رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد الشحات 22 مارس، 2018 0 تعليق

المبتدعة ثلاثة أصناف: من أهل القبلة وغلاة ووسط ولايكفر إلا من كفره الله ورسوله

 

أهل السنة لهم سلوك مميز في تعاملهم مع الناس – برهم وفاجرهم – وهذا السلوك يحاولون فيه اتباع القواعد الشرعية والضوابط المرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية، وما ذلك إلا رغبة في أن ينأوا بأنفسهم عن مسرح الأهواء الشخصية والأذواق الفردية أو حتى الأعراف المجتمعية – وهي تُحترم أحياناً وتُرفض في أحيان أخرى، و تتفاوت فيها النظرات والاجتهادات تفاوتاً كبيراً، والأخطر من ذلك أننا ربما لا نمتلك وقتها آلة الحسم التي تقضي على الخلاف وتخلصنا من الشقاق, قال تعالى:{كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}.

     والموقف من أهل البدع من الموضوعات التي شغلت علماء العقيدة، وكتبوا فيها مؤلفات ما بين مطول ومختصر؛ لأن أهل البدع شريحة خاصة من الناس وُصفوا بهذا الوصف وفق موازين شرعية حساسة، تضبط بُعد المسافة بينهم وبين المنهج النبوي، وتقيس عمق الهوة بينهم وبين الشرع الحنيف، وبناء على ذلك يتم تحديد الحقوق والواجبات التي لهم وعليهم ، والمنهج القويم في التعامل معهم بلا إفراط ولا تفريط ، ولا مجافاة ولا محاباة.

     وإذا كان الأمر يتعلق بحال الحياة فقد يبدو سهلاً بعض الشيء بسبب ظهور الأحكام في ذلك ووضوح أبعادها، أما في حال الممات؛ فالموت من المواقف العظيمة، التي لها في النفوس وقع وغالباً ما ينكسر الإنسان لها - بغض النظر عن شخص الميت - وهنا ربما تتدخل العاطفة لتوجه سلوك الإنسان نحو مسلك أو آخر، بالتالي نكون في أمس الحاجة إلى الضوابط الشرعية التي تروض العاطفة وتصحح السلوك.

السؤال محل الدراسة

وهنا يكون السؤال محل الدراسة: إذا مات أحد من أهل البدع فهل يجوز لنا أن ندعو له أو نترحم عليه أو نستغفر له؟

     نقول: الأصل في البدع غير المكفرة أن أصحابها من أهل القبلة، فهم مسلمون تجرى عليهم أحكام الإسلام مثلهم مثل باقي المسلمين؛ وبالتالي يجوز الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة والصلاة عليه وغير ذلك من الحقوق المكفولة لموتى المسلمين، إلا أن هذا الأصل يكون له بعض الاستثناءات منها :-

البدع الاعتقادية

(1) أصحاب البدع المغلظة سواء الاعتقادية أم العملية :

     فهم وإن لم يخرجوا عن الملة إلا أن الفجوة بينهم وبين الشريعة ضخمة، وحجم الضرر الذي يعود على المسلمين بسبب هذه البدع كبير؛ لذا يكون الأولى زجرهم بالهجر طالما استمروا عليها في حياتهم وماتوا قبل أن يتوبوا، وقد فرق شيخ الإسلام بن تيمية بين المرجئة الذين قال فيهم: «إن بدعتهم من جنس اختلاف الفقهاء في الفروع وكثير من كلامهم يعود النزاع فيه إلى نزاع في الألفاظ والأسماء»، وبين الجهمية الذى قال فيهم: «المشهور من مذهب أحمد وعامة أئمة السنة تكفيرهم»، بالتالى فمراعاة الفرق بين مراتب البدع مهم، فعليه تتفاوت مراتب النكير ودرجات البراءة.

المعين من أهل البدع

(2)  المعين من أهل البدع إذا كان من المبرزين في بدعته والمشهورين بها :

      لأن أهل البدع يتفاوتون فيما بينهم؛ فمنهم من يكون إماماً مبرزاً في بدعته ينافح عنها ويموت من أجلها، ومنهم من يكون سليط اللسان حاد الكلام على أهل العلم والدين، ومنهم من يُفني حياته في الدعوة إلى بدعته ونشرها بين الناس؛ فهؤلاء جميعاً ممن يُشرع ترك الدعاء لهم والترحم عليهم لزجر الناس عن بدعتهم والتحذير منهم، بخلاف من يكون جاهلاً مقلداً، مغموراً ببدعته مستترًا بها، وبالتالي فشره وفساده محدود بخلاف الصنف الأول.

مصلحة الهجر

3. إذا كانت مصلحة الهجر تربو على مصلحة الوصل :

لا بد من إعمال ميزان المصالح والمفاسد عند تطبيق هذه القواعد؛ فقد تكون المصلحة متحققة في التأليف، وقد تكون متحققة بالزجر والهجر، وعلى حسب وجود المصلحة الدينية الراجحة يتحدد سلوك الفرد.

خلاصة القول

     خلاصة القول: إذا كان الموت يؤثر في القلب، إلا أن هذا لا يصح أن يُنسينا المبادىء الشرعية التي تضبط سلوكنا، وعلى الجانب الآخر؛ فإن الموت ليس محلاً للشماتة ولا للتشفي حتى مع وجود الخلاف الحاد، ويجب ألا ننسى أخلاقنا وحقوق إخواننا المسلمين طالما علمنا أنهم ماتوا على التوحيد وإلا خرجنا عن حدود العدل والإنصاف.

     والعجب ممن يضخم من شأن الخلاف السياسي ويرفعه إلى منزلة المسائل العقدية التي هي من صميم الدين، وعليها تدور أحكام الولاء والبراء، ثم هو بذاته من يتهاون في المسائل الشرعية المنصوص عليها والمقطوع بها من جانب الوحي، ويتذرع بذرائع شتى ما أنزل الله بها من سلطان، هنا يتبين من يكون سلطانه حدود الشرع وضوابط الدين، ومن يكون إمامه دوافعه الشخصية ونزعات نفسه وهواه.

شيخ الإسلام ابن تيمية وأخلاقه مع خصومه

     ولأن المقام لا يتسع لدراسة مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية في تعامله مع خصومه، وكيف تسامت أخلاقه -رحمه الله-؛ فاستطاع الفصل التام بين الانتصار للدين والمنهج والصلابة والشدة في ذلك، وبين اللين والتسامح والغفران في حقوق شخصه وحظوظ نفسه، وكيف وفقه الله للجمع بين العلم بالحق وبين رحمة الخلق على مدار تاريخ جهاده ودعوته الطويل، والنقل الآتي مجرد مثال واحد من قلب تراث ضخم مليء بالدرر الثمينة واللآليء المضيئة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرد على البكري: «أئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة؛ فيعلمون الحق الذى يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم، كما قال الله -تعالى-: {كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}(المائدة : 8) ويرحمون الخلق؛ فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، ولا يقصدون الشر لهم ابتداء، بل إذا عاقبوهم وبينوا لهم خطأهم وجهلهم وظلمهم، كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هى العليا؛ فأعمالهم خالصة لله -تعالى- موافقة للسنة، وأعمال مخالفيهم لا خالصة ولا صواب، بل بدعة واتباع الهوى؛ ولهذا يسمون أهل البدع وأهل الأهواء.

     ولهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم؛ لأن الكفر حكم شرعى؛ فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، كمن كذب عليك وزنى بأهلك، ليس لك أن تكذب عليه وتزنى بأهله؛ لأن الكذب والزنا حرام لحق الله -تعالى- وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وبالضوابط الشرعية التي نص عليها أهل العلم. نسأل الله أن يهدينا وإخواننا سواء السبيل.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك