رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 10 يناير، 2022 0 تعليق

المخيم الربيعي لتراث الأحمدي ومبارك الكبير – الشيخ حمد الأمير: صلة الأرحام من أوجب الحقوق التي فرضها الإسلام

 

الحديث عن صلة الأرحام له خصوصية ولا سيما في هذا العصر الذي غلبت فيه الأمور المادية على الود والوصال الاجتماعي، وغلبت فيه الأهواء والنفس الأمارة بالسوء على كثير من القيم والمبادئ والتعاليم، التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف، حتى أصبحت صلة الأرحام من الأمور الثانوية، واختفت كثير من العلاقات الأخوية، وتفككت كثير من الأسر بسبب الخلافات العائلية، حتى انسحبت تلك الخلافات على الأبناء والذرية.

     لقد ضرب يوسف -عليه السلام- أروع الأمثلة في التعامل مع الإخوة الذين جفوه وعادوه، فهو الذي لقي من أخوته بكثرتهم في مقابله هو وحده وعمرهم في مقابل عمره ما لقي من العداوة والكيد والظلم، فكانوا سببًا في غربته عن الأهل والوطن وشقائه في طفولته البريئة وشبابه، وبعد تعاقب السنون جاءت الفرصة سانحةً بين يديه وهو متمكنٌ في منصبه الكبير على خزائن مصر، أن يأخذ حقه من إخوته الذين أصبحوا في تعبٍ من أمرهم وضنكٍ من العيش، لكن لم يكن يوسف -عليه السلام- ذلك الانتهازي والانتقامي ليقابل السيئة بالسيئة، رغم كل ما حدث ورغم كل ما أسلف من تعبٍ وعسر، لكن كان مثالاً رائعًا راقيًا خلده القرآن الكريم، وضرب فيه أحسن القصص ليكون قدوة ودرسًا لمن بعده، فقال لهم: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ}. كل هذه الأفعال انتهت بهاتين الكلمتين، وانتهى كل الماضي. بل قال لهم: {وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}.

تمام عفو يوسف -عليه السلام- عن إخوته

     لقد نسي يوسف عليه السلام كل ما حيك ضده وقال: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ}، قال العلامة السعدي -رحمه الله-: وهذا من لطفه وحسن خطابه -عليه السلام-: حيث ذكر حاله في السجن، ولم يذكر حاله في الجب، لتمام عفوه عن إخوته، وأنه لا يذكر ذلك الذنب، وأن إتيانكم من البادية من إحسان الله إلي، ثم إن يوسف هو الذي بدأ بالكلام واعتذر وقال:  {مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} فلم يقل «نزغ الشيطان إخوتي» بل كأن الذنب والجهل، صدر من الطرفين، فالحمد لله الذي أخزى الشيطان ودحره، وجمعنا بعد تلك الفرقة الشاقة.

واقع أسرنا اليوم

     فإذا نظرنا هذه النظرة لهذه الآية في أسرنا اليوم نجد أنه لا يوجد مشكلة تساوي ما حدث ليوسف مع إخوانه، فلابد أن نبحث عن الوئام، ونبحث عما يقرب بعضنا بعضا، ونبحث عما يفتت الخلافات بيننا، ولا نبحث عن الانتقام؛ فالانتقام يجعلك تعيش دائما في حسرة، وتفكر كيف تنتقم؟ والانتقام يجر الانتقام من الطرف الآخر، فما يكون وئام ولا لقاء. ولذلك كان التحلي بالاعتذار من أسباب دفع الانتقام؛ لأن بواسطة الاعتذار لأخيك، ولابن عمك، ولعمك، ولخالك. يتحقق صلة الرحم، والرحم صلتها واجبة كما قال الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}. وقال -عز وجل في النهي عن قطيعة الرحم-: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}. وحتى إن قطعك أهلك، أو أساؤوا إليك أو تكلموا فيك. فتبقى صلة الرحم واجبة كما يدل عليه حديث أَبِي هُرَيْرَة  - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ» (صحيح مسلم 2558)، بمعنى أن العون يأتي من الله، والله -سبحانه وتعالى- هو الذي يؤيدك؛ فلا تقطع هذا الرحم مهما كانت، فالعون يأتيك من الله، ويرفع شأنك.

ثمرات صلة الرحم

ولصلة الأرحام ثمرات عديدة نذكر منها ما يلي:

غفران الذنوب

غفران الذنوب يدل عليه حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: يا رسول الله، إني أذنبت ذنبا كبيرا فهل لي من توبة؟ فقال  -رضي الله عنه- أَلَكَ والدان؟ قال: لا، قال: فَلَكَ خالة؟ قال: نعم، قال: فبِرَّها إذًا. رواه ابن حبان وصححه الألباني. إذًا بر الوالدين يغفر الله -عز وجل- به الذنوب.

زيادة الرزق

سبب لزيادة الرزق وطول العمر. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -  قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سرّه أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه».

سبب لدخول الجنة

فعن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: دلّني على عمل أعمله يدنيني من الجنة، ويباعدني من النار. قال: «تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل ذا رحمك». فلما أدبر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن تمسك بما أُمِر به دخل الجنة». رواه البخاري ومسلم.

من أحب الأعمال إلى الله -تعالى

     جاء عن رجلٍ من خثعم قال: أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو في نَفَرٍ مِنْ أصْحابِه، فقلتُ: أنْتَ الذي تزعُم أنَّك رسول الله؟ قال: «نعم». قال: قلتُ: يا رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ قال: «الإيمانُ بالله». قال: قلتُ: يا رسولَ الله، ثُمَّ مَهْ؟ قال: «ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ». قال: قلتُ: يا رسولَ الله، ثُمَّ مَهْ؟ قال: «ثمَّ الأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عنِ المنكَرِ». قال: قلتُ: يا رسول الله، أيُّ الأعْمالِ أبغَضُ إلى الله؟ قال: «الإشْراكُ بالله». قال: قلتُ: يا رسولَ الله، ثُمَّ مَهْ؟ قال: «ثمَّ قَطيعَةُ الرَّحِمِ». قال: قلتُ: يا رسولَ الله، ثُمَّ مَهْ؟ قال: «ثُمَّ الأمْرُ بالمنْكَرِ، والنهيُ عنِ المعروفِ». (صحيح الترغيب والترهيب 2522) .

من علامة الإيمان بالله واليوم الآخر

أنها من علامة الإيمان بالله واليوم الآخر. ففي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» رواه البخاري.

عقوبة قطع الرحم

ولعقوق الأرحام عقوبات في الدنيا والآخرة نذكر منها ما يلي:

تعجيل العقوبة في الدنيا

عن أبي بكرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من ذنب أحرى أن يُعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يُدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» رواه الترمذي وأبو داوود وصححه الألباني. يعني قطيعة الرحم عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، ومُدّخر لها عقاب كذلك في الآخرة.

قاطع الرحم لا يدخل الجنة

عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي - رضي الله عنه - قال: «لا يدخل الجنة قاطع». وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أعْمالَ بني آدَم تُعْرضُ كلَّ خميسٍ ليلَةَ الجمُعَةِ، فلا يُقْبَل عَمَلُ قاطعِ رَحِمٍ» رواه أحمد وحسنه الألباني في الترغيب والترهيب.

القاطع يقطع الصلة بربه

     وهذا أخطر شيء في قطيعة الرحم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله خَلَقَ الخَلْق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت الرحم: بلى يا ربي، قال: فهو لك. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اقرأوا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}» متفق عليه.

لكل رحم حقها من الصلة

والأحاديث في ذلك كثيرة، توصل الرحم بالزيارة، توصل بالهدية، توصل الآن مع الأجهزة الحديثة برسالة تبعثها، وتتحقق هذه الصلة بمكالمة هاتفية لقريب لم أكلمه منذ زمن فتبعث في صدره الانشراح بهذا الاتصال، كذلك من صلة الرحم مشاركته في أفراحه، ومشاركته كذلك في أحزانه، فإذًا وسائل صلة الرحم كثيرة جدا.


 

من الأرحام الذين نصلهم؟


- سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- مَن أولو الأرحام وذوو القربى؟

- فأجاب رحمه الله: الأرحام هم الأقارب من النسب من جهة أمك وأبيك، وهم المعنيون بقوله -تعالى-: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}. وأقربهم الآباء والأمهات والأجداد والأولاد، وأولادهم ما تناسلوا، ثم الأقرب فالأقرب من إخوة وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم. وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لما سأله سائل: مَن أبر؟ قال: «أمك، قلت: ثم مَن؟ قال: أمك، قلت: ثم مَن؟ قال: أمك، قلت: ثم مَن؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب» رواه الترمذي وأبو داوود وحسنه الألباني.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك