المسباح: الكويت اهتمت بالقرآن الكريم ودعمت حفظته وساندتهم وشجعتهم وكرمتهم (2)
لكل كيان دعوي أو مؤسسة خيرية رجال ساهموا في بنائها، وصنعوا تاريخها؛ فالدعوات إنما تقوم على رجال يمشون بثبات واستقامة على طريقها حتى النهاية، وفي إطار تسليط الضوء على جهود رجالات جمعية إحياء التراث الإسلامي ومسؤوليها، نستكمل اليوم الحوار الذي بدأناه في العدد الماضي مع رئيس قطاع التنمية الخيرية والمجتمعية، ورئيس جمعية الماهر بالقرآن، والموجه العام السابق بوزارة التربية، الشيخ جاسم المسباح، نرصد في هذه الحلقة علاقته بالقرآن الكريم وأهم الإنجازات التي حققها في هذا المجال.
- كيف بدأت علاقتك بالقرآن الكريم؟
- بدأت رحلتي مع القرآن بالتدرج بحفظ ما تيسر منه كأي مبتدئ بحفظ الجزء الثلاثين ثم بالجزء التاسع والعشرين وهكذا، وكنت أحرص على التفسير وعلوم القرآن ولا سيما وأني تخصصت في كلية أصول الدين التي تعتني بالقرآن الكريم، وكنت قد أتقنت التجويد من خلال حلقات المساجد، قبل دخولي للكلية، وكنت في هذه الفترة محبا للشيخ القارئ الشيخ محمد صديق المنشاوي -رحمه الله- إلى درجة أني أتقنت صوته وأداءه بفضل الله -عز وجل.
- متى توليتم مسؤولية إدارة القرآن الكريم؟ وما أهم إنجازاتكم فيها؟
- توليت مسؤولية إدارة القرآن الكريم سنة 1983، ووضعنا خطة لهيكلة الإدارة وتأسيسها إداريا وماليا، وأول مشروع وقفي قمنا به هو مشروع: (الماهر بالقرآن)؛ حيث كُونت لجنة لتأليف كتاب تجويد اسمه (البيان في أحكام تلاوة القرآن)، وكان فضل الله علي أن كنت أحد المؤلفين ومعي الدكتور سيد بن عبدالعزيز العدوي، والشيخ عبدالله هلال، وأنا كنت ثالثهم، وكنا نجتمع في بيت والدي -رحمه الله-، وبعد ذلك اجتمعنا في جمعية إحياء التراث، وبفضل الله -تعالى- المشروع الذي كان يوما حلما أصبح حقيقة، وهذا الكتاب روجع 25 مرة، ومن ثم أخذنا من وزارة التربية إذنا بطباعة الكتاب، وأصبح هذا الكتاب المنهج الميسر لمحو أمية التلاوة، وأصبح هذا الكتاب يُدرس في المقررات، ومن ثم أيضا المقرر في الدراسة في دورات التجويد.
صفوة الشباب
واخترنا آنذاك صفوة الشباب من كل مرحلة تعليمية ليقوموا بتنفيذ المشروع، وكان من يمثل أولى جامعة الشيخ فواز وهو الآن مدير الإدارة الشرعية، والشيخ مشاري العفاسي كان طالب أولى معهد، والشيخ فهد الكندري كان طالبا في المرحلة الثانوية، وأبنائي عبد الرحمن ونجم كانوا في المرحلة المتوسطة، وعبدالرحمن الكندري في المرحلة الابتدائية، واخترنا أيضا المخرج أخونا جوهر الجويهل، وكتب السيناريو الأستاذ فهد العجمي، وبفضل الله قمنا بإنتاج هذا الشريط الفيديو سنة 1998 وكان أول شريط يخدم القرآن الكريم بهذا الشكل المميز، وكما قلنا أسميناه مشروع: (الماهر بالقرآن) وهو عباره عن شريط فيديو مع كتاب، وكان تسويقه بفضل الله على مستوى الكويت والعالم الإسلامي بالاتفاق مع شركه سعودية ( قرطبة) فكانت هذه البدايات.
مشروع (تاج الوقار)
ثم بعد ذلك أسسنا وقفا آخر لخدمة القرآن الكريم، وكان له ثمرة على حلقات تحفيظ القرآن في دعم الطلبة وتشجيعهم بمكافآت وأيضًا مكافآت للمحفظين، وكذلك بعمل برنامج ثانوي في مجال تعليم القرآن الكريم فضلا عن إقامة رحلة للطلبة المتميزين للعمرة والحج في مكة المكرمة، واختيار مشايخ من داخل الحرم في مدة أسبوع أو أسبوعين، وكان من ضمن المشاريع المهمة التي نفذناها مشروع (تاج الوقار)، وأُخرج جيل من الشباب من خلال هذا المشروع الذين أصبح -بفضل الله- كثيرا منهم أئمة الجامع الكبير، ومنهم من أتم دراسة شريعة وكمل الماجيستير والدكتوراه ومن حفظة كتاب الله، وأصبحوا دعاة في هذا المجتمع المبارك فالقرآن هو المحضن، فكان القرآن ولا زال -بفضل الله- هو الأثر الطيب.
جمعية (الماهر بالقرآن)
وبعد عشرين سنة من مشروع (الماهر بالقرآن) تحول المشروع إلى جمعية (الماهر بالقرآن) وفيها الشباب أنفسهم الذين كانوا صغارا أصبحوا دعاة وغيرهم بفضل من الله، وكُلفت أن أكون رئيس مجلس الإدارة لهذه الجمعية المباركة التي تأسست في عام 2017.
- ما سر اهتمام الكويت بالقرآن الكريم؟
- الكويت -بفضل الله قيادة وحكومة وشعبًا- اهتمت بحفظ القرآن الكريم ودعمت حفظته وشجعتهم وكرمتهم، ومنذ أن تأسست الكويت وكان التعليم فيها في الكتاتيب للمشايخ منذ نعومة أظافرهم؛ حيث كان يتعلم أبناؤها القرآن واللغة العربية والحساب، فكان ارتباطهم بالمساجد؛ فالكويت -بفضل الله- منذ التأسيس والقرآن الكريم من أهم أولوياتها، سواء من خلال وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي قدمت الكثير في مجال خدمة القرآن الكريم وعلومه، أم الجمعيات الخيرية التي اهتمت بالقرآن الكريم من خلال حلقات ومراكز التحفيظ التي ملأت ربوع الكويت.
- ما رأيك في جهود إحياء التراث لخدمة القرآن الكريم واهتمامها به؟
- بفضل الله -عز وجل- جمعية إحياء التراث منذ التأسيس تقوم على الكتاب والسنة وفقه السلف، وكان أول مؤتمر أقامته جمعية إحياء التراث سنة1982 كان (مؤتمر التراث القرآني)، وفي سنة 1984 أقامت مؤتمر (التراث الحديثي)، فجمعية إحياء التراث -منذ التأسيس- اهتمت بحلقات تحفيظ القرآن، وأقامت مؤتمرات ومنتديات ومحاضرات وندوات ومخيمات، وكلها تقوم على فهم القرآن الكريم والسنة حفظا وتلاوة وفهما ومنهجا، كما أن الجمعية اهتمت بطباعة كتب التفسير كابن كثير وقواعد أصول التفسير لابن تيمية، وغيرها من التفاسير، وقواعد حفظ القرآن الكريم ورسائل الماجيستير والدكتوراه، ديوان المنهج الوسطي للقرآن والسنة، كما أنَّ الجمعية أسست وقفيات لخدمة القرآن الكريم، كما طبعت الجمعية العديد من ترجمات القرآن الكريم للعديد من اللغات.
كما أنَّ الجمعية أسست حلقات ومراكز تحفيظ القرآن للبنين والبنات في محافظات الكويت كافة، وكان لها اهتمام خاص بالطلبة المتميزين، ووضعنا لهم منهجا لحفظ القرآن الكريم، ومن نتاج هذه الحلقات خرج جيل قرآني أصبح الآن يتولى المسؤولية في إدارة اللجان والأنشطة القرآنية للجمعية، ومنهم الشيخ بدر العلي، والشيخ عبد الرحمن السعيد والشيخ فهد واصل، والشيخ سلطان بدر والشيخ خالد العيناتي والشيخ يسر العيناتي.
- ما رأيك في جهود وزارة الأوقاف الكويتية لخدمة القرآن الكريم؟
- لا شك أن الإخوة الفضلاء القائمين على وزارة الأوقاف من وكيل وزارة، إلى وكلاء مساعدين إلى مديرين، إلى مراقبين إلى رؤساء أقسام، إلى إداريين ومحفظين كان لهم أثر بفضل الله، فالكويت كما ذكرت في ماضيها وحاضرها ومستقبلها يكفي على مفارقها أصبحت دور القرآن التي تعلم القرآن حفظا وتفسيرا وعلوم القرآن وعلوم السنة والحديث، ويكفي أن الوزارة ترعى جائزتين من أكبر الجوائز في العالم الإسلامي الآن، وهما: جائزة الكويت الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتجويده، ومسابقة الكويت الكبرى التي تنظمها الأمانة العامة.
- ما النصيحة التي توجهها لحفظة كتاب الله؟
- أول نصيحة لحفظة كتاب الله -تعالى-: الإخلاص، كما قال الله -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
ثم على الطالب أن يحفظ القرآن بالتدرج، وأفضل طريقة ما كان عليه سلف الأمة حفظ عشرة آيات، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينزل عليه خمس آيات في الصباح وخمس في المساء، وهذا أفضل اسلوب حقيقة، فإما أن يبدأ بخمس آيات موزعة على الصلوات الخمس، أو إن كان يستطيع الزيادة فله أن يحفظ عشر آيات آيتين مع كل صلاة، وهذا أفضل منهجيا وفهما وعملا ودعوة، وهذا الأسلوب هو أفضل أسلوب لحفظ القرآن والسنة، ولا شك أن يتعلم الإنسان قواعد التأسيس النورانية أو قواعد اقرأ وارتق، أو سمها ما شئت من القواعد والمؤسسات في مجال حفظ القرآن والتجويد، وحسن الأداء الصوتي، فالأصل في القرآن أن يكون هناك خشوع وهو مهم جدا ليس في الدنيا « إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين»، وقال - صلى الله عليه وسلم - « الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة «؛ فلا ينبغي للإنسان أن ينظر إلى المردود الدنيوي، بل ينبغي أن يكون عمله لله، فتوجيهي أن الإنسان يستفيد ولا يغتر، يتعلم من كبار العلماء وكبار القراء بالتدرج، حتى إذا ما أتقن القرآن ينتقل إلى السند في قراءة حفص وهكذا يتدرج، وليس فقط حفظا بل يتعلم في الوقت نفسه ويتفقه ويتعلم علوم القرآن مع بعض «خطوط متوازية» تفسير القرآن، وعلوم القرآن، والسنة النبوية ويتدرج.
- ما طموحاتكم المستقبلية على المستوى الشخصي وعلى المستوى الدعوى؟
- أرجو أن تكون لدينا مدرسة متميزة للدعوة السلفية داخل الكويت، وأرجو من الإخوة الدعاة والخطباء ومشايخ الدعوة السلفية داخل الكويت وخارجها أن يوحدوا صفوفهم، ويلتزموا آداب الخلاف وسعة البال، والتقارب إلى المنهج الحق، والبعد عن المناهج المنحرفة، والحكمة في العمل في أي مكان وأي موقع ولاسيما في المساجد، والدعاة -سواء كانوا أئمة ومؤذنين وسواء كانوا في المدارس أم في الدواوين أم في العمل الخيري أم العمل السياسي- ينبغي أن يكون هناك حسن التخطيط والتنفيذ المتدرج بالإمكانيات المادية المتاحة.
كما أرجو أن تنتشر الدعوة السلفية وتعم أرجاء المعمورة؛ فهي دعوة الإسلام الصافي النقي، والمنهج الوسطي، كما قال الله -تبارك وتعالى-: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
لاتوجد تعليقات