رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 24 أغسطس، 2021 0 تعليق

المرأة المسلمة وطرائق تحصيل العلم(2) مؤهلات ومقومات طالبة العلم

ما زال حديثنا مستمرا عن أهمية العلم للمرأة المسلمة وطرائق تحصيله؛ حيث ذكرنا أن العلم الشرعي له أهمية كبيرة في حياة المسلم والمسلمة، فهو المطية الموصلة لغاية عظيمة خلق لأجلها الخلق، ألا وهي تحقيق عبودية الله -جل جلاله- في هذه الحياة الدنيا، وكنا قد توقفنا عند المؤهلات والمقومات المطلوبة للمرأة حتى تقوم بهذا الواجب العظيم واليوم نستكمل تلك المقومات.

(8) العمل بالعلم

     إن ثمرة العلم العمل به والانتفاع منه؛ إذ لا قيمة لعلم لا ينفع حامله، ولقد استعاذ النبي - صلى الله عليه وسلم -: من علم لا ينفع فقال: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع»، قال الإمام سفیان بن عيينة المكي الهلالي -رحمه الله-: «ليس شيء أنفع من علم ينفع، وليس شيء أضر من علم لا ينفع». وقد صح أن العبد يسأل يوم القيامة عن علمه ما عمل فيه؟ وللخطيب البغدادي كتاب ماتع في الموضوع أسماه (اقتضاء العلم العمل) وكذلك للحافظ أبي القاسم ابن عساكر كتاب (ذم من لا يعمل بعلمه)، ومن الحكم الإلهية الباهرة أن العمل بالعلم يقود السامعين إلى الاقتداء، كما أن مخالفة العلم يصد الآخرين عن الأخذ به:

إذا أنت لم ينفعك علمك لم تجد

                                    لعلمك مخلوقا من الناس يقبله

وإن زانك العلم الذي قد حملته

                                   وجدت له ما يجتبيه ويحمله

     والذي يخالف عمله علمه، معرض لأشد أنواع الوعيد، موصوف بأقبح أنواع الذم، فعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يؤتی بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحی، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بل كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه»، وذكر - صلى الله عليه وسلم - في أول ثلاثة من الذين تسعر بهم النار يوم القيامة رجلا «تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار».

وهذا معنى قول الناظم:

وعَالِمٌ بعِلمِهِ لَمْ يَعْمَلَنّْ

                             مُعَذَّبٌ مِنْ قَبْلِ عُبَّادِ الوَثَنْ

ذم من لم يعمل بعلمه

     ومما ذم الله به العالم الذي لم يعمل بعلمه، أن شبهه أخس الحيوانات: الكلب والحمار، فقال -تعالى-: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف 175-176)، وقال -تعالى-: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الجمعة:5).

(9) الأخذ عن العلماء

قال ابن سيرين ومالك وخلائق من السلف: «هذا العلم دین فانظروا عمن تأخذون دينكم» فلا يأخذ العلم إلا ممن كملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته وسیادته.

واقع من تلقى العلم من الصحف

     ومن اطلع على كتاب (تصحيفات المحدثين) للعسكري وكتاب (أخبار الحمقى والمغفلين) لاين الجوزي يرى العجب العجاب، في شأن أولئك الذين تلقوا علمهم من الصحف دون مراجعة المشايخ، فقد قرأ أحدهم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «زر غبا تزدد حبا» ففسره بما يضحك الصبیان، وعن يحيى بن بكير قال: جاء رجل إلى البشير بن سعد فقال: كيف حدثك نافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: في الذي نشرت في أبيه القصة؟ فقال الليث: ويحك إنما هو في الذي يشرب في آنية الفضة.

     قال الدارقطني: وحدثني محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أبو العيناء قال: حضرت مجلس بعض المحدثين المغفلين فأسند حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جبرائیل عن الله عن رجل فقلت: من هذا الذي يصلح أن يكون شيخ الله؟ فإذا هو -عز وجل- قد صحفه، وسأل حماد بن زید غلاما فقال: يا أبا إسماعيل حدثك عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي عن الخبز قال: فتبسم حماد وقال: يا بني إذا نهى عن الخبز فمن أي شيء يعيش الناس؟! وإنما هو نهي عن الخمر، وصحف أحدهم معنى الحديث (... حتى لو دخلتم جحر ضب لدخلتموه) أخرجه البخاري. فظن أن البخاري -وفي رواية الترمذي- إنما أخرج الضب من الجحر، ولم يتوقف التصحيف عند الحديث النبوي، بل صحف المصحفون حتى الكتاب العزيز.

     وقرأ أحدهم -كما في كتاب الحمقى-: (فضرب بينهم بسنور له ناب) فقيل له إنما هو (بسور له باب) فقال: أنا لا أقرأ قراءة حمزة قراءة حمزة عندنا بدعة، وعن أبي الحسين أحمد بن يحيى قال: مررت بشيخ في حجره مصحف وهو يقرأ: (ولله میزاب السموات والأرض) فقلت: يا شيخ ما معنى (ولله میزاب السموات والأرض) قال: هذا المطر الذي نراه فقلت: ما يكون التصحيف إلا إذا كان بتفسير يا هذا إنما هو «ميراث السموات والأرض»، فقال: اللهم اغفر لي أنا منذ أربعين سنة أقرؤها وهي في مصحفي هكذا.

     وعن أبي عبيدة قال: كنا نجلس إلى أبي عمرو بن العلاء فنخوض في فنون من العلم، ورجل يجلس إلينا لا يتكلم حتى نقوم فقلنا: إما أن يكون مجنونا أو أعلم الناس! فقال يونس: أو خائف سأظهر لكم أمره، فقال له: كيف علمك بكتاب الله -تعالى؟ قال: عالم به، قال: ففي أي سورة هذه الآية: (الحمد الله لا شريك له * من لم يقلها فنفسه ظلما)؟ فأطرق ساعة ثم قال: في حم.

قال الدارقطني: حدثنا النقاش قال: كنت بطبرية الشام أكتب على شيخ فيها عنده جزء فيه عن أبي عمرو الدوري، وكان فيه أن يحيى بن معمر قرأ: (إن لك في النهار شیخا طويلا..).

     عن ابن الرومي قال: خرج رجل إلى قرية فأضافه خطيبها، فأقام عنده أياما فقال له الخطيب: أنا منذ مدة أصلي بهؤلاء القوم وقد أشكل علي في القرآن بعض مواضع قال: سلني عنها قال: منها في «الحمد لله» «إياك نعبد وإياك» (تسعين) أو (سبعين) أشكلت على هذه فأنا أقولها تسعين آخذ بالاحتياط!.

     وكان توما رجلا ادعى الحكمة والطب، وزعم أنه يشفي من الأدواء، وذات يوم قرأ في كتب الطب النبوي حديث: «الحبة السوداء دواء لكل داء»، لكن الكلمة تصحفت عليه في الكتاب فقرأها الحية بالياء المثناة التحتانية.... وصار ينصح الناس بأكل الحيات السوداء، فصاروا يعالجون بها ويموتون!.

آداب المتعلم والمعلم

ولنختم هذه المقالة بذكر جملة من آداب المتعلم والمعلم مع الشيخ:

- أن يستخير الله -عز وجل- فيمن يأخذ عنه العلم من المشايخ.

- أن يكون مع شيخه كالمريض مع الطبيب الماهر في عدم مخالفة وصاياه.

- أن يعرف له حقه ولا ينسى له فضله، وإن بلغ من العلم ما بلغ.

- أن يصبر على جفوة تصدر من شيخه أو سوء خلق.

- حسن الجلسة في المجلس.

- حسن السؤال وأن يقدم الدعاء بين يدي سؤاله كقوله غفر الله لك أو عفا الله عنك، قال الضحاك «ما استخرجت هذا العلم من العلماء إلا بالرفق بهم».

- أن يبجل المعلم من دون غلو أو إسراف.

- لا ينبغي للطالب قطع المعلم أثناء الشرح فإن هذا يفوت عليه الخير الكثير.

- إذا سمع المعلم يذكر شيئا هو يعرفه فإنه يصغي إصغاء مستفید كأنه لم يسمعه قط.

- ألا يسبق المعلم إلى شرح مسالة أو جواب سؤال من غيره.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك