رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أميرة عبدالقادر 6 أكتوبر، 2024 0 تعليق

المرأة المسلمة  ومكانتها في الشريعة – القوة النفسيّة للمرأة المسلمة

  • لا يليق بالمرأة المسلمة أن تجهل الأحكام المتعلقة بالنساء التي تحتاجها في حياتها اليومية كما لا يليق بها أن تحمل شبهات لا تعرف ردها ولا تعي خطرها
  • لما كان الجهل يولّد الخوف والخوف بدوره ينتج شخصيةً ضعيفةً مهزوزة كان طلب العلم أهم طرائق الوصول إلى القوة النفسية المطلوبة
 

قبل الحديث عن القوة النفسية المطلوبة في المرأة المسلمة وسُبُل تحصيلها، لابد أن نبين أنَّ للنفس البشرية صفات عامة، يشترك فيها الذكور والإناث، كما ورد في كتاب الله -تعالى- وعلى لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وكما يقتضيه كونها مخلوقة مملوكة لمولاها، لا تملك ذاتها ولا نشأتها ولا مماتها، ومن ذاك النقص والحاجة والضعف والفقر، وكذلك النسيان والعجلة والهلع وحب الشهوات وكثرة الجدل، ومع وجود هذه الصفات الأصيلة في النفس فإن تزكيتها بتطهيرها من الكفر والمعاصي وإصلاحها بما يرضي الله، وتنقيتها من الذنوب ورفعها بالعلم هي طرق النجاة ومفاتحها، كما بيّن -سبحانه-؛ إذ قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (الشمس: 9).

        ومع وجود الاختلافات بين الرجل والمرأة، إلا أنّ الخطاب القرآني للمرأة انطلق من مبدأ الخطاب الكلي للإنسان منذ كان خطاب الوجود الأول للنفس الإنسانية، فكان التكليف الكوني العجيب بالأمانة التي حملها الإنسان بعد أن أشفقت منها السماوات والأرض والجبال، فتصدّر الإنسان، وخوطب باعتباره عاملاً، سواء كان رجلاً أم أنثى، لا فرق بينهما في المسؤولية الوجودية من حمل الأمانة الكبرى، {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بعضكُم مِّن بَعْضٍ} (آل عمران: 195)، ومن هنا كانت القوة التي يحبّ الله المؤمن المتصف فيها مطلوبة في الذكر وفي الأنثى، طالما أنها منضبطة بميزان الشريعة وتسعى لرضوان المولى وحده.

الحديث عن القوة النفسيّة

        من هنا كان الحديث عن القوة النفسيّة للمرأة، ينطلق من كونها فردًا في المجتمع المسلم لا ينفكّ أو ينعزل عنه؛ إذ تحمل في ذاتها صفات المؤمن الراسخ، لا تهزّه نسمة ريحٍ، ولا تؤثر فيه كلمة أو شبهة عارضة، فلا يليق بالمؤمنة مثلاً أن تجهل الأحكام المتعلقة بالنساء التي تحتاجها في حياتها اليومية، ولا يناسبها أن تحمل شبهات لا تعرف ردها ولا تعي خطرها، كما لا يستوي أن تجهل إجابات الأسئلة التي تتردد في ذهنها كل حينٍ عن مكانتها في شرع الله وخطابه -سبحانه- لها، وتغفل عن معنى الآيات والأحاديث المركزية في هذا السياق.

مصادر كثيرةٍ للشكوك والشبهات

       ومع انفتاح مصادر كثيرةٍ للشكوك والشبهات على النفوس في هذه الأيام، فإن الحاجة لتلك القوة باتت أكبر وأكثر إلحاحًا، خصوصًا والأنثى غالبًا ما تكون عرضةً لكثير من التيّارات الفكرية والشبهات العقدية التي تستغل نفسيتها وعواطفها، فهذا يشعرها بالفشل؛ لأنها اختارت عدم العمل خارج بيتها، وذاك ينتقص منها باستخدام حديثٍ لا يفهمه، وذاك يتهمها بالنسوية؛ لأنها بفطرتها الطبيعية لا تحب أن يكون لزوجها زوجة أخرى، والقائمة تطول مما قد يرد على المرأة خلال دقائق معدودةٍ من الإمساك بهاتفها المحمول.

الجهل يولّد الخوف

         ولما كان الجهل يولّد الخوف، والخوف بدوره ينتج شخصيةً ضعيفةً مهزوزة ومنهزمة، كان طلب العلم أول طرائق الوصول إلى القوة المطلوبة، فالمسلمة التي أكرم الله وتفضل عليها بالإيمان ينبغي أن تعبده -سبحانه- على علمٍ وفهمٍ وثبات كشجرة عميقة الجذور في تربة الإيمان، ثمرها طيبٌ في كل كلمة تصدر منها وكل فعل، تعرف قدرها في دين الله ولا تثنيها تقلبات الزمان وتغيرات الأحوال عن غايتها والدرب الذي تسلك، فلا تأخذ دور الضحية أمام أمواج الشبهات الهائجة، ولا تقف تنتظر رأي الآخرين بها وتقويمهم لها، إنما هدفها مسدَّد، وعينها مثبَّتة عليه على الدوام. فالمرأة المؤمنة هي التي ترفع راية الإسلام بلباسها الشرعي وخلقها الاجتماعي، فلا تفتنها الأضواء الفاضحة، ولا الدعايات الكاشفة، بل تجاهد في الله من أجل بناء قيم الإسلام في المجتمع من جديد وتسعى لطلب العلم بدينها وتعلّم شرائع ربها، للعمل بها في نفسها أولاً ثم تعليمها لغيرها؛ فكانت مثال الصلاح والتقوى والعفاف، ومنار الهداية لجيلها وللجيل الذي يتربى على يدها.

الحرص على العلم عند أمهات المؤمنين

        وقد كان الحرص على العلم ونشره حاضرًا جليا في سيرة أمهات المؤمنين والصحابيات -رضوان الله عليهن ومن تبعهن بإحسانٍ-، وقد رَوَت أم سلمة -رضي الله عنها-: «كُنت أسمع الناس يذكرون الحوض ولم أسمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان يومًا من ذلك والجارية تمشُطني، فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: أيُّها الناس. فقلت للجارية: استأخري عني. قالت: إنَّما دعا الرجال ولم يدعُ النساء. فقلت: إنِّي من الناس». (أخرجه مسلم).

كيف نصل للقوة النفسية المطلوبة؟

        إن من المهم معرفة النفس وتقديرها، وفهم مواطن القوة والضعف فيها، انطلاقًا من الوحي أولاً، ثم من التبصّر بها ومراقبتها ودراسة أحوالها وتقلباتها، وكذلك كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يحاسبون نفوسهم ويزنون أعمالهم، حتى إن أحدهم يلحظ من ذاته أدنى بعدٍ أو تغيّرٍ أو حاجةٍ للتزكية، وما أجمل ما قام به عمر بن الخطاب أمير المؤمنين - رضي الله عنه - لما لحظ من نفسه ما يريبه، فدعا الناس أن الصلاة جامعة، ثم قال بعد حمد الله والصلاة على نبيه: يا أيها الناس، لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم، فيقبضن لي قبضة من التمر أو الزبيب، فأظل يومي، وأي يوم؟ ثم نزل عن المنبر، فقال عبدالرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، ما زدت على أن قمّأت نفسك (يعني عبتها)، فقال: ويحك يا ابن عوف! إني خلوت فحدثتني نفسي، قالت: أنت أمير المؤمنين، فمن ذا أفضل منك؟ فأردت أن أعرفها نفسها.

تجنب مقارنة النفس بالآخرين

     ومن نتائج معرفة النفس تجنب مقارنتها بالآخرين وتقييمها بحسب مكانها بينهم، خصوصاً إن كانت المقارنة دنيوية أو في أمور لا يعلم بواطنها إلا الله، ومع مشاركة الناس كثيرًا من خصوصياتهم على مواقع التواصل اليوم، وقدرة أي منا على الاطلاع على أخبار وقصص الملايين ببضع نقرات، فإن ذلك صار أكثر إتعابًا للنفس وأدعى لأن تغلق تلك البوابات عن ذاتها، فرغم أن المرء قد ينشط بالاطلاع على اجتهاد أقرانه، إلا أن جلد الذات بسبب قصورها عن بلوغ ما يفعل غيرها ليس بسبيلٍ صحيح، فالسائرون إلى الله مختلفون فيما يوفّقون له من أعمال، وطاقات كلّ منهم والمسافة التي قطعها في طريقه متفاوتة كذلك، فينبغي توجيه النظرة نحو الاستزادة مما يحب الله من الأعمال، مع اعتبار محدودية النفس وخصوصياتها ليتحول الجلد جردًا، وإن كان ذاك مما يضبط مقارنة العبادات، فما بالك بمن يتعب نفسه بالنظر لما لدى غيره من متع الدنيا وقد نهى الله صراحةً عن مد العين إلى ما تمتع به غيرنا في هذه الدنيا الفانية؟

تمرين النفس تدريجيًا

     ومع التبصّر والامتناع عن المقارنات تتمرّن النفس تدريجيًّا على التركيز على رضا الله وعدم التعلّق أو الانشغال بالخلق، فيكون توجّهها مطلقاً لله، وتصير منافستها مع ذاتها أولاً لتتجاوز عيوبها وشهواتها وأهوائها، فتنضبط معاييرها بما يرضي الله، ولا تتأثر بقول الناس عنها أو رأيهم بسعيها بعد ذلك، لأنها لم تسعَ لنيل رضاهم أساساً، فتتمكن ثَم من السؤال والتعبير والإبانة عن حاجاتها والقيام بما أمر مولاها بصرف النظر عن محيطها. ختاماً، أقول لكلّ فتاةٍ تقرأ هذه الكلمات، لا نريدكِ نسويّة مبغضةً لنفسها ومحدوديتها، ولا متمردة على خالقها تعيسةً في دنياها، وساعيةً لكسر كل ما هو نمطيٌّ بصرف النظر عن ماهيته وواضعه، بل إننا نريدك مؤمنة قويّة صلبة حازمة ثابتة غير جاهلة ولا مهزوزة، تعلمين ما لكِ وما عليكِ، وتنضبطين بشرع الله القويم وتنعتقين من الجاهليات قديمها وحديثها في سبيل التقرب إلى الله ونيل محبته ورضاه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك