رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 26 ديسمبر، 2017 0 تعليق

المسؤولية الفردية والدافعية لعمل الخير ونصرة الدين

 

أرسل الله -تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، دين عظيم فيه الهداية للبشرية والنور المبين {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}.

     جاء النبي الكريم بهذا الدين العظيم، وحمله رجال وقادة، ونشروه في بقاع الأرض، عملوا لنصرته، وجاهدوا في سبيل إعلاء كلمته، وحققوا الغاية والهدف من خلق الناس، وهي تحقيق العبودية لله -تعالى- وإخلاص الدين له كما قال -تعالى-: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وهذه الآية الكريمة تحمل معاني عظيمة، ومبادئ سامية، لو عقل المسلمون معناها ومرادها لقامت أمة الإسلام وعلت؛ فلا علو ولا قيام إلا بتحقيق العبادة لله -تعالى.

وضوح الهدف

إن وضوح الهدف طريق إلى السعي في تحقيقه، وكلما كان الهدف واضحا سعى الإنسان في تحقيقه، وسهلت المشكلات والمصاعب التي تعترض الطريق الموصلة إلى هذا الهدف، ولنضرب لذلك مثالين:

الطالب في مدرسته له هدف واضح وهو تحقيق النجاح؛ ولذا يسهر الليالي، ويكتب البحوث، ويذاكر ليلا ونهارا، لماذا هذا التعب والنصب؟ ولماذا هذا السهر؟ ولماذا يتحمل هذا كله ويصبر عليه؟؛ لأن الهدف عنده واضح وهو تحقيق النجاح؛ فتعب وسهر وصبر على ذلك لتحقيق هذا الهدف.

الموظف في وظيفته، له هدف واضح وهو تحصيل المعاش آخر الشهر، يتعب في الوظيفة، وقد يعمل ليلاً أو بنظام النوبات المتعب، لماذا هذا كله؟ لماذا التعب والنصب وقلة النوم؟ كل ذلك من أجل هدف واضح وهو المعاش.

هذان المثالان يوضحان لنا مسألة مهمة، وهي ما الهدف من خلق الناس؟ وما الغاية من وجودهم؟ الجواب في قوله -تعالى-: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، تحقيق العبودية لله -تعالى- في الدنيا والفوز بالجنة يوم القيامة.

حال المؤمن في الدنيا

     ويضرب ابن القيم لذلك مثالاً فيقول: لو أن شخصا يعلم بوجود أرض طيبة في مكان ما، وهذه الأرض فيها الجنان والبساتين والأنهار ما لا يوصف، وفيها من الراحة والنعيم الشيء الكثير، فهو متيقن بوجود هذه الأرض عارف بمكانها، ثم شرع في السير إليها، وفي أثناء الطريق هناك عوائق كثيرة، حفر وأشواك وحيوانات مفترسة ونيران وظلمة وغيرها من العوائق، فما ظنكم بهذا الرجل؟ سوف يسعى للوصول إلى هذه الجنة بكل ما أوتي من قوة واستطاعة، سوف يصبر على المشي على الشوك والسقوط في الحفر، وأذية الحيوانات المفترسة ولسع النيران المحرقة، يصبر على ذلك كله لعلمه علم اليقين بما وراء ذلك من النعيم.

     يقول: هذا هو حال المؤمن في هذه الدنيا، عنده علم اليقين بما أعده الله للمؤمنين من جنة عظيمة {عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}، يقين جازم وإيمان صادق وهدف واضح يسعى في تحقيقه والوصول إليه، فما ظنكم بحال هذا المؤمن؟ أيصبر على فتن الشهوات والشبهات؟ أيصبر على المصائب والبليات؟ أيصبر على المصاعب والمشكلات؟ لا شك أنه سيصبر ويتحمل ذلك كله في سبيل الوصول إلى ذلك الهدف النبيل وتلك الغاية العظيمة وهي جنة الله -سبحانه وتعالى.

الهدف من خلق الناس

     هذا هو الهدف من خلق الناس، هدف واضح يحتاج إلى جهد وعناء في سبيل تحصيله، ومما يعين على ذلك استشعار المسؤولية تجاه هذا الدين العظيم، وأن يشعر الإنسان نفسه بأنه مسؤول ولا يلقي التبعة على الآخر. إن استشعار المسؤولية أمر مهم ينبغي أن يكون في نفس كل مسلم بمجرد إسلامه، ولا أدل على ذلك من قصة الطفيل بن عمرو الدوسي، كان زعيما لقبيلة دوس وكان كافرا؛ فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنه ساحر ومن شدة ما سمع من هذه الأقاويل ومن شدة خوفه على نفسه وضع القطن في أذنيه كي لا يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما وصل إلى بيت الله ووجد النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت رجع إلى عقله وآب إلى رشده، وإذا أراد الله بعبد خيراً هيأ له سبل الهداية، فنزع القطن من أذنيه وقال: أسمع من هذا الرجل، فإن كان حقا اتبعته، وإن كان باطلاً تركته، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فسمع منه كلاماً لم يسمعه من قبل، وانشرح صدره للإسلام فأسلم.

     فماذا فعل؟ أحس بالمسؤولية منذ اللحظة الأولى لإسلامه، استشعر أن هذا الإسلام عظيم وأنه أمانة في عنق صاحبه، ثم استشعر بأن له رعية وأنه مسؤول عنهم وعن تبليغ هذا الدين لهم، كل ذلك في اللحظة الأولى لإسلامه، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه أمور دينه كي يرجع إلى قومه فيدعوهم إلى هذا الإسلام العظيم، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ما يحتاجه، ثم رجع إلى قومه فدعاهم إلى ما دعا إليه رسول الله[ فلم يستجب أحد منهم، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مغضبا، وأخبره بعدم إسلام قومه، وطلب منه أن يدعو عليهم؛ فرفع رسول الله[ يديه ودعا لهم بالهداية؛ فلما رجع الطفيل إلى قومه ودعاهم إلى الإسلام أسلموا وحسن إسلامهم، والشاهد من هذه القصة هو استشعار الطفيل للمسؤولية منذ اللحظة الأولى لإسلامه، فما بالنا اليوم ونحن -والحمد لله- مسلمون ومن أبوين مسلمين وفي بلد إسلامي، لا نستشعر المسؤولية تجاه هذا الدين العظيم ونشره بين الناس، لا نشعر بأننا مسؤولون أمام الله -عز وجل- يوم القيامة عن نشر دينه وتبليغه للأمة؛ فما بالنا وقد استشعرنا مسؤولية الحصول على المال والولد والسكن، ونسينا المسؤولية العظمى والأمانة الكبرى وهي نشر دين الله -سبحانه وتعالى- في الأرض وإخراج الناس من الظلمات إلى النور من ظلمات الشرك والضلال والبدعة إلى نور التوحيد والطاعة والسنة.

استشعار المسؤولية

أخي القارئ الكريم، إن مما يعين على استشعار المسؤولية لهذا الدين العظيم استشعار الأجر من الله -تعالى-؛ فكلما استشعر المسلم الأجر كان ذلك دافعا له للعمل، ولهذا نظائر كثيرة.

     منها: استشعار أجر الوضوء؛ فعندما تتوضأ استشعر بأن الذنوب والخطايا تتساقط من أعضاء الوضوء مع آخر قطر الماء كما جاء في الحديث، هذا الاستشعار يجعل المتوضئ فرحا بوضوئه مشتاقا لتكراره؛ لما فيه من الأجر العظيم والثواب الجزيل وتكفير الذنوب والخطايا، وقد جاء ذلك صريحا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه – في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيا من الذنوب».

حال المؤمن

     كيف يكون حال المؤمن وهو يسمع ويقرأ هذا الثواب الجزيل لهذه العبادة؟ سيكون فرحا به، نشيطا للطاعة، حريصا على أن يكون على طهارة دائما؛ ولذلك دخل بلال بن رباح] الجنة ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يتوضأ بعد كل حدث، ويصلي ما كتب الله له كما صح ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: «يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف (صوت) نعليك بين يدي في الجنة»، قال: «ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي».

أجر الذهاب إلى المسجد

مثال آخر: الذهاب إلى المسجد مشياً على الأقدام أجره عظيم وثوابه جزيل كما صح في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة] أن رسول الله[ قال: «من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة».

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى] أن رسول الله[ قال: «إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم»؛ فانظر -أخي القارئ- فضل المشي إلى المساجد ألا يدفعك ذلك إلى الإكثار من المشي إلى المسجد لنيل هذا الثواب الجزيل والأجر العظيم؟!

استشعار الأجر

     فهذان مثالان لاستشعار الأجر وكيف أنه يدفع الإنسان دفعا لعمل الخير ويجعله نشيطا في تحصيله. فلنرجع إلى موضوعنا وهو العمل للإسلام ونشر دين الله بين الناس، متى ما استشعر المسلم أجر العمل للإسلام ونشر الدين بين الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متى ما استشعر ذلك كله، كان ذلك دافعا له وحافزا للاستزادة من عمل الخير والدعوة إلى الله وعمل شيء ولو كان قليلا لنصرة الإسلام والمسلمين، إن فضل الدعوة إلى الله ونشر الخير عظيم، فمن ذلك ما ذكره الله -تعالى- في قوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}، ومنه ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا» أخرجه مسلم، وقال[ لعلي بن أبي طالب] حينما أعطاه الراية يوم خيبر: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» متفق عليه.

معلم للناس الخير

أخي القارئ الكريم، إن الداعي إلى الله معلم للناس الخير، أتدري ما فضل من يعلم الناس الخير؟ بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير». أخرجه الترمذي بسند صحيح.

     الله أكبر! ما أعظمه من فضل! وما أجزله من ثواب! لمعلم الناس الخير، تعلم الناس الخير فيصلي عليك الله والملائكة والنملة في جحرها والحوت في البحر! أتعرف أخي القارئ الكريم ما معنى أن يصلي الله -تعالى- عليك؟ هو أن يذكرك الله في الملأ الأعلى، وما أعظم أن يذكر الله عبداً في الملأ الأعلى! لو ذكرت عند ملك أو سلطان أو أمير ستفرح لذلك أيما فرح، فكيف إذا ذكرك ملك الملوك -سبحانه وتعالى- في الملأ الأعلى عنده؟ إنه الرضى عنك، إذا ذكرك الله -تعالى- في ملأ عنده فهو راض عنك إن شاء -سبحانه وتعالى-، ثم تصلي عليك الملائكة، أتعرف ما معنى صلاة الملائكة على العبد؟ إنها الدعاء بالرحمة والمغفرة، ألا تريد أخي المسلم أن يغفر الله لك ذنوبك؟ كن معلما للناس الخير.

ثم تصلي عليك النملة في جحرها والحوت في البحر وياله من شيء عظيم! تصلي عليك هذه المخلوقات أي تستغفر لك وتترحم عليك فما أعظمها من نعمة وما أعظمها من قربة! نمل وحيتان تستغفر! ولمن؟ لمعلم الناس الخير الداعي إلى الله -عز وجل- العامل في حقل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

مسؤولية عظيمة

     أخي القارئ الكريم، إن علينا جميعا مسؤولية عظيمة تجاه هذا الدين، ينبغي علينا جميعا أن نسهم في وضع لبنة ولو صغيرة في بناء صرح الأمة الإسلامية، ينبغي أن يكون كل واحد منا على ثغرة من ثغور الإسلام، ولا يستحقر شيئا، ولو كان قليلاً، ولا تستحقر أخي القارئ ولا تقلل من أهمية شريط مفيد يوزع أو كتيب مختصر ينشر، أو خطبة تخطب، أو محاضرة تعلن، أو مقالة تنشر، أو نصيحة تقال، لا تقلل من أهمية شيء من ذلك، فكله خير وبركة ويسهم في بناء هذه الأمة الغالية بإذن الله.

وبعد أخي الكريم، فلا تنس السلاح العظيم الذي لا يقهر ولا يمنع، إنه الدعاء لله رب العالمين بنصره الإسلام والمسلمين في كل مكان، وهزيمة الكفر والكافرين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك