المرأة المسلمة ومكانتها في الشريعة – 7- دور المرأة في دعوة الأنبياء والرسل
- كان للمرأة دور بارز ومهم في مسيرة الدعوة إلى الله في حياة الأنبياء والمرسلين فقد تحملت ألوانا من التعذيب والاضطهاد والتهجير في سبيل ذلك وهي صابرة محتسبة
- يعرض القرآن الكريم آسية امرأة فرعون نموذجا ومثلا أعلى للصبر والتضحية وصدعها بالحق ومواجهتها لصناديد الكفر بإيمان ثابت ويقين راسخ
كان للمرأة في مسيرة الدعوة إلى الله في حياة الأنبياء والمرسلين دور بارز ومهم، فقد ساهمت في الكفاح الدعوي والفكري، وتحملت ألوانا من التعذيب والاضطهاد والتهجير والقتل وصنوف المعاناة والجبروت، وهي أمام هذا كله أعلنت رأيها بحرية وشجاعة، وانضمت لصفوف الدعاة إلى الله رغم ما أصابها من خسارة السلطة والجاه والمال، بل وأحيانا أغلى ما تملك وهم أبناؤها وفلذات أكبادها، وما لحق بها من المطاردة والقتل والتشريد والافتراءات.
سارة زوجة إبراهيم -عليه السلام
فحينما نقرأ قصة كفاح إبراهيم -عليه السلام- ضد قومه ومجادلته مع النمرود الذي نجا منه بمعجزة من الله -تعالى- بإنقاذه من النار؛ فهاجر إلى بلاد الشام وظهر دور زوجته سارة المؤمنة -رفيقة جهاده وصاحبته- في هجرته إلى الشام ثم إلى مصر ليعودا مرة أخرى إلى الشام فيستقرا هناك، ثم تبدأ مرحلة أخرى من مراحل الجهاد في الدعوة إلى الله، تسانده زوجته سارة، وتقف إلى جانبه في جهاده ومعاناته وهجرته.هجرة الأسرة المباركة
ويحدثنا القرآن عن هجرة الأسرة المباركة ودور زوجته المباركة هاجر، ومشاركتها له هذه الرحلة الشاقة إلى واد غير ذي زرع عند البيت المحرم، وتركها وابنها وحيدين بلا أدنى مقومات للحياة، ويقينها بالله -تعالى- وصبرها وتحملها في مسيرة زوجها ليكون أبا لأعظم نبي في تاريخ الشرية محمد - صلى الله عليه وسلم - ويسجل القرآن تلك الأحداث بقوله -تعالى- {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} (إبراهيم 37)، وما تبع ذلك الصبر واليقين والإيمان والعقيدة الراسخة من خير عظيم نتيجة لتحملها مع نبي الله إبراهيم في مسيرة دعوته إلى الله.أم موسى -عليه السلام
ثم يحدثنا القرآن عن دور أم نبي الله موسى -عليه السلام- وتلقيها للوحي الإلهي الذي ألقي في نفسها لتحفظه من ظلم فرعون، وتكريم الله لها بإعادته لها ليصبح ابنها من أولي العزم من الرسل الذي حطم أعظم طاغوت في تاريخ البشرية، فيعرض القرآن قصة أم موسى ويقينها بالله في عودته إليها ملقية به في البحر، متيقنة بموعود الله لها بعودته رغم استحالة الأسباب وانعدامها وربط الله على قلبها، وكذلك دور أخته الذكي في تتبعها له آخذة بما لديها من أسباب لتكون بفعلها هذا ممسكة بأول خيوط الأمل في رجوع موسى -عليه السلام- إلى أحضان أمه.زوجة موسى -عليه السلام
وكذلك دور زوجته المباركة التي تعلمنا منها الكثير، فتعلمنا حياء المرأة حين تخرج مضطرة للمزاحمة، وتأدبها بالآداب الشرعية؛ فخرجت مضطرة للسقيا والأب كبير لا يقوى على الخروج، وعلى الرغم من ذلك فقد ابتعدت هي وأختها عن مكان السقاة غير مزاحمتين للرجال ومتسترتين بالحجاب، وكذلك تعلمنا مشية المرأة في حياء فجمال المرأة في حيائها لا في ابتذالها وترخصها؛ فكان أن سخر الله لهما موسى -عليه السلام- ليقضي أمرهما بشهامة ورجولة دون مخالفة، فكان جزاء ذلك الحياء والأدب الجم الزواج المبارك من هذه الفتاة الذكية الحيية التي كان جُلّ همها هو النظر إلى أمانة موسى -عليه السلام- وقوته وما وجدته فيه من صفات الصلاح والتقوى، وكذلك صبرها وتحملها معه مشقة الهجرة بعد انقضاء العهد الذي بينه وبين أبيها تاركه موطنها وموطن عائلتها مطيعة لزوجها، متحملة معه رحلة لا يعلم عواقبها أو نتائجها من أجل الدعوة إلى الله.آسية امرأة فرعون
ثم يحدثنا القرآ ن عن موقف آسية بنت مزاحم (امرأة فرعون) وما تحملته من ظلم واضطهاد وإرهاب، وجعلها القرآن نموذجا ومثلا أعلى للصبر والتضحية، في تحررها من رتق عبودية البشر وصدعها بالحق ومواجهتها لصناديد الكفر بإيمان ثابت ويقين راسخ، أمام أعتى طاغية في التاريخ، ولم تضعفها مكانتها السياسبة ووجاهتها وسلطانها ومكانتها من الوقوف والصدع بعقيدتها مضحية بتلك المكانة وواضعة الملك والسلطان تحت قدميها أمام رضا ربها؛ فتحملت صنوف العذاب والاضطهاد في سبيل دعوتها، فقد كانت تعيش في ظل مجد هذا الرجل وسؤدده، يحيط بها الخدم والحشم والحراس، ومع ما كانت فيه من البهرجة والزينة والدنيا إلا أنها غضت الطرف عن ذلك كله، واتجهت لربها بحواسها وآمنت به حق الإيمان؛ فاستحقت ما وصفها به رب العالمين بأنها مثل صالح باق للإيمان.مريم ابنة عمران -عليها السلام
وكذلك ما ضربته مريم ابنة عمران من الصبر والثبات أمام أنواع المطاردة والافتراءات، ثابته واثقة ببشرى ربها لها ولابنها من أجل الحفاظ على دعوته وما اختصه الله به من النبوة والوقوف أمام بني إسرائيل وبطشهم؛ فكانت عونا وسندا لنبي الله عيسى -عليه السلام- الذي حمل الرسالة ودعا إلى الله حتى سميت سورة باسمها، وأصبحت من أفضل أربع نساء في الجنة، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت لِفَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا أُبَشِّرُكَ؟! إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «سَيِّدَاتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعٌ: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَآسِيَةُ».دور عظيم
والمتدبر في آيات الله التي ذكرها الله في سورة مريم وآل عمران يدرك دورها العظيم؛ فقصتها مليئة بالدروس والعبر ذات البعد الإنساني والعقدي، فتعلمنا منها -عليها السلام- أهمية نذر الطاعة لله -تعالى- وعدم اليأس من رحمة الله، وتعلمنا الصبر والعفة وتحمل المسؤولية، والسعي لرعاية ابنها الذي حمل الرسالة وواجهت معه قومها ومجتمعها؛ فكانت من خير نساء العالمين، وتعلمنا منها كيفية مواجهة الصدمات النفسية بالاستسلام لقضاء الله وقدره، وأهمية العزلة المؤقتة وقت الابتلاءات؛ لمناجاة الله والأنس به، والصبر بصدق مع الله عند المصيبة، والخروج من دائرة الأحزان قال -تعالى-: {فناداها من تحتها ألا تحزني}، وتذكر نعم الله -تعالى- التي لاتعد ولا تحصى، قال -تعالى-: ={قد جعل ربك تحتك سريا}، وتعلمنا المحافظة على القوة وعدم الاستسلام للضعف والأخذ بالأسباب، قال -تعالى-: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا}.الاستعانة بالله
وتُعلمنا الاستعانة بالله في صمت وتفويض الأمر لله، والكثير من العظات والعبر نستلهمها من قصتها التي خلد الله ذكرها في كتابه وأعلى شأنها، وبيَّن براءتها؛ فقد اصطفاها الله بالتطهر لتقوم بأعظم مهمة وهي مهمة الأمومة في سياق المعجزة الإلهية، فكان لها الدور العظيم والأساسي في محور الأحداث المتعلقة بسيرة عائلتها وابنها ورسالته التوحيدية الخالصة ووقوفه أمام بني إسرائيل.نماذج أعلى للبشرية
فيُعلي الله ذكرها هي وآسية امرأة فرعون ويجعلهما نموذجا أعلى للبشرية بقوله -تعالى- {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}، آيتان عظيمتان تتحدثان عن شخصية المرأه بإجلال واحترام، وغاية في الجمال والرقي ليس بإمكان أي حضارة مادية أن تمنحها مثله.
لاتوجد تعليقات