رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد أحمد العباد 9 يونيو، 2015 0 تعليق

المجموعة البهية من ألقاب المسائل الفقهية (7)

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه المقالة الخامسة ضمن سلسلة مقالات تدور حول بعض المسائل المنصوصة في كتب الفقهاء بألقابٍ وتسمياتٍ مخصوصة، إما تمييزاً لها عن غيرها من المسائل، أو لخروجها عن القواعد المطَّردة والأصول المقررة لدى بعض الأئمة، أو نسبةً للمفتي في تلك المسألة أو للمستفتي أو لعبارةٍ وردت ضمن الفتوى، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد أعرضتُ عن المسائل المتعلقة بأحكام المواريث؛ حيث أفردها بعض أهل العلم، فاكتفيت بالمسائل الفقهية في الأبواب الأخرى، واجتهدتُ في إيضاحها وإيجازها بغير إطالةٍ تؤدي إلى الملالة، ورتبتها على حروف المعجم، فإلى المادة:

1 – مسألة (ضع وتَعَجَّل):

     هي مسألة تُذكر في أحكام الصلح في الديون، وصورتها: أن يكون لرجلٍ على آخر دينٌ مؤجل، فيتصالحان على أن يعجل المدين بالسداد قبل حلول الأجل مقابل أن يُسقِط عنه الدائن جزءاً من الثمن، قال شهاب الدين البرنسي– الشهير بـ(زروق) – في «شرح الرسالة» (2/ 747): «هذه المسألة تسمى عند الفقهاء (ضع وتعجل)». اهـ وسبب تسميتها بهذا الاسم هو حديثٌ ضعيف الإسناد روي عن عكرمة عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: إن النبي صلىالله عليه وسلم حين أمر بإخراج بني النضير من المدينة جاءه أناسٌ منهم , فقالوا: «إن لنا ديوناً لم تحل» , فقال صلى الله عليه وسلم : «ضعوا وتعجلوا» (1)، وأصحّ من هذا الحديث سنداً ما ثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه سُئِلَ عن الرجل يكون له الحق على الرجل إِلى أجل، فيقول: «عجِّل لي، وأضع عنك»، فقال: «لا بأس بذلك».(2)

وقد اختلف فيها الفقهاء على ثلاثة أقوال: وهي أولها: الجواز، وثانيها: التحريم، وثالثها: الجواز في دين العبد المكاتب فقط، وبجوازها صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة(3)، والله أعلم.

2 – مسألة (الظَّفَر):

     وهي مسألةٌ تُذكر في أبواب فقهية مختلفة ومعناها أن يكون لشخصٍ حقٌ على شخص آخر يرفض أداءه، ويتعذر استيفاء ذلك الحق عن طريق القضاء، فهل يجوز استيفاء ذلك الحق من غير قضاء ومن غير رضا الشخص الذي عليه الحق؟ قال الزركشي في (شرح مختصر الخِرَقي) (7/ 424): هذه المسألة تلقب (بمسألة الظفر). اهـ وهي مسألة عظيمة الخطر، اختلف فيها الفقهاء من حيث الجواز والحرمة إلا أن أصحاب هذه الأقوال رغم اختلافهم قد ضبطوا موضع الخلاف هنا بضوابط، منها: ألا يكون من عليه الحق ممتنعاً لأمر خارج عن قدرته كالإعسار مثلاً، وألاّ يفضي استيفاء الحق إلى فتنة، وألا يُنسب صاحب الحق إلى رذيلة كَأَنْ يُعد سارقاً ونحو ذلك، وألاّ يكون الحق المراد استيفاؤه عقوبة كالقصاص والحدود.(4)

 3 – العينة:

مسألة (العينة) من المسائل المعروفة في أبواب الربا، وهي وإن كان لها أكثر من صورة إلا أن أكثر الصور شهرة وتبادراً عند الإطلاق هي كالآتي:

أ - أن أبيع سلعةً مقابل ثمن مؤجل يُسدِّده لي المشتري في وقت لاحق.

ب – ثم أقوم بشراء السلعة نفسها التي بِعتها ومن المشتري نفسه أيضاً ولكن بثمنٍ أقل(5) أسلِّمُهُ للمشتري عاجلاً لا آجلاً.

قال ابن قدامة في «المغني» (4/ 132): «من باع سلعة بثمن مؤجل، ثم اشتراها بأقل منه نقدا لم يجز في قول أكثر أهل العلم...، وهذه المسألة تسمى مسألة العينة، قال الشاعر:

أنَدَّانُ؟ أم نَعْتَانُ؟ أم ينبرِي لنا... فتىً مثل نَصْلِ السيفِ مِيزَت مَضَارِبُهُ؟». اهـ

     وهناك صور أخرى للعينة، مثل: أن أبيع سلعتي بثمنٍ مؤجل ثم أشتري سلعتي بثمن مؤجل بأجل أبعد. أو مثل: أن أبيع سلعتي بثمنٍ أستلمه عاجلاً ثم أقوم لاحقاً - عند أَجلٍ ما - بشراء سلعتي من الشخص نفسه ولكن بثمنٍ أعلى، وهناك من الفقهاء من أدخل التورق والمواعدة الملزمة على الشراء في مسألة «العينة» وغير ذلك من الصور، إلا أن جميع هذه الصور ليست محل اتفاق بين المذاهب كما أنها ليست في حكمٍ واحد، والصورة الأولى تكاد تكون أشهر صور العينة كما سبق، والله أعلم.(6)

الحواشي:

(1) أخرجه الدارقطني في (السنن) (3/ 466) وضعفه إسناده، والحاكم في «المستدرك» (2/ 61) وضعفه الذهبي في تلخيصه المطبوع مع المستدرك.

(2) أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (8/ 72)

(3) انظر للاستزادة: بحوث في قضايا فقهية معاصرة للعثماني (ص 25)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة للدبيان (11/ 509)

معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء لنزيه حماد (ص 290)

(4) انظر: المغني لابن قدامة (12/ 229)، روضة الطالبين للنووي (8/ 282)، قواعد الأحكام للعز ابن عبد السلام (ص333)، الذخيرة للقرافي (11/ 15)، فتح الباري لابن حجر (5/ 400)، الإنصاف للمرداوي (11/ 311).

(5) أما إن اشتراها بالثمن نفسه أو بأكثر منه فلا خلاف حينئذ في الجواز. انظر: أحكام القرآن للجصاص (1/ 637)

(6) انظر: الاستذكار لابن عبد البر (19/ 247)، المحلى لابن حزم (7/ 548)، المنتقى للباجي (4/ 167)، الشرح الكبير لأبي الفرج ابن قدامة (4/ 46) إعلام الموقعين لابن القيم (3/ 135)، تبيين الحقائق للزيلعي (4/ 54)، الفروع (4/ 169)، الإنصاف (4/ 335)، تكملة المجموع للسبكي (10/ 145)، حاشية ابن عابدين (5/ 405)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة للدبيان (11/ 394)، الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها للثنيان(2/ 577)

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك