رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 6 أكتوبر، 2024 0 تعليق

المخرج من الفتن – وسبل النجاة منها

إعداد: سالم الناشي 

وائل سلامة  -  ذياب أبو ساره

 

الفتنة سُنَّة كونيَّة، لا تخلو منها حياة الأمم والأفراد على حد سواء، وهذه الفِتَنُ لها تأثير سلبيٌّ كبير على الفرد والمجتمع والأمم، وأعظمُها تأثيرًا ما كان في الدِّين، ثم في العقل، ثم في النَّفس، وقد جاءت نصوصُ الكتابِ والسُّنةِ تُحَذِّر من الفِتنِ وأسبابِها ودواعِيها، قال -عز وجل-: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (العنكبوت:2)، وهذه الفتنُ تَشْتَدُّ يومًا بعد يوم، وفي ذلك دلالةٌ على اقتراب الساعة، لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا».

 
  •   الفتنة سُنَّة كونيَّة لا تخلو منها حياة الأمم والأفراد على حد سواء وهذه الفِتَنُ لها تأثير سلبيٌّ كبير على الفرد والمجتمع والأمم
  • من أخطر أنواع الفتن: فتنة التفرُّق والاختلاف والاقتتال بين المسلمين وهي ملازمةٌ للأمة وتبقى آثارها لفترة طويلة من الزمن
  • اتِّقاء الفتنة ابتداءً قبل وقوعها -ولا سيما من أهل الحل والعقد- مطلبٌ شرعيّ والقاعدة الفقهيَّة تقول: المنع أسهل من الرفع أي الوقاية خير من العلاج
  • العلم الشرعيُّ مطلبٌ مهمّ في مواجهة الفتن حتى يكون المسلم على بصيرة من أمر دينه وإذا فقد المسلم هذا العتادَ تخبَّط في الفتن ولربما أودت به إلى المهالك وهوت به في واد سحيق
  •  الاعتصام بالكتاب والسنة والتمسُّك بهما على فهم السلف الصالح من أهم أسباب الوقاية من الفتن والنجاة منها
  • ينبغي على المسلم عند الفتن أن يسألَ العلماءَ الربانيين عن موقف الشريعة منها وعن موقف أهل السنة تجاهها فالعلماء هم مصابيح الدُّجى
  •  الرجوع إلى العلماء الربانيين والالتفاف حولهم عند اشتداد المحن وتكاثر الفتن عاملٌ معين على التثبُّت والثبات وعدم الوقوع في الزيغ والانحراف
  • العلم الشرعيُّ هو الحياة والنور للأفراد والجماعات والعتادُ لمواجهة التحدِّيات والمشكلات والميزان لمقياس التطرُّف والانحلال
  •  التأني والرفق وعدم العجلة حالَ الفتن يجعَل المسلمَ يبصر حقائقَ الأمور بحكمةٍ ويقف على خفاياها وأبعادها وعواقبها
  • يُبتلى المؤمن بالفتن ليكونَ إيقاظًا له من الغفلة وحثًّا له على التوبة ومن المقرر في الشريعة أنه لا ينزل بلاءٌ إلا بذنب ولا يرفعه الله -تعالى- إلا بتوبة صادقة
  • ابن باز: لا خلاص ولا نجاة من الفتن إلا بالتفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم  ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن سلك سبيلهم من أئمة الإسلام ودعاة الهدى
  • الألباني: الرجوع إلى السلف الصالح هو ضمان وصيانة من أن يقع المسلمون اليوم في مثل ما وقع المسلمون الذين جاؤوا بعد السلف فاختلفوا اختلافا كثيرًا
  • الفوزان: من المنجيات من الفتن لزوم جماعة المسلمين وإمام المسلمين فيكون المرء مع جماعة المسلمين وإمامهم ويبتعد عن الفرق المخالفة
  • البدر: لِتجنّب الفتن لابدّ من لزوم الجماعة والبعد عن الفرقة لأنّ الجماعة كما قال صلى الله عليه وسلم رحمةٌ والفُرْقَةُ عذابٌ
  • الخضير: وجود الصالحين سبب من أسباب دفع البلاء ودفع الفتن وبقدر إرثهم من النبوة علمًا وعملاً يدفع بهم من الفتن بقدر ذلـك
  • النجدي: من أهم أسباب الوقوع في الفتن الجهل واتباع الهوى فالجهل آفة عظيمة وداء عضال والمتبع هواه ليس له إمام يتبعه بحق بل يتبع ما تهواه نفسه دون ضابط
   

أولاً: معنى الفتنة

     الفتنة: الابتلاءُ والامتحانُ والاختبار، وأصلها مأخوذ من قولك: فتنت الفضة والذهب، إذا أذبتهما بالنار؛ ليتميز الرديء من الجيِّد، وأصل الفتنة: الاختبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثم أطلقت على كل مكروه أو آيل إليه، كالكفر والإثم والتحريق والفضيحة والفجور وغير ذلك.  

الفرق بين الفتنة والابتلاء والاختبار

        الفتنةُ أشدُّ الاختبار وأبلغه، وأصله: عرضُ الذَّهب على النار، ليتبين صلاحه من فساده، ومنه قوله -تعالى-: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} (الذاريات: 13)، وتكون في الخير والشر، ألا تسمع قوله -تعالى-: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (التغابن: 15)؟! فجعل النعمة فتنةً؛ لأنه قصد بها المبالغة في اختبار المنعَم عليه بها، كالذهب إذا أريد المبالغة في تعرُّف حاله أُدخل النار، والله -تعالى- لا يختبر العبدَ لتغيير حاله في الخير والشر، وإنما المراد بذلك شدة التكليف.

ثانيًا: التحذير من الفتن

      جاءت نصوص كثيرة في الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة، فيها التحذيرُ من الفتن والأمر بالابتعاد عنها، والدّلالة إلى طريقة التعامل معها، وقد ورد لفظ (الفتنة) في القرآن الكريم في ستين موضعًا، ورد في ستة وثلاثين موضعًا بصيغة الاسم، من ذلك قوله -تعالى-: {والفتنة أشد من القتل} (البقرة:191)، وورد في أربعة وعشرين موضعًا بصيغة الفعل، من ذلك قوله -سبحانه-: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا} (النحل:110). ومن ذلك: قول الله -تعالى-: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 25)، قال ابن كثير -رحمه الله-: «يحذِّر -تعالى- عباده المؤمنين {فتنةً} أي: اختبارًا ومحنة، يعمُّ بها المسيء وغيره، لا يخصّ بها أهل المعاصي، ولا مَن باشَرَ الذنب، بل يعمُّهما». وقال -تعالى-: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت: 1-3)، يخبر -تعالى- في هذه الآية عن تمام حكمته، وأن حكمتَه لا تقتضي أن كلَّ من قال: إنه مؤمن، وادَّعى لنفسه الإيمان أن يبقى في حالة يسلم فيها من الفتن والمحَن، ولا يعرض له ما يشوِّش عليه إيمانه، فإنه لو كان الأمر كذلك لم يتميَّز الصادق من الكاذب، والمحقّ من المبطل.    

تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم - من الفتن

        وفي السنة جاء التحذير من الفتن في أحاديث كثيرة منها قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تعوَّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن»، وقوله -صلى الله عليه وسلم -: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يُصبِح الرجل مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينَه بعَرَض من الدنيا»، وقوله -صلى الله عليه وسلم -: «إذا تشهَّد أحدكم فليَستَعِذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المَحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال»، وقوله -صلى الله عليه وسلم -: «إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، القاعد فيها خير من القائم، والماشي فيها خير من الساعي، فكسِّروا قِسِيَّكم، وقطِّعوا أوتارَكم، واضربوا سيوفَكم بالحجارة، فإن دُخِل -يعني على أحدٍ منكم- فليكن كخير ابْنَيْ آدم»  

ثالثًا: أنواع الفتن

تنقسم الفتن إلى قسمين باعتبار حجمها وقوتها إلى قسمين: (1) فتن خاصة: وهي ما بيَّنته السنة بـ «فتنة الرجلِ في أهلهِ ومالهِ وولدهِ وجارهِ، تكفِّرُها الصلاةُ والصومُ والصدقةُ والأمرُ والنهيُ»، ومعنى «فتنة الرجل في أهله» أي: بأنه يأتي من أجلهم ما لا يحلُّ، «وماله» أي: بأن يأخذَه من غير مأخذه، ويصرفه في غير مصرفه، «وولده» أي: لفرط المحبَّة والشغل بهم عن كثير من الخيرات، «وجاره» أي: بأن يتمنى مثلَ حاله، أي: إن كان متَّسعًا مع الزوال، و«يكفِّرها» أي: الفتنة المفصلة بما مر «الصلاةُ…» إلخ، أي: تكفِّر الصغائر، فقد بيَّن الحديث أنه إذا حصل للإنسان شيء من هذه الفتن الخاصة، ثم صلَّى أو صام أو تصدَّق أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر، كان ذلك كفارةً له، وإذا كان الإنسان تسوؤه سيئته، ويعمل لأجلها عملًا صالحًا، كان ذلك دليلًا على إيمانه. (2) فتن عامة: وهي التي تموج موجَ البحر، وتضطرب، ويتبع بعضها بعضًا، وتعمُّ الصالحَ والطالحَ، والذكرَ والأنثى، والكبيرَ والصغيرَ، وهي التي ذكرها الله -تعالى- في قوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال: 25)، وكان أولها فتنة قتل عثمان - رضي الله عنه -، وما نشأ منها من افتراق قلوب المسلمين، وتشعُّب أهوائهم، وتكفير بعضهم بعضًا، وسفك بعضهم دماءَ بعض، وكان الباب المغلَق الذي بين الناس وبين الفتن عمَر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وكان قتلُ عمر كسرًا لذلك الباب، فلذلك لم يغلق ذلك الباب بعده أبدًا.

أخطر أنواع الفتن

        ومن أخطر أنواع هذا النوع من الفتن: فتنة التفرُّق والاختلاف والاقتتال بين المسلمين، قَال - صلى الله عليه وسلم -: «سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا»، وهي التي قال الله -تعالى- فيها: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} (الأنعام: 65)، وهي ملازمةٌ للأمة، وتبقى آثارها لفترة طويلة من الزمن، ابتداء من صدرها الأول إلى أن يقاتل آخرها المسيح الدجالَ مع المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- عند قرب قيام الساعة.

رابعًا: سبل الوقاية والنجاة من الفتن

أرشدنا الله -تعالى- في كتابه، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنته إلى سُبل الوقاية والنجاة من الفتن، ومن ذلك: 1 الاعتصام بالكتاب والسنة الاعتصام بالكتاب والسنة هو: التمسُّك بهما على فهم السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة المسلمين، قال الله -تعالى-: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران: 103)، قال ابن كثير -رحمه الله-: «{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ} قِيلَ: بِعَهدِ اللهِ، وَقِيلَ: القُرآنُ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ -رضي اللهُ عنهما-: تَمَسَّكُوا بِدِينِ اللهِ، وَقَالَ ابنُ مَسعُودٍ - رضي الله عنه -: هُوَ الجَمَاعَةُ»، وعن جَابِرِ بنِ عبداللهِ -رضي اللهُ عنهما-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ الله»، وعن أَبِي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيئَينِ لَن تَضِلُّوا بَعدَهُمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي». قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فعلى كلِّ مؤمن ألا يتكلَّم في شيء من الدين إلا تبعًا لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم -، ولا يتقدَّم بين يديه، بل ينظر ما قال، فيكون قوله تبعًا لقوله، وعمله تبعًا لأمره، فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين، فلهذا لم يكن أحدٌ منهم يعارض النصوصَ بمعقوله، ولا يؤسِّس دينًا غير ما جاء به الرسول، وإذا أراد معرفة شيء من الدين والكلام فيه نظر فيما قاله الله ورسوله، فمنه يتعلَّم، وبه يتكلَّم، وفيه ينظر ويتفكَّر، وبه يستنير، فهذا أصل أهل السنة». 2 الرجوع إلى العلماءِ الربَّانيِّين ينبغي للمسلم عند حدوث الفتن أن يسألَ العلماءَ عن موقف الشريعة الإسلامية منها، وعن موقف أهل السنة تجاهها، فالعلماء هم مصابيح الدُّجى، بهم يُهتَدى في ظلمات الجهل وأوحال الضلال، يستنير الناسُ بآرائهم المقتبسة من مشكاة الوحي الإلهي المعصوم، قال الله -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 43، 44). وقال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59). قال ابن عباس: «{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} يعني: أهلَ الفقه والدين»، وعلماء أهل السنة والجماعة هم ورثة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم -، وهم الذين يجب علينا أن نسألَهم عند حلول الفتن، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن العلماءَ ورثةُ الأنبياء، إن الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلم، فمَن أخذ به أخذ بحظٍّ وافرٍ». فالرجوع إلى العلماء الربانيين والالتفاف حولهم -ولا سيما عند اشتداد المحن وتكاثر الفتن- عاملٌ معين على التثبُّت والثبات وعدم الوقوع في الزيغ والانحراف؛ إذ هم المكلَّفون شرعًا ببيان الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والخير من الشر، والصلاح من الفساد، وهم وارِثو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والأنبياء لم يورِّثوا المال، وإنما ورَّثوا العلمَ والهدَى والنور. 3 التسلُّح بالعلم الشرعي العلم الشرعيُّ هو الحياة والنور للأفراد والجماعات، والعتادُ لمواجهة التحدِّيات والمشكلات، والميزان لمقياس التطرُّف والانحلال، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم -: «يتقارب الزمان، ويُقبض العلم، وتظهر الفتن، ويُلقى الشّحُّ، ويكثر الهرج»، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: «القتل»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ من أشراط الساعة أن يُرفعَ العلمُ ويَظهَر الجهلُ»، فالعلم الشرعيُّ مطلبٌ مهمّ في مواجهة الفتن، حتى يكون المسلم على بصيرة من أمر دينه، وإذا فقد المسلم هذا العتادَ تخبَّط في الفتن، ولربما أودت به إلى المهالك، وهوت به في واد سحيق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «إذا انقطع عن الناس نورُ النبوة وقعوا في ظلمة الفتن، وحدثت البدع والفجور، ووقع الشرُّ بينهم، وذاق بعضهم بأس بعض». 4 الابتعاد عن الفتة وعدم الخوض فيها من استقرأ أحوال الفتن التي تجري بين المسلمين، تبيَّن له أنه ما دخل فيها أحدٌ فحُمِدت عاقبةُ دخوله، لما يحصل له من الضرر في دينه ودنياه؛ ولهذا كانت مِن باب المنهيِّ عنه، والإمساك عنها من المأمور به الذي قال الله فيه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ستكون فتنٌ، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، مَن تشرَّف لها تستشرفه، فمن وجد منها ملجَأ -أو: مَعاذًا- فليَعُذْ به»، قال ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-: «في هذا الحديث التحذيرُ من الفتنة، والحثُّ على اجتناب الدخول فيها، وأنَّ شرَّها يكون بحسب التعلُّق بها، والمراد بالفتنة: ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك؛ حيث لا يُعلَم المحقُّ من المبطِل». 5 السعي إلى إزالة أسبابها قبل استفحالها أمَر الله -تعالى- باتِّقاء الفتن، وذلك بأن يتَّخذ المسلمون وقاية بينهم وبينها بمنع أسبابها، قال -تعالى-: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال: 25)، فاتِّقاء الفتنة ابتداءً قبل وقوعها -ولا سيما من أهل الحل والعقد- مطلبٌ شرعيّ، والقاعدة الفقهيَّة تقول: «المنع أسهل من الرفع»، وهو قريبٌ من القاعدة الصِّحيَّة: «الوقايةُ خير منَ العِلاج»، ودفعها في بداياتها أسهل من رفعها بعد وقوعها؛ لأنها إذا استشرت صعب دفعها، وشواهد التاريخ خير مثال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فالفتنة إذا ثارت عجز الحكماءُ عن إطفاء نارها»، وفي المأثور: «الفتنة نائمَة، لعن الله من أيقظها». 6 التأني والرفق والحلم وعدم العجلة التأني والرفق وعدم العجلة حالَ الفتن يجعَل المسلمَ يبصر حقائقَ الأمور بحكمةٍ، ويقف على خفاياها وأبعادها وعواقبها، وكما قيل: «إن في التأني السلامة، وفي العجلة الندامة»، وأما التسرّعُ والعجلة فإنها ليست من منهج الأمة الإسلامية الراشدة، ولا سيما في زمن الفتن وتسارعِ الأحداث، قال المستورد القرشي - رضي الله عنه -: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تقوم الساعة والرومُ أكثر الناس»، قال: فبلغ ذلك عمرَو بنَ العاص فقال: ما هذه الأحاديثُ التي تذكر عنك أنك تقولها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟! فقال له المستورد: قلتُ الذي سمعتُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فقال عمرو: لئن قلت ذلك، إنهم لأحلم الناسِ عند فتنةٍ، وأَجبر الناس عند مصيبةٍ، وخيرُ الناس لمساكينهم وضعفائهم. وهذا الحديث من دلائل النبوة وعلاماتِ الساعةِ، وفيه بيان كثرة الروم على غيرهم، وسبب كثرتهم هو: ظهور الحِلم فيهم عند الفتن؛ مما يجعلهم ينظرون إلى الأمور ويعالجونها بغير نزق أو طيش كما يفعل الآخرون، ولأن حياتهم السياسية مستقرة غالبًا، فالرعايا لا تُظلَم من قبل الحكام، وهذه الخصلة استحسنها عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، وقال عنها: حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ. 7 التوبة الصادقة والاستغفار يُبتلى المؤمن بالفتن ليكونَ إيقاظًا له من الغفلة، وحثًّا له على التوبة والاستعداد، ومن المقرر في الشريعة أنه لا ينزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا يرفعه الله -تعالى- إلا بتوبة صادقة، والنصوص في هذا كثيرة ومتضافرة، يقول الله -تعالى- عن سبب إهلاك الأمم السابقة: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (آل عمران: 11)، وقال -تعالى-: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} (الأنعام: 6)، وقال -تعالى-: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} (الأعراف: 100)، وهذه الآيات كلُّها تبيِّن أثرَ المعصية في إهلاك تلك الأمم.  

كلام أهل العلم في الفتن التمسك بالقرآن والسنة

        قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: وطريق النجاة من صنوف الفتن هو التمسك بكتاب الله وبسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم  -، كما روي ذلك عن علي مرفوعا: «تكون فتن، قيل: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم...» الحديث. والمقصود بالفتن: فتن الشهوات والشبهات والقتال، وفتن البدع، كل أنواع الفتن، لا خلاص ولا نجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن سلك سبيلهم من أئمة الإسلام ودعاة الهدى.

العودة إلى منهج سلفنا الصالح

        قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-: الرجوع إلى السلف الصالح هو ضمان وصيانة من أن يقع المسلمون اليوم في مثل ما وقع المسلمون الذين جاؤوا بعد السلف فاختلفوا اختلافا كثيرًا، فدعوتنا التي ندندن حولها دائما وأبدًا، أننا ندعو إلى العمل بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، وهذا لدفع ما قد اعترى الكتاب والسنة من الانحراف في فهمها، وبسبب هذا الانحراف وجدت الفرق الإسلامية الكثيرة، كما يشهد لذلك التاريخ الإسلامي وكما تنبأ عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم  - في الحديث الصحيح الذي قال فيه: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة»، قالوا من هي يا رسول الله؟ قال: «هي ما أنا عليه وأصحابي».

موقف المسلم من الفتن

      قال العلامة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-: موقف المسلم من الفتن: أنه يكون على ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم  - ويلزم ذلك ويصبر عليه، ويكون على سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم  - وأصحابه، هذا فيه النجاة من الفتن، وهذا موقف المسلم من الفتن أنه لا ينخدع ولا ينجرف معها، وإنما يبقى على دينه، ويصبر عليه، وله قدوة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ولاسيما الخلفاء الراشدين المهديين، ومن المنجيات من هذه الفتن وموقف المسلم منها: أنه يلزم جماعة المسلمين وإمام المسلمين الموجودين في عهده، فيكون مع جماعة المسلمين وإمامهم ويبتعد عن الفرق المخالفة.

لزوم الجماعة والبعد عن الفرقة

        وعن السبل التي تجنب المسلم الوقوع في الفتن، قال الشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر: لِتجنّب الفتن لابدّ من لزوم الجماعة والبعد عن الفرقة؛ لأنّ الجماعة -كما قال صلى الله عليه وسلم  - رحمةٌ والفُرْقَةُ عذابٌ، قال - صلى الله عليه وسلم  -: «الجماعة رحمةٌ والفُرْقَةُ عذابٌ»، وقال - صلى الله عليه وسلم  -: «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ!»، والأحاديث في الدعوة إلى لزوم الجماعة والبُعْدِ عن الفرقة كثيرةٌ جداً، ولهذا لابدّ على المرء المسلم أن يروِّض نفسه على لزوم جماعة المسلمين وعدم التفرُّق؛ فإنّ الفُرْقةَ شرٌّ، ولزوم جماعة المسلمين يترتَّب عليها مصالح عظيمةٌ وغاياتٌ كريمةٌ؛ لأنّ المسلمين إذا لَزِم كل واحد منهم الجماعة يكون بذلك قوة الرابطة، وقوة الكلمة، ووحدة الصَّف والتئام الشمل، ويكون لهم الهيبة والمكانة، بينما إذا تفرَّقوا واختلفوا تشتتَ أمرُهم وتَسلَّط عليهم عدُّوهم، وعَظُمتْ بينهم الشرور والفتن، لكن إذا كانوا يداً واحدةً قَوِيتْ شوكتُهم وعَظُمتْ مكانتُهم، و«يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ»، والله -عز وجل- يمد الجماعةَ بعونِه وتوفيقِه ماداموا مجتمعِين على الحقِّ والهدى وطاعة الله واتِّباع سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم -، فلابدّ من لزوم جماعة المسلمين، ومن الاجتماع على الحقِّ والهدى، ولابدّ من البُعدِ عن التفرُّق والاختلاف، ولابدّ من اعتصامٍ صادقٍ بكتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم -، فهذا الذي يؤلِّف بين القلوب، ويجمع بين أهل الحقِّ والهدى.

وجود الصالحين من أسباب دفع البلاء

        وعن واقع الأمة التي تعيشه اليوم بين الشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير أن الأمَّـة تعيش حالة من الاضطراب عمومًا، وهذا أثر على بعض من طلبة العلم فكثير منهم ضاقت بهم الأرض ذرعًا، وظنوا أن الخيـر قـد انقطع، والأمر على خلاف ذلك، فديننا دين الخلود والبقاء إلى قيام الساعة، وأبواب الخير مفتوحة ومشرعة، وسنة المدافعة باقية إلى قيام الساعة، وما يغلق بـاب فـي وجه مسلم إلا ويفتح االله له أبوابا وآفاقا من أعمال الخير التي توصله إلى مرضات االله -سبحانه وتعالى.

وجود الصالحين

        ثم أكد الشيخ أن وجود الصالحين سبب من أسباب دفع البلاء ودفع الفتن بقدر إرثهم من النبوة علمًا وعملاً يدفع بهم من الفتن بقدر ذلـك، ولذلك نجد أنه حينما وجد الصالحون من العلماء والعُبّاد والدعاة الأخيار كانت الفتن مدفوعة إلـى حـد مـا، بسبب مدافعتهم لها، وبسبب علمهم وعملهم، وبسبب دعواتهم الصالحة، وفي صحيح الترمذي: «أن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم االله بعذابٍ من عنده»، لكن الأخذ على يد الظالم بحسب القدرة وبالوسائل المحققة للمصلحة التـي لا يترتـب عليهـا مفسدة، لابد من مراعاة القواعد العامة في النصيحة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا خشي أن يترتب عليه منكر أعظم منه فلا شك أن درء المفاسد مقدم على جمع المصالح، ومع ذلك لا بد من الإنكار بالمراتب الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم  - «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه»، لكن لا بد مـن التغييـر، وأقـل المراتب التغيير بالقلب.

الحكمة من الفتن والبلايا

        بين رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ: د. محمد الحمود النجدي أنَّ من سنن الله -تعالى- في خلقه ابتلائهم وامتحانهم، حتى يتبين الصادق في إيمانه، الصابر على بلائه، من ضده وهو الكاذب أو الضعيف في إيمانه، ومن يجزع عند بلائه، قال -تعالى-: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت:2-3 )، أي: فليعلمن الله ذلك ظاهرا يظهر للوجود، ليترتب عليه الجزاء، ويظهر فيهم ما علمه الله منهم في الأزل بعلمه السابق، إذ أن الله -تعالى- من رحمته: أن لا يعاقب عباده على ما علم أنه سيكون منهم، قبل أن يعملوه، وقال -سبحانه-: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء:35).

أسباب الوقوع في الفتن

        ثم بين الشيخ النجدي أنَّ من أهم أسباب الوقوع في الفتن الجهل واتباع الهوى، فالجهل آفة عظيمة، وداء عضال، وهو مع الظلم أصل كل شر وبلية، كما قال -تعالى-: {وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب: 72)، والمراد به الجهل بالله وبدينه وشرعه وبنبيه - صلى الله عليه وسلم - وسيرته وهديه، وعدم معرفة ذلك على الحقيقة، وعدم فهم الدين كما فهمه السلف الصالح -رضوان الله عليهم-، أهل العلم والتقى والاستقامة على الصراط المستقيم، فمن لم يعرف الحق كيف يتبعه؟ ومن لم يعلم السنن كيف يطبقها ويعمل بها وكيف تكون له نية المتابعة وهو لا يعرف ما يتابع فيه فالجاهل يسير على غير هدى ولا منهاج. وأما اتباع الهوى فيسارع بصاحبه في الفتن؛ إذ ليس له إمام يتبعه بحق، بل يتبع ما تهواه نفسه دون ضابط، والنفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي، قال -تعالى-: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}، وقال -سبحانه-: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} (النجم:24)، فالمؤمن متبع الهدى، لا متبع الهوى، وقال -تعالى-: {ومالهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}.

استطلاع رأي

  • أشار  93% من العينة إلى ضرورة عدم الخروج على ولي الأمر  وأنه يحدث من جرائه فتن عظيمة ومخالفة شرعية كبيرة فقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الخروج عليهم فبسببه تحدث الفوضى ويقتل الأبرياء
  • أكد  93% من العينة أهمية الاتحاد والتعاون بين المسلمين لدرء الفتن التي تحيط بهم ولا طريق إلى ذلك إلا بالعودة إلى الله والتَّفاهم والحكمة وقيام العلماء وولاة الأمور بما أوجب الله عليهم
  • رأى 98% من العينة أن ما يمس الدين من شبهات وعقائد باطلة هي الأكثر تأثيرا في المجتمعات المسلمة فهي تترك أثرا بالغا في نفوس العامة من المسلمين كالعقائد الباطنية والأفكار الإلحادية والخرافات الشركية والمعتقدات الباطلة
  • أكد 89% من العينة أن الحروب تؤدي إلى إثارة الفتن وتشيع عدم الأمن الذي هو أساس في تقدم الأمم
  • أجمع  100% من العينة على أن الحل هو بالعودة إلى الدين الحق فإنه الملاذ لكل شيء والمنجى من كل شيء والدين هو الغاية
  • شدد أكثر من 94% من العينة على خطورة الفتن التي تمس الأخلاق والقيم فهي التي تبنى عليها الأمم
  • أوضح  91% من العينة أهمية حقوق الإنسان وأن سلب هذه الحقوق قد يؤدي إلى فتن عظيمة وكبيرة في المجتمعات المسلمة
  • أشار 94% من العينة إلى أهمية حماية المجتمع من الشبهات الفكرية والعقدية وأخطرها الانحراف في العقيدة كالوقوع في الشرك
  • أجمع  100% من العينة على أن الحل هو بالعودة إلى الدين الحق فإنه الملاذ لكل شيء والمنجى من كل شيء والدين هو الغاية
  • أكد 89% من العينة أن الحروب تؤدي إلى إثارة الفتن وتشيع عدم الأمن الذي هو أساس في تقدم الأمم
 

     استطلعت (مجلة الفرقان) الرأي حول ( المخرج من الفتن وسبل النجاة منها)، شارك في هذا الاستطلاع مجموعة من المختصين وأصحاب الرأي، وقد دار حول سؤالين، الأول هو: (من وجهة نظرك ما أكثر الفتن تأثيرا في المجتمع المسلم؟)، والثاني هو: ما المخرج من الفتن من وجهة نظرك؟ وأي النقاط الأكثر تأثيرا في الخروج من الفتن والنجاة منها؟). أما السؤال الأول فقد كانت الإجابات عليه كالتالي:  1 - التي تمس الدين وثوابته وأصوله: فقد رأى 98% من العينة أن ما يمس الدين من شبهات وعقائد باطلة فهي الأكثر تأثيرا في المجتمعات المسلمة؛ فهي تترك أثرا بالغا في نفوس العامة من المسلمين كالعقائد الباطنية والأفكار الإلحادية، والخرافات الشركية، والمعتقدات الباطلة فمثل هذه تترك أثارا كبيرة على المجتمعات  المسلمة، ومن الفتن العقائدية بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم - هي ارتداد كثير من الأعراب عن الإسلام، ومنع طوائف منهم للزكاة، ثم حدثت بعد ذلك فتنة مقتل عثمان - رضي الله عنه -، وفتن أخرى تلت ذلك ومنها فتنة خلق القرآن في فترة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله. 2 - التي تمس الأخلاق والقيم وقد شدد أكثر من 94% من العينة على خطورة الفتن التي تمس الأخلاق والقيم، فهي التي تبنى عليها الأمم، قال -تعالى-:  {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}(الإسراء:16). وقال ابن خلدون: «إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرذائل وسلوك طريقها، وهذا ما حدث في الأندلس وأدى فيما أدى إلى ضياعه». ومن أنواع الأخلاق السيئة وانعدام القيم:  الأنانية وحب الذات، والتشبه بالعدو وتقليده، و انتشار الإباحية. 3 - التي تدعو إلى الخروج على ولي الأمر وقد أشار  93% من العينة ضرورة عدم الخروج على ولي الأمر، وأنه يحدث من جرائه فتن عظيمة ومخالفة شرعية كبيرة؛ فقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم - عن الخروج عليهم، وفيه تحدث الفوضى وقتل الأبرياء إلى غير ذلك، وقال -صلى الله عليه وسلم -: «أدوا إليهم حقهم، واسألوا الله الذي لكم»  وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من حمل علينا السلاح، فليس منا»، وقال -صلى الله عليه وسلم -: «من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه كائنًا من كان». فالخروج على ولاة الأمور لا يجوز إذا كان يسبب فتنًا وشرا. 4 - التي تناقض حقوق الإنسان وتسلبه أبسط متطلباته أوضح  91% من العينة إلى أهمية حقوق الإنسان وأن سلب هذه الحقوق قد تؤدي إلى فتن عظيمة وكبيرة في المجتمعات المسلمة،  قال -تعالى-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلً} ( الإسراء:70). ومن الحقوق الأساسية للإنسان في الإسلام،  حق الحياة وقال - صلى الله عليه وسلم -: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر». وحق الكرامة؛ فيحرم قهر الإنسان وإذلاله، كذلك حق الحرية فالإنسان حر في ملكه وماله  وحريته الشخصية في  حدود الشرع الحنيف. وأيضا حق التعليم الشرعي وتحريم كتمان العلم. وكذلك حق التملك والتصرف فالمسلم له حُرِّيَّة التصرُّف فيه بالبيع، والشراء، والإجارة، والرهن، والهبة، والوصية، وغيرها من أنواع التعاملات المباحة. وحقوق العمال والمرأة والطفل وعلى رأس هؤلاء حقوق الوالدين والأبناء والزوجين والأرحام، قال -تعالى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (النساء:36)، وأيضا حقوق غير المسلم في الإسلام. 5 - التي بسبب ظلم القوانين والأنظمة وعدم ملائمتها لاحتياجات الناس وقد بين 79% من العينة إلى أن ظلم القوانين والأنظمة وعدم ملائمتها لاحتياجات الناس سبب مهم في إثارة الفتن في المجتمع المسلم ولا سيما وأن الاسلام يحث على العدل في كل شيء قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} ( النحل:90). ولقد حرم الله الغش فقال - صلى الله عليه وسلم -: «من غش فليس منا»، وحذر - صلى الله عليه وسلم - من أخذ شيء بغير حق  فقال: «مَن أخَذَ شيئًا مِنَ الأرْضِ بغيرِ حَقِّهِ، خُسِفَ به يَومَ القِيامَةِ إلى سَبْعِ أرَضِينَ». 6 - التي بسبب الحروب وسفك الدماء وانعدام الأمن وقد أكد 89% من العينة على أن الحروب تؤدي إلى إثارة الفتن، وتشيع عدم الأمن الذي هو أساس في تقدم الأمم، وقد قال -صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، ويَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وتَظْهَرَ الفِتَنُ، ويَكْثُرَ الهَرْجُ، وهو القَتْلُ القَتْلُ» وارتبطت الحروب والقتل بقلة العلم وظهور الفتن. 7 - التي تحدث بسبب التعدي على الأعراض وقد أشار  82% من العينة إلى خطورة التعرض للأعراض، وقد نهى -تعالى- عن إيذاء المؤمنين في أعراضهم فقال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} (الأحزاب:58)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه».

أما السؤال الثاني وهو كيفية المخرج من الفتن فقد كانت الإجابات عليه كالتالي:  1 - بالعودة إلى الدين الصحيح وقد أجمع  100% من العينة على أن الحل هو بالعودة إلى الدين الحق؛ فإنه الملاذ لكل شيء والمنجى من كل شيء، والدين هو الغاية قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات:56)، وقال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:21)، وقوله - عز وجل-: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران:19) وبهذا يتضح أن أصل الدين عبادة الله وحده، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله،  وألا يعبد إلا بشريعة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقال صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدِينَ الهادِينَ عَضُّوا عليها بالنواجِذِ». 2 - بالاتحاد والتعاون والتكامل وقد أكد  93% من العينة إلى أهمية الاتحاد والتعاون بين المسلمين لدرء الفتن التي تحيط بهم، ولا طريق إلى ذلك إلا بالعودة إلى الله، والتَّفاهم، والحكمة، وقيام العلماء وولاة الأمور بما أوجب الله عليهم من الدَّعوة والتَّوجيه والإلزام بالحقِّ؛ فإن هم فعلوا اجتمعت كلمةُ المسلمين، وزال عنهم الشرُّ، واستقاموا على الحقِّ. 3 - بالحد من الشائعات ونقل الأخبار دون تثبت وقد أوضح 89% من العينة إلى أهمية الحد من الشائعات ونقل الأخبار دون تثبت؛ فالإشاعات أمرها خطير، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، ولا شك أن الغيبة و الكذب جريمة في حق الأفراد، وكذلك في حق المجتمع، والأمن. 4 - بالبعد عن الشهوات والمعاصي وقد بين 98% من العينة أهمية البعد عن الشهوات والمعاصي درءا للفتن، وطريق النَّجاة هو الحذر من أسباب الفتنة: في غضّ البصر، وعدم الخلوة بالنساء -بالمرأة الأجنبية-، وعدم صحبة الأشرار، والحرص على صحبة الأخيار ومن أعظم أسباب النَّجاة: صحبة الأخيار، والحرص عليهم، ودروس العلم. 5 - بحماية المجتمع من الشبهات الفكرية والعقدية وقد أشار 94% من العينة إلى أهمية حماية المجتمع من الشبهات الفكرية والعقدية، وأخطرها الانحراف في العقيدة، كالوقوع في الشرك قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء: 48)، وأيضا الغلو الذي حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم -، قال: « أيها الناس إياكم والغلو في الدين! فإن ما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»، ومن ذلك الخوارج، وهي من شر الفرق وأعظمها خطرًا. قال -صلى الله عليه وسلم -: «افترقت اليهود: على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كانت على ما أنا عليه وأصحابي». 6 - بالمحافظة على القيم والأخلاق وقد أكد 98% من العينة أهمية المحافظة على القيم والأخلاق لتجنب الفتن، ولحسن الخلق في الإسلام مكانة خاصة، قال -تعالىواصفا نبيه -صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم - لخص رسالة الإسلام بأنها تتميم مكارم الأخلاق كما في الحديث: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق». وقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»، وقال -صلى الله عليه وسلم -: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون». 7 - بتربية الشباب على ثوابت الدين ومكارم الأخلاق وقد أوضح 95% من العينة أهمية تربية الشباب على ثوابت الدين ومكارم الأخلاق لبناء جيل قوي يجابه الشبهات والشهوات، وقد أحاط الإسلام الشباب بمزيد عناية؛ لما لهم من تأثير في الحياة، من خلال  حمايتهم من الآفات، ليحفظ عليهم دينهم، وينمي فيهم الولاء لله ولدينه؛ ولذلك أمرهم بغض البصر وحفظ الفرج، وحثهم على الزواج لأجل ذل، وترغيبهم في الفضائل ومحاسن الأخلاق، وبيان فضيلة ذلك وأثره، ففي الحديث: «إن اللّه يحب معالي الأخلاق ويكره سَفْسَافها». 8 - بالمحافظة على كيان الأسرة وحمايته من التغريب والعلمنة وقد أشار 93% من العينة إلى أهمية المحافظة على كيان الأسرة، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم: 6) وذلك من خلال تنشئة الأبناء على الإيمان بالله -تعالى- وكتبه ورسله، ومحبة الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم -، والتربية الإيمانية بأصول الدين، وبأركان الإيمان، وبأركان الإسلام، بحقائق النبوات، بمنهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وبتفسير القرآن، وبسيرة الصحابة الكرام

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك