المؤمن يدور مع الحق حيث دار
الحق ضالة المؤمن، والمسلم يدور مع الحق حيث دار، ضالته التي ينشدها ويسعى إليها طلب الحق، فهو يريد الحق والحق لا يقاسُ أو يعرفُ الخطأ والصواب بالكثرة والقلة، لا يوزن أبدًا لا يوزن الحق بالكثرة أو القلة؛ لأن الحق وإن قل تابعوه فهو كثير ببراهينه وحججه وبأتباعه؛ فالحق لا يوزن بالناس وإنما يوزن الناس بالحق.
وإليك هذا الحديث المخرج في الصحيحين يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عرضت علي الأمم»، أي رأى الأمم يقول: «فجعل يمر على النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرجل، والنبي وليس معه أحد»، أنبياء حملوا الحق، ولكنهم كانوا قلة، هل الحق كان مع غيرهم؟ أبداً، النبي ومعه الرهط والرهط ما بين الثلاثة إلى تسعة، والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرجل، والنبي وليس معه أحد لم يتبعه أحد، الكثرة الكافرة لم تتبع الحق؛ فبقي الحق هو الأبلج هو الواضح.
الأنبياء وقلة الأتباع
فالأنبياء يأتون بقلة من الأتباع يوم القيامة، وبعضهم لا تابع له؛ فهذا نوح -عليه الصلاة والسلام- مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وما آمن معه إلا قليل؛ فليس هذا دليلا على نقصان نبوته حاشى وكلا، ولكن يبقى الحق هو الحق وإن قل تابعوه، فلا يغرنكم كثرة الهالكين.
بدأ الإسلام غريبًا
نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام- يقول: «بدأ الإسلام غريبًا» بقلة أتباعه، وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء، والغريب دائمًا يكون هو الأقل، الغريب بما حمله من فكرٍ وبما حمله من سمتٍ ودينٍ ومنهجٍ هو غريب بين الناس.
حال الأنبياء
فهؤلاء الأنبياء إبراهيم الخليل -عليه السلام- كان أمة هو واحد ولكن بكثرة حججه وقوة الحق الذي معه كان أمة -عليه الصلاة والسلام-، كذلك محمد -عليه الصلاة والسلام- كان لوحده عندما جاء وبعث إلى قريش ولكن نصره الله -سبحانه وتعالى-، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «على رأس كل مائة عام يبعث الله -تعالى- من يجدد لهذا الدين»، نعم هكذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم .
قتال الردة
أبو بكر -رضي الله عنه- أصر على قتال أهل الردة وكان لوحده عندما حاوره عمر بن الخطاب؛ فكان يصر -رضوان الله عليه- بأن يخرج ولو لوحده، واحتج بآية الله -تعالى-: {لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّض الْمُؤْمِنِينَ}، فقال عمر - رضي الله عنه -: ما أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبا بكر للقتال حتى علمت أنه الحق، والإمام أحمد بن حنبل في فتنته وقف وقفة الرجال وما انصاع إلى مقولة أهل الأهواء والزيغ والضلال بفتنة خلق القرآن وكان لوحده؛ فكثرة الخصوم وكثرة سوادهم ليست دليلاً على حقٍ.
أتعرف الحق بالرجال؟
عليٍ يقول -رضوان الله عليه-: أتعرف الحق بالرجال؟ اعرف الحق تعرف الرجال، ابحث عن الحق تعرف رجال ذلك الحق ولا يغرنك كثرة الهالكين.
مقولة فرعونية
ولا يحتج عليك بقول فرعون: فما بال القرون الأولى؟ هذه مقولة فرعونية يعني مَنْ ذهبوا كلهم على باطل؟ هذه حجة فرعون عندما أراد أن يحج بها موسى -عليه الصلاة والسلام- قال: فما بال القرون الأولى وهذه حجة فرعونية ولعياذ بالله فلا تستوحش قلة السالكين معك.
ذم الكثرة
يبين الله -تعالى- بل يذم الكثرة؛ فالكثرة مذمومة في كتاب الله العزيز، اسمع يا رعاك الله طائفة من آيات الله -تعالى-، قال الرحمن: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (الأنعام:116)، الظن الخالي من الدليل الظن المتبع للهوى والعاطفة، العاطفة التي تردي صاحبها الردايا.
وقال الله -سبحانه وتعالى- في معرض ذم الكثرة والاعتبار بالآيات والبراهين يقول: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (الشعراء:9)، كررها الرحمن الرحيم في سورة الشعراء بعد كل قصة من قصص الأنبياء وكيف أن الأنبياء قد أظهروا البراهين والحجج، يكرر الرحمن -تعالى- هذه الآية ويقول إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم.
القلة في القتال
في القتال مدح الله -تعالى- القلة، وذم مقولة الصحابة عندما اغتروا بكثرتهم: لن نغلب اليوم من قلة، نحن الكثرة الكاثرة لن نغلب من قلة جاؤوا من هوازن ومن نجران ومن غيرهم لن نغلب اليوم من قلة، فالله -سبحانه وتعالى- أدبهم بأن هُزم الجيش {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا}.
ذكر الشكر
وفي معرض ذكر الشكر يقول الله -تعالى-: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، أي الكثير لا يشكر الله -سبحانه وتعالى-، وبمعرض التجارة يبين أن كثيراً من الخلطاء أي الشركاء ليبغي أي يظلم بعضهم على بعض وقليل ما هم، قليل من يحقق العدل.
الاعتقاد والتوحيد
وفي الاعتقاد والتوحيد قال -عز من قائل-: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ}، لا يؤمنون ولا يشهدون أن لا إله إلا الله، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف:106)، إلا ويخالط إيمانهم الشرك، الشرك يخالط ذلك الإيمان فيعتقدون بالطيرة والتطير، ويتخذون ما لا ينفعهم ولا يضرهم حماية، كمن يضع الحدوة أو العين الزرقاء أو ما شابه ذلك معتقدين أن فيها النفع والضر عادوا من حيث هربوا منه عادوا إلى الشرك مرة ثانية، وما يؤمن أكثرهم إلا وهم ومشركون.
الإمعة
فمن كان حاله أنه مع الكثرة فهذا هو الإمعة، يقول: أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت؛ فهذا قد ذمه الله -تعالى- ذمه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تكن إمعة». ولكنه يتبع كل ناعق وكل ذي صوتٍ عالٍ، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ} (الصافات:71)، وقال -عز من قائل-: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (الزخرف:78)، وقال -عز من قائل-: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ}.
الحق لا يتبع الهوى
الحق لا يتبع الهوى؛ فلو اتبع الحق الهوى لفسدت هذه السموات والأرض ولكن الحق أبلج والهوى ضالٌ يتلجلج بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون، ولختام هذه الآيات يقول الرحمن: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ}.
واستكمالاً لبعض الأدلة وقبل أن أنطلق إلى نقطتين تتعلقان بهذا الأمر نقول: ارجع إلى حديث الافتراق، ألم يقل نبينا الكريم «افترقت اليهود على بضعٍ وسبعين شعبة»، وكذلك مثلهم النصارى، ثم قال في حق المسلمين: «وستفترق أمتي إلى بضعٍ وسبعين شعبة كلها في النار إلا واحدة».
الطائفة المنصورة
ولا يعني أن كل تلك الفرق في النار أنها كافرة أبداً، المسلم قد يستحق دخول النار بسبب أعماله القلبية أو العملية، ولكنه في النهاية من أمة محمد أمة الدعوة أو أمة الاستجابة لابد أن تدخل جنات النعيم الموحدون منهم.
مسألتان مهمتان
- المسألة الأولى: إذا تزاحمت الحقوق متى نرجع إلى الكثرة؟ متى نعول على الكثرة؟ إذا تزاحمت الحقوق ولم يتبين لنا مرجح، والكل يدعي الحق له، هنا نأتي إلى الكثرة كالانتخابات مثلا في أي مكان انتخابات مجلس أمة أي انتخابات تزاحمت الحقوق كلٌ يقول أنا أحق بهذا المكان ما المخرج؟ التصويت الذي يأخذ أكثر أصوات هو الذي سيجلس على هذا المكان لماذا؟ لأن الحقوق تزاحمت وفق الضوابط والشروط التي قد نصت عليها تلك القوانين.
الحذر من الكثرة
وأما المسألة الثانية والأخيرة: الحذر، الحذر الحذر من الكثرة الموهمة نحن اليوم نعيش في زمن يظن الظان أن هذه الكثرة عبر ما يسمى بالسوشيال ميديا أو التواصل الاجتماعي والهشتاجات، قد ينبري أو تنبري طائفة بالدفاع عن رجلٍ أو غيره؛ فيظن الظان أن الحق معهم وهو لا ينظر، إلا من فتحة ضيقة، فإذا به ينظر إلى هشتاجات كثيرة وينظر إلى اندفاعٍ قوي عبر هذه الهشتاجات، فيقول هذا هو الحق، نقول: أبداً انتبه ولا يغرنك مثل هذه الوسائل؛ فإنها توهمك بالكثرة ولكن يبقى الحق واضح أبلج.
لاتوجد تعليقات