رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد أحمد العباد 18 مايو، 2015 0 تعليق

المجموعة البهية من ألقاب المسائل الفقهية (5)

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه المقالة الخامسة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث؛ حيث أفردها بعض أهل العلم، فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى، واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة، ورتبتها على حروف المعجم، فإلى المادة:

1 – مسألة (الدجاجة واللؤلؤة):

هذه المسألة من الفروع الفقهية لقاعدة (الضرر يزال) (1)، ومسألة الدجاجة واللؤلؤة صورتها أن يغصب الغاصب دجاجةً ولؤلؤة، فتبتلع الدجاجة اللؤلؤة، فيقال له: إن لم تذبح الدجاجة، غرّمناك اللؤلؤة، وإن ذبحت الدجاجة غرَّمناك الدجاجة واستخرجنا اللؤلؤة ليأخذها مالكها. (2)

 2 – مسألة (الدهشة):

     لو سرق رجلٌ أو قطع غيره اليدَ اليمنى لشخصٍ آخر ؛ فإن الواجب الشرعي هنا هو قطع يده اليمنى من باب القِصاص أو من باب تطبيق الحد، ولكن صورة مسألة الدهشة تتمثل فيما لو أن الشخص الذي يطبق عقوبة القطع قطع اليد اليسرى بدل اليمنى لسبب من الأسباب كأن يقول السارق مثلاً (ظننت أن اليسرى هي اليمني فأخرجتها) أو يقول: (دهشت فأخرجتها)، أو يقول القاطع: (ظننت أن اليسرى تجزئ عن اليمنى فقطعتها) أو نحو ذلك من الأسباب قال في «مغني المحتاج» (5/ 285): «فهذه المسألة تسمى مسألة الدهشة». اهـ وقد اختلف الفقهاء (3) فيما يترتب على ذلك الخطأ هل يضمنه الإمام؛ بحيث يعوَّض من قُطِعت يده وتُقطع يده اليمنى؟ أم قد أجزأه قطع اليسرى فقط؟ ومعنى (دهش) كما هو معلوم لغةً أي: تحيَّر و ذهب عقله من الذهل ومن الفزع ونحوه. (4)

 3 – مسألة (الدولابية):

وهذه التسمية تَرِدُ في مذهب المالكية لمسألة تتمثل فيما لو: شكَّ زوجٌ هل طلَّق زوجته طلقةً واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً فماذا يترتب على ذلك؟

ينص بعض فقهاء المذهب المالكي على:

1 – أنها لا تحلُّ له إلا بعد أن تتزوج زوجاً غيره ؛ وذلك لوجود الشك والاحتمال في كونه قد طلقها ثلاثا.

2 - ولكن بعد أن فارقها الزوج الجديد عاد الأول وتزوجها ثم طلَّقها مرةً أخرى!.

فهنا يربط بعض المالكية بين عدد الطلقات في كلٍّ من زواجيه الحالي مع الطلقات التي شك في عددها من زواجه الأول، فيقولون: (لو طلقها بعد زواجه الثاني مرةً أو اثنتين، فإنها لا تحل إلا بعد زوج)، وذلك لوجود احتمال أن يكون عدد الطلقات التي شك فيها من زواجه الأول طلقتين فقط فتكون هذه هي الثالثة.

3 - ثم أيضاً تزوجها رجلٌ آخر وطلَّقها، فعاد إليها زوجها الأول للمرة الثالثة ثم طلَّقها مرةً أخرى!

فهنا كذلك يُربط عند بعض المالكية بين عدد الطلقات في كلٍّ من زواجيه الحالي مع الطلقات التي شك في عددها من زواجه الأول، فيقولون أيضاً: «لو طلقها بعد زواجه الثالث، فإنها لا تحل إلا بعد زوج» وذلك لوجود احتمال أن يكون عدد الطلقات التي شك فيها من زواجه الأول طلقة واحدة فقط؛ بحيث تكون طلقة زواجه الثاني هي الثانية، وطلقته بعد زواجه الثالث هي الثالثة.

وجاء في (المعيار المعرب للونشريسي) (4/ 282–283 باختصار وتصرف يسير.

هذه المسألة هي الملقبة في المذهب المالكي بـ(الدُّولابيّة)، لبقاء الشك ودَوَرانِهِ فيها على قول ابن القاسم.

وفيها كتب شيخ دولة الموحدين بتونس في زمانه الشيخ الحاجب أبو محمد عبد الله بن تافراجين لما نزلت به هذه المسألة نفسها إلى شيخ فقهاء المالكية في تونس الشيخ أبي عبد الله ابن عرفة رحمه الله، وخاطَبه بأبياتْ فيها محاسن وآياتْ، فقالْ وأجاد في المقالْ:

يا دوحةَ الأدبِ المُصَوَّرِ في العُلا

                                      منك استَطَبنا الطَّعمَ والمشموما

أَوْرَتْ زنادك في العلومِ فأصبَحَت

                                      تُهدِي إليكَ نفائساً وعُلوما

ماذا ترى لمُتَيَّمٍ لَعِبَت بهِ

                                      أيدي الزمانِ فصَبَّحتهُ هَشِيما

ذِي زوجتينِ كريمتينِ مِن العُلا

                                      أصلاً وفرعاً زادَتا تكريما

بيضاوتانِ عليهما نَسَجَ الحَيا

                                      حُلَلاً فأصبَحَتَا بذاك نظيما

أبدى اليمينَ بزوجتيهِ ولم يكن

                                      يدري مراداً قالَ أو تَحرِيما

ولقد يجولُ بِفكرِهِ في رأسهِ

                                      ويُمَحِّصُ الأوهام والتقسِيما

فيعود وهو مُشَكَّكٌ في أمرِهِ

                                      قد كان يمنعُ جفنَهُ التنوِيما

أفصِح فديتُكَ ما سألتُ مُحَقِّقاً

                                      تجلو عُلاه وتمنع التَّعلِيما

 

فأجابه الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الله ابن عرفة -رحمه الله- قائلاً:

يا من غَدَا مثلاً لحُسنِ فعالِهِ

                                      ومقالِهِ المعقولِ والمنقولِ

يا مَن نتائج فِكرِهِ معلومةٌ

                                      بالصدقِ مِثلَ دفاعِهِ المأمولِ

مَن شَكَّ في عددِ الطلاقِ لحنثهِ

                                      في حلفهِ بمقالهِ المبذولِ

 مشهورُ مذهبِنا يُعَمَّمُ حِنثهُ

                                      في كلِّ معنى شَكِّهِ المدلولِ

ومقالةٌ أخرى تُخصِّصُ حِنثَهُ

                                      بيقِينِهِ لا شَكِّه المحلولِ

وَجْهاهُما استصحابُ حكمٍ سابق

                                      مُتَيَقَّنٍ أو لاحقٍ مجهولِ؟

فانظر بعين كمالِكُم ومجالكم

                                      في مَنزَعاتِ العقلِ والمنقولِ

حواشي

(1) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (28/ 181)

(2) انظر: عيون المسائل للسمرقندي الحنفي (ص 230)، نهاية المطلب للجويني (14/ 453)، تحفة المحتاج للهيتمي (8/ 175)

(3) انظر: تبيين الحقائق للزيلعي (3/ 227) الذخيرة للقرافي (12/ 184)، نهاية المطلب للجويني (16/ 273)، الكافي لابن قدامة (3/ 277)، الموسوعة الفقهية الكويتية (19/ 173)

(4) تاج العروس (17/ 209)

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك