المرأة المسلمة ومكانتها في الشريعة – 9 – نماذج مشرفة للمرأة المسلمة ودورها في نشر الدعوة
- لن يستقر ميزان التعامل بين الرجل والمرأة إلا بالعودة إلى مبادئ الإسلام ليعرف كل منهم حقه ومكانته ومسؤوليته تجاه الآخر وعلاقته به
- لو عرفت المرأة اللاهثة وراء سراب الحضارة المادية الغربية مكانتها في الإسلام من قيمة وحق وتقدير لما نادت إلا بالإسلام ولعرفت أن المنقذ لكرامتها وحقها هو التمسك بمبادئه وشريعته
ما زال حديثنا مستمرا عن دور المرأة في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث ذكرنا أنَّ المرأة سجلت حضورًا قويا في الاستجابة لنداء الله وللتمسك بمبادى الدعوة الإسلامية، وتحملت كمًّا هائلا من صنوف الاضطهاد والتعذيب من أجل دينها وعقيدتها، مقدمة في ذلك أروع الأمثلة المشرفة للمرأة المسلمة في هذا التوقيت المبكر من الإسلام، ثم ذكرنا نماذج من هذه النماذج المباركة للنساء المسلمات في نشر الرسالة المحمدية، ونستكمل في هذه الحلقة استعراض هذه النماذج.
سمية بنت الخياط -رضي الله عنها
ومن أمثلة النساء المجاهدات الصامدات سمية بنت الخياط -رضي الله عنها- وهى من السابقين للإسلام هى زوجها ياسر وولدها عمار -رضي الله عنهم جميعًا- بل كانت سابعة سبعة في الإسلام، وتحملت الكثير من العذاب والاذى في سبيل الله، برغم كبر سنها وضعفها؛ فكانت تضرب وتسب وتلقى في الصحراء المحرقة لتأكل جسدها الضعيف النحيف ولإرغامها على الكفر وترك الإسلام، وهي تأبى ذلك أشد الإباء وكان رسول الله يمر بها وهى تعذب وزوجها وابنها في صحراء مكة قائلا لهم: «صبرا يا آل ياسرَ، صبرا يا آل ياسرَ؛ فإن موعدكُم الجنةُ»، حتى جاء أبو جهل إليها ذات يوم وهى مربوطة بين بعيرين فضربها بحربته في قبلها فماتت؛ فكانت أول شهيدة في الإسلام.أم عبيس جارية بنى تميم -رضي الله عنها
وهذه أم عبيس جارية بنى تميم -رضي الله عنها-، كانت زوجة لكريز بن ربيعة - رضي الله عنه -، وكانت من السابقات للإسلام، لم يتركها المشركون بعد أن عرفوا أنها آمنت؛ فكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها لتكفر بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ودينه، وظل حالها هكذا تعذب وتؤذى وتضهد برغم أنها جارية لن تمثل خطرًا على قريش وكبرائها، ولكن أئمة الكفر يعرفون جيدًا معنى الثبات على الحق ولا سيما حينما يكون هذا الثبات من امرأة ضعيفة، تتحمل كل صنوف الأذى مؤثرة دعوتها ودينها على كل شيء، حتى مر بها أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - فرآها تعذب فاشتراها وأعتقها.زنيرة الرومية -رضي الله عنها
وهذه زنيرة الرومية -رضي الله عنها- كانت من السابقات للإسلام، وكانت مولاة لرجل من بنى مخزوم، فلما علم أبو جهل بإسلامها أخذ يعذبها حتى تكفر، ولكنها رفضت وظلت ثابتة على دينها حتى أصيبت بالعمى فقال المشركون: أعمتها اللات والعزى لكفرها بهما؛ فردت في ثبات وصمود: كذبوا وما ينفع للات والعزى ولا يضران فرد الله عليها بصرها.فاطمة بنت المجلل -رضي الله عنها
ومن أمثلة الصمود كالجبال السيدة فاطمة بنت المجلل -رضي الله عنها- أسلمت هي وزوجها؛ فكانت من السابقين للإسلام، ووقفت تدافع عن الإسلام والمسلمين ضد مشركى قريش غير عابئة بما سيحدث لها من قبلهم، مقدمة أسمى آيات التضحية في سبيل نصرة دينها وعقيدتها.لبينة جارية بنى مؤمل -رضي الله عنها
ومن ضمن هؤلاء النسوة الصامدات ممن تحملن الكثير من المتاعب والاضطهاد، (جارية بنى مؤمل)، اسمها لبينة -رضي الله عنها-، وأسلمت في أول الإسلام، فلما علم مشركو قريش بإسلامها عذبوها لتكفر بدين محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فكانت تضرب وتعذب وتخنق فيظن من حولها أنها ماتت بيد خانقها فيتركها، وظل هكذا حالها حتى مر عليها أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وهى تعذب فاشتراها وأعتقها، وهذا يدل على قوة إيمانها وصبرها على التعذيب من أجل عقيدتها ودينها، ولم تزحزح قيد أنملة عن دينها مع شدة عذابها الذى كاد أن يصل في بعض الأحيان إلى إزهاق روحها وفقدها لحياتها.أم أيمن بركة -رضي الله عنها
ونختم هذه الأمثلة الرائعة لنماذج النساء المسلمات في المرحلة السرية بأم أيمن بركة (حاضنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) التي احتلت مكانة مميزة ضمن النساء اللواتي دخلن الإسلام في تلك المرحلة المهمة التى تحتاج لصبر وثبات وتضحية؛ حيث كانت ترعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ صغره، وكان يقول لها (يا أماه)، وكانت من أول من آمنوا به -صلى الله عليه وسلم -، ودخلت هي وزوجها -رضي الله عنهما- في الإسلام في أول من دخل، ومثلها مثل بقية المؤمنين السابقين تحملت العذاب من أجل دينها، ومواقفها -رضي الله عنها- كثيرة تدل على قوة إيمانها ومكانتها وعلى كبر سنها وضعفها. والأمثلة للمؤمنات السابقات كثيرة ومشرفة ومنهن وعلى سبيل الإجمال لا الحصر والاعتراف بالفضل والسبق والتحمل: (أسماء بنت سلامة زوجة عياش بن أبى ربيعة، وأسماء بنت عميس زوجة جعفر بن عبد المطلب، وأسماء بنت أبى بكر وزوجها الزبير بن العوام، وزينب بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورقية بنت النبي -صلى الله عليه وسلم -، وفاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - على صغر سنها)، وهذه الأمثلة وغيرها تجعل المرأة المسلمة فخورة بدينها مقتدية بأمهاتها ممن سبقنها للصبر والثبات أمام الفتن والتعذيب والاضطهاد ضاربة أصدق المثل في الثبات على المبادئ والقيم في سبيل نصرة الدين.مقام المرأة وشخصيتها
ومن كل هذه النماذج والنصوص نفهم مقام المرأة وشخصيتها في حياة النبي ودعوته والموقف النبوى الذي يمثل أرقى تقييم لمكانة المرأة في الاسلام واحترام شخصيتها، فالمرأة كما حدثتنا آيات القرآن هى حاضنة عظماء الأنبياء؛ فكلفت -من ضمن مهامها- بالعناية بهم ومساندتهم ورعايتهم، وتجسد ذلك جليا في حياة إبراهيم وموسى وعيسى وإسماعيل ومحمد -صلى الله عليهم وسلم- جميعًا، وسجل القرآن دور المرأة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوته ومشاركتها له في الهجرة والإعداد لها والجهاد مقرونا بدور الرجل عند حديثه عن الهجرة والبيعة والدعوة واستحقاق الأجر.دور المرأة في مراحل الدعوة الأولى
والدراس لتاريخ المرأة المسلمة في مراحل الدعوة الأولى يجد مشاركة المرأة بقوة في سبيل انتشار الدين، وكان سلاحهن في ذلك التمسك بالإسلام والحفاظ عليه وتحملها لأعباء تلك الدعوة شأنها شأن الرجل، متحملة في ذلك صنوف الاضطهاد والإرهاب التي مورست ضدها، محافظة على أسرار دعوتها متحملة لمشقة تلك المسؤولية الكبرى، مبايعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، واضعة أمام عينها تربية أبنائها على الإيمان بالله ورسوله وبذل كل غال ونفيس من أجل ذلك، ولم تقصر في أمور دينها، فهاجرت مع زوجها فرارا بدينها عندما أذن النبي بذلك، وجاهدت في كل الضروب التي استطاعت أن تجاهد فيها.المرأة المسلمة في عصرنا الحاضر
إن المرأة المسلمة في عصرنا الحاضر لم تكتشف مكانتها الحقيقة في الإسلام بعد، وكذلك الرجل المسلم في عصرنا لم يتعرف على مكانة المرأة في الإسلام على حقيقتها أيضًا؛ لذا اختل ميزان التعامل والعلاقة بينهما، ولن يستقر ذلك الميزان إلا بالعودة إلى مبادئ الإسلام ليعرف كل منهم حقه ومكانته ومسؤليته تجاه الآخر وعلاقته به، فالمرأة اللاهثة وراء سراب الحضارة المادية الغربية التي تخفي وراءها مستنفع السقوط والاضطهاد للمرأة، لو عرفت مالها في الإسلام من قيمة وحق وتقدير لما نادت إلا بالإسلام، ولعرفت أن المنقذ لكرامتها وحقها هو التمسك بمبادئ الاسلام وشريعته الغراء.
لاتوجد تعليقات