رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر التربوي 26 أغسطس، 2024 0 تعليق

المرأة والأسرة – 1231

مِن أجلِّ الأعمال وأفضلها

       مِن أجلِّ الأعمال وأفضلها، وأكثرها ثوابًا وأجرًا -التي يمكن للمرأة أن تفعلها- هي الدعوة إلى الله -تعالى- وإرشاد غيرها من المسلمات إلى طريق الهداية والرشاد، كما دلَّتْ على ذلك نصوصُ الكتاب والسنَّة الصحيحة، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجْر مثلُ أجور مَن تبِعه لا ينقُص ذلك مِن أجورهم شيئًا»، وكقوله - صلى الله عليه وسلم : «مَن دلَّ على خيرٍ فله مِثل أجْر فاعله».  

دور المرأة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

       حثَّ المولى - تبارك وتعالى- نِساء النبي - صلى الله عليه وسلم - على الحِسْبة، وأرشدهنَّ إلى آداب ذلك، فقال -تعالى-: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (الأحزاب: 32). قال ابن عبَّاس -رضي الله عنهما - في قوله -تعالى-: {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا} «أمْرهنَّ بالأمر بالمعروف، ونَهْيهنَّ عن المنكر»، وقد بيَّن العلماءُ أنَّ الحسبة واجبةٌ على النِّساء كوجوبها على الرِّجال، مع مراعاة الآداب الشرعيَّة المنوطة بها، قال الإمام ابنُ النحَّاس الدمشقي -رحمه الله تعالى-: «إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ على النساء كوجوبِه على الرِّجال؛ حيثُ وُجِدت الاستطاعة، وقال الشيخ ابن باز - رحمه الله - في ردِّه على سؤال: عن المرأة والدعوة إلى الله، ماذا تقولون؟ فأجاب -رحمه الله تعالى- بقوله: «هي كالرَّجُل، عليها الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنَّ النصوص مِن القرآن الكريم والسنَّة المطهَّرة تدلُّ على ذلك»، ولتعلم المرأة أنها نِصف المجتمع، فإذا قامتْ بدورها اكتملَ المجتمع، وإذا لم تقمْ بدورها تعطَّل نصف المجتمع، وعليها مسؤولية كما على أخيها الرجل، فعن عبدِالله بن عمر - رضي الله عنهما - أنَّه سمِع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كلُّكم راعٍ ومسؤول عن رعيته» إلى أنْ قال: «والمرأةُ في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولةٌ عن رعيتها».  

نماذج في الدعوة والاحتساب

        أسهمتْ المرأة المسلمة إسهامًا عظيمًا في جانب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد سطرتْ لنا كُتب السنَّة الصحيحة، نماذجَ احتسابيَّةً فريدةً مِن حياة المرأة المسلمة قديمًا وحديثًا، ومن هذه النماذج الفريدة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ومن مواقفها احتسابها على امرأةٍ لبست بردًا فيه تصليب، فعن أمِّ عبدالرحمن بن أُذينة قالت: «كنَّا نطوف بالبيت مع أمِّ المؤمنين -رضي الله عنها- فرأتْ على امرأة بردًا فيه تصليب، فقالت أم ‏المؤمنين -رضي الله عنها-: «اطْرَحِيه، اطرحيه، فإنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى ‏نحوَ هذا قَضَبَه، أي: قطعه، وعن علقمةَ بن أبي علقمةَ عن أمِّه، قالت: «رأيتُ حفصةَ بنت عبدالرحمن بن أبي بكر -رضي عنهما- وعليها خمارٌ رقيق يشفُّ عن جيبها‏، فشقَّتْه عائشة -رضي الله عنها- وقالت: «أمَا تعلمين ما أَنْزل الله في سورة النور، ثم دعتْ بخمار فكستْها، ومن ذلك أنَّ دخلتْ مولاتها عليها، وقالتْ لها: «يا أمَّ المؤمنين طُفتُ بالبيت سبعًا واستلمتُ الرُّكن مرَّتين أو ثلاثًا!»، فقالت لها عائشة -رضي الله عنها-: «لا آجَرَك الله، لا آجَرك الله، تدافعين الرِّجال، ألاَ كبَّرْتِ ومررتِ؟!»

الحسبة مِن أهم صفات المؤمنين والمؤمنات

        قال الله -تعالى-: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 71)، فهذه الآية تدلُّ على أنَّ الحسبة واجبةٌ على الرِّجال والنساء، كل حسب قُدرته وعِلمه، وتدلُّ أيضًا على أنَّ الحسبة مِن أهم صفات المؤمنين والمؤمنات، وتدلُّ على أنَّ مَن اتصف بهذه الصفات كلها، فإنَّه أهلٌ لنيل رحمة الله، سواء كان ذلك رجلاً أو امرأة.  

من الأخطاء التي تقع فيها بعض النساء

إطلاق البصر فيما نهي الله عنه

        قال تعالي: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (النور:٣٠-٣١)، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: «فأمر الله -عزوجل- في هاتين الآيتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار وحفظ الفروج، ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك»، وانظري أيتها الأخت الكريمة كيف أن الله ختم الآية بقوله: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، وذلك ليعلم كل إنسان أن الله خبير بما يصنعه الناس، وأنه لا تخفى عليه خافية، وفى ذلك تحذير للمؤمنين والمؤمنات من ركوب ما حرم الله عليهم والإعراض عما شرعه لهم، وتذكير لهم بأن الله -سبحانه- يراهم ويعلم أفعالهم وأحوالهم، كما قال -تعالى-: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر١٩).  

الصحابية أم الدرداء -رضي الله عنها

       هي هجيمة بنت حيَي الأوصابية، زوجة أبي الدرداء الصحابي المعروف العالم الورع، نشأت على حب العلم، وواصلت المسير، حتى كانت فقيهة يأخذ عنها العلماء، عرضت القرآن مرات على أبي الدرداء، وأخذت عن الصحابة - رضوان الله عليهم -، وأخذ عنها كثيرون، كانت عابدة مهيبة فإذا أتاها الناس ذكروا الله -تعالى-، وتتجمع النساء إليها يأخذن عنها، ويتعبدن معها، وبعد وفاة زوجها - رضي الله عنه - استمرت تعلم وتقرئ وتعود النساء على العبادة حتى زمن عبد الملك بن مروان، فكان كثيرًا ما يجلس إليها في مؤخر المسجد بدمشق.  

مسلمةٌ وأفتخر!

       حُقَّ للمرأةِ المسلمةِ أن ترتفعَ وتسموَ بهذا الشُّعور-شعور أنها على دين الإسلام- حُقَّ لها أن تفتَخِرَ بدينٍ أعلى من قدرها فهي بالإسلامِ جوهرةٌ غاليةٌ مصونةٌ، محفوظةٌ بحجابها من كلِّ أذى وسوء، دينٍ أعلى من قدرها منذُ أن كانت ابنةً في كنفِ والديهاَ، يسقيانها حنانًا وعاطفةً ويرفقانِ بها في كُلِّ أمرٍ، وقد أوجبَ عليهما تعليمها وتثقيفها بما ينفعها في الدُّنيا والآخرةِ، وجعلَ لوالدها ثواباً عظيماً لقاءَ تربيتها تربيةً صالحةً، حق لها أن تفتخر بدينٍ اختصها بحقِّ الميراثِ، من دونِ أن يجبرها على الإنفاقِ منه على نفسها أو على أحدٍ آخر، بل أبقى رعايتي حقّاً لها على مَنْ يعولُها من محارمها، وتركَ لها حرِّيَّةَ التصرُّفِ بمالها كاملةً غير منقوصةٍ، وكرَّمها بأن جعلَ في القرآنِ سورةً سمَّاها سورةَ النِّساءِ، يتلوها المسلمونَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربها، حُقَّ لها أن تفتخرَ بدينها وتعتزَّ بانتمائها إليهِ وعبوديَّتها للهِ -تعالى-، فلا تلتفتُ لمن يريدُ أن يسلبها ما هي عليه من النَّعيمِ، حُقَّ لها أن تمضيَ غير عابئةٍ بشعاراتٍ طنانة رنَّانةٍ فارغةٍ من كُلِّ معنًى سامٍ وهدفٍ نبيلٍ، مولِّيَّةً وجهها شطرَ ربِّها -سبحانه- تريدُ رضاهُ وتخافُ سخطهُ، وترجوهُ وحدَهُ ملاذاً ومعيناً وحافظاً.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك