيضًا الشيخ عبد الجبار سالم، رحم الله من مات منهم، وبارك في الموجودين.
- ما الأثر الذي يجده الإنسان من التربية على المنهج السليم اعتقادا وفكرًا وسلوكًا؟
- لا شك أن التأسيس على المنهج الصحيح في الاعتقاد والعمل والفكر والسلوك يكون حصنًا منيعًا للإنسان من الانحراف الفكري، وهذا ما حدث لي؛ حيث كان هذا المنهج وقاية لي بفضل الله -عز وجل-، فحينما تخرجت من الثانوية في عام 1977 وذهبت للدراسة بفضل الله -تعالى- في المملكة العربية السعودية في كلية أصول الدين بتزكية من الشيخ عبدالله السبت؛ إذ أعطاني ثلاث تزكيات للشيخ ابن باز -رحمة الله عليه-، والشيخ محمد سعد شويعر، والشيخ عبدالله العقيل، وفي هذه الفترة كان هناك من تأثروا بفكر الجماعة الذين دخلوا الحرم وحدثت الفتنة المعروفة بفتنة جهيمان، وكنت أقول في نفسي من المستحيل أن يكونوا على الحق؛ لأنهم كان عندهم جفوة وغلظة وشدة، والله يقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه»؛ فبفضل الله ثم المنهج السليم الذي تربيت عليه تبصرت حقيقة هؤلاء من البداية، وهذه من بركات التربية على المنهج الصحيح.
قاعدة مهمة
وأذكر قاعدة مهمة جدا كان يقولها شيخنا ابن عثيمين -رحمه الله- في ضوابط الصحوة الاسلامية وتوجيهاتها، كان يقول: «الحماسة الإيمانية أمر ممدوح، ولكننا بحاجة إلى قيدين: العلم الشرعي، والعقل، ومن دونهما فإن الحماسة الإيمانية تدمر ولا تعمر»، وفعلا رأينا ناسا اندفعوا بحماسة ودون وعي وعلم وفقه ودون النظر إلى مألات الأمور والنتائجأ فوقعوا في شر أعمالهم بإصدار أحكام التكفير أو التبديع أو التفسيق على المسلمين.
- ما أهم الصفات التي يجب أن يتميز بها الداعية إلى الله -تعالى؟
- هناك العديد من الصفات التي يجب أن يتميز بها الداعية إلى الله -تعالى- لكن أهمها الإخلاص والصدق لله -سبحانه وتعالى-؛ لأن موضوع الإخلاص والصدق مع الله -تبارك وتعالى- هو المنطلق، وأن يكون المنهج الذي يتربى عليه هو منهج القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، وأن يكون يطابق قوله فعله، وأن يكون ذا علم وحسن خلق وسلوك طيب وحُسن علاقة مع الله -عز وجل- أولا، ثم مع أهل بيته ثانيًا، وأيضًا مع إخوانه وأصدقائه وأحبائه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -:» أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله»، ولذلك كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:» المؤمن يألف ويُؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف».
- ما أهم الآفات التي تؤثر في العمل الدعوي والدعاة عموما؟
- في رأيي الشخصي أنَّ من أهم الآفات التي تؤثر في العمل الدعوي تصدر بعض من ليس لديه أهلية كاملة، وانفراده برأيه دون الرجوع إلى العلماء الربانيين المشهود لهم بالحكمة والرسوخ في العلم، فكثير من هؤلاء أصابهم الغرور فتجدهم يتطلعون إلى الصدارة، وهذه من أخطر الآفات التي يقع فيها الداعية إلى الله -تعالى-، الغرور والعجب والتطلع للصدارة قبل أن يكون عنده أهلية تامة.
ومشكلتنا في بعض الشباب المتطلع إلى الشهرة التأثر والافتتان بكثرة المتابعين في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهذه فتنة حقيقة؛ فالشهرة لها آثار سلبية كبيرة، أهمها أن يصاب الداعية بالغرور والعجب بالنفس، وأحيانًا تفرض ظروف العمل الدعوي أن يتصدر بعض العاملين للعمل قبل أن يستوي عودهم، وقبل أن تكتمل شخصيتهم، وحينئذ يأتي الشيطان فيلقى في روعهم أنهم ما تصدروا للعمل وما وضعوا في الموقع الذي هم فيه الآن؛ إلا لما يحملون من مؤهلات ما لديهم من مواهب وإمكانات، وقد ينطلي عليهم لجهلهم بمكائد الشيطان وحيله مثل هذا الإلقاء؛ فيصورونه حقيقة، ويرفعون من قدر نفوسهم فوق ما تستحق حتى يكون الإعجاب بها والعياذ بالله.
- كونك أحد رجالات جمعية إحياء التراث الإسلامي كيف ترى هذه الجمعية المباركة؟
- لا شك أن من ثمرات الدعوة السلفية في القطاع الخيري جمعية إحياء التراث التي تأسست -بحمد الله تعالى- سنة 1981، وكنت في ذلك الوقت في العام الثاني في الجامعة، وكان رئيس إدارتها الشيخ خالد سلطان، ومجلس الإدارة مكون من الفضلاء ورجالات الدعوة السلفية، وقد مرَّت جمعية إحياء التراث الإسلامي بظروف كثيرة، لكن بفضل الله -عز وجل-، ثم بفضل صحة منهجها وسلامة عقيدتها وعقيدة الإخوة القائمين عليها وقدرتهم على معالجة الأمور بحكمة، فقد استطاعوا أن يعبروا بها إلى بر الأمان.
وأنا إذا أحببت أن أذكر كلمة عن جمعية إحياء التراث الإسلامي فقد تكون شهادتي مجروحة؛ لذلك أنقل بعضًا من كلام أكابر علماء الأمة في الجمعية وشهادتهم فيها، فقد قال عنها سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله-: أهنئ إخواني القائمين على جمعية إحياء التراث الإسلامي بما يسر الله لهم من الخير، ومن ذلك ما يبذلونه من جهود طيبة.
منهج صحيح
وقال عنها عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية فضيلة الشيخ: صالح بن فوزان بن عبدالله آل فوزان. -حفظه الله-: اطلعت على نسخة من منهج جمعية إحياء التراث الإسلامي للدعوة والتوجيه فوجدته منهجًا صحيحًا يتمشى مع الكتاب والسنة وما تحتاجه الأمة.
حُسن المبنى والمعنى
أما رئيس مجلس الشورى السعودي وإمام وخطيب الحرم المكي فضيلة الشيخ: صالح بن عبدالله بن حميد فقد قال عن الجمعية: زُرت إخواننا في جمعية إحياء التراث في دولة الكويت الشقيقة، وسرني ما رأيت من حُسن المبنى والمعنى، وما وفقهم الله فيه من مشاريع خيرية ومناشط دعوية وعلمية، وزادهم الله إحساناً وتوفيقًا.
قمة من قمم الجمعيات العاملة
وعنها قال فضيلة الشيخ د. عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس (إمام وخطيب المسجد الحرام) بمكة المكرمة: جمعية إحياء التراث قمة من قمم الجمعيات العاملة لهذا الدين، ولعل من خصائصها ومميزاتها تمسكها بعقيدة السلف ومنهجهم، واهتمامها بالعلوم الشرعية والتأصيل العلمي، وهذه الجمعية علم متألق مرفرف في خدمة المنهج الصحيح، بجهودها المتميزة، ونُشهد الله أننا نُحب القائمين عليها، وندعو لهم.
- كيف ترى الاتهامات التي توجه للجمعية بين الحين والآخر؟
- بلا شك هذه الاتهامات في الحقيقة ليست بجديدة، فسيد الأنبياء والمرسلين لم يسلم، فما بالك بالأفراد والكيانات الدعوية؟! ولما كانت الدعوة عموما تواجه محنًا كثيرة وهجمة شرسة في شتى بقاع العالم، تستهدف تشويه حقيقة الإسلام وروحه السمحة؛ لهذا قامت الجمعية بصياغة منهج مختصر بصفحاته كثير بفوائده ومعلوماته، أسمته منهج الجمعية للدعوة والتوجيه، ذكرت فيه الأسس العقدية والدعوية التي تستند إلى الكتاب والسنة الصحيحة بعيداً عن التطرف والغلو والبدعة والخرافة، والكتاب لاقى قبولاً واسعاً وثناءً عظيمًا من قبل علماء الأمة في مختلف بقاع الأرض، وعلى رأسهم الشيخ ابن باز وابن عثيمين -رحمهم الله- والمشايخ (صالح الفوزانوصالح بن حميد وعبدالعزير آل الشيخ، وغيرهم كثير.
- هل تراجع الدور الدعوي والعلمي للجمعية كما يدعي بعض الناس؟
- الحمد الله الجمعية لها أنشطتها بفضل الله -عز وجل- في جميع فروعها المنتشرة في جميع المحافظات، وأنا من خلال الزيارات التي شاركت فيها مع مجلس إدارة الجمعية وبعض رؤساء القطاعات الأخرى لتلك الأفرع، وجدنا -بفضل الله- أداءً متميزًا في لجان تلك الأفرع وأنشطتها كافة، سواء الخيرية أم الدعوية أم العلمية، وهناك محاولات مستمرة للارتقاء بمستوى الأداء، ووجدنا حرصا شديدا من الجميع لتحقيق أهداف الخطة الاستراتيجية للجمعية، ولا سيما الجانب العلمي منها؛ حيث يمثل محور ارتكاز الجمعية وأهدافها، فكثير من تلك الأفرع يستضيف العلماء والمشايخ حتى في أزمات كرونا كان هناك دورات تعقد أون لاين، وكان هناك حضور ونشاط لم يتوقف حتى في أصعب الظروف، كما أنه استفيد من التطور التقني في مجال الدعوة، وهذا الأمر سهل تنفيذ العديد من الأنشطة العلمية والدورات المنهجية.
- ما دور إدارة التربية والتعليم التابعة لقطاع التنمية الخيرية والمجتمعية؟
- أُسست إدارة التربية والتعليم، وأصبح لها نشاط -بفضل الله- متميز في هذا الجانب، فقد نُسق مع المناطق التعليمية للمسابقات والمعارض المقامة، إضافة إلى أننا سعينا أن يكون هناك بروتوكول بيننا وبين وزارة التربية وبيننا وبين وزارة الأوقاف، كما أننا أسسنا صندوق طالب العلم -بفضل الله- لدعم الراغبين في إتمام الدراسة والماجيستر والدكتوراه، وأسسنا وقفيتين: وقفية التربية والتعليم، ووقفية لذوي الاحتياجات الخاصة والإعاقة.
- كيف ترى العمل الخيري الكويتي عموما؟
- بفضل الله -عز وجل- الكويت درة في العالم الإسلامي، وأيضًا بفضل الله ومنه علينا أن اختيرت الكويت المركز العالمي على مستوى العالم، وأميرها الراحل -رحمه الله- الشيخ صباح الأحمد أمير الإنسانية، وما كان هذا الأمر أن يتم لولا فضل الله -عز وجل- ثم أثر دولة الكويت على العالم عموما، وعلى مستوى الخليج خصوصا، ثم على مستوى العالم العربي والعالم الإسلامي، فلا يوجد عمل خيري إلا والكويت حكومة وشعبا لها أثر فيه، فالحكومة الكويتية تدعم المؤسسات والمشاريع الخيرية سواء الحكومية أم الأهلية، فقد أسست الحكومة العديد من المؤسسات الخيرية كبيت الزكاة والأمانة العامة للأوقاف، كما أن عدد المؤسسات الخيرية -بفضل الله- وصلت إلى 120 جمعية خيرية، كما أنَّ الكويت كان لها مواقف مشرفة في نصرة قضايا المسلمين، ومنها نصرة فلسطين وغيرها من القضايا المصيرية للأمة، كذلك كان للكويت حكومة ومؤسسات أهلية مواقف مشرفة أيضًا في إغاثة المنكوبين من الكوارث في العديد من البلدان، سواء الفيضانات والزلازل والبراكين، فكانت الكويت -بفضل الله- سباقة في هذا المجال.
لاتوجد تعليقات