رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إبراهيم جاد 17 يونيو، 2020 0 تعليق

اللهم أنت ربي وأنا عبدك

  

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والعبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقارًا إليه وخضوعًا له، كان أقرب إليه، وأعز له، وأعظم لقدره، فأسعد الخلقأعظمهم عبودية للهوأما المخلوق فكما قيلاحتج إلى مَن شئت تكن أسيره، واستغن عمَن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى مَن شئت تكن أميره» (مجموعالفتاوى).

     ما أجمل أن يطوق العبد بزمام العبودية لله -تعالىفي السراء والضراءوأن يدور في فلكها، ولا يخرج عن إطارها؛ فلا يغمض طرفًا إلا بها ولا يفتح عينًا إلا عليها، شعاره التسليم، وعنوانه الإذعان، ويقوده القلب الممتلئ بالرضا بقضاء الله وقدره، والمنكسر بين يديه، والذليل على بابه، فيطير بجوارحهبجناح الخوف، ونظيره الرجاء، فيكتمل فيه الحب.

فإذا خوّفه الناس مِن الفقر قال بأعلى صوته«اللهم أنت ربي وأنا عبدك، فظني بك ربي يفوق كل ظن».

وإذا ضاقت الأحوال، واشتدت الكروب، وعظم البلاء، وظهر الوباء، ودبّ الرعب بين أصقاع الناس، فيعلنها بملء فيه قولًا وعملًا«اللهم أنت ربي وأنا عبدك».

إذا تسلط الأعداء وقوي علينا الجبناء، وتجرأ سفهاء الأرض من كفار ومشركين ووثنيين؛ فيزداد ثقة بموعود الله ونصره، ويعظم يقينه فيه، ويقول«اللهم أنت ربي وأنا عبدك».

إذا أقبلت الفتن وأشربتها القلوب الضعيفة، وتزعزعت منها ورددتها ألسنة ضعاف الإيمان والمنافقين، وأصحاب الأهواء، فيرفع يديه إلى ربه -جل وعلا-، ويقول«اللهم أنت ربي وأنا عبدك».

فمِن ثمرات العبودية الحقة لله -تعالى:

صدق اللجوء والتوكل على الله -تعالىفي كل أمر، ومع كل شأن، وفي كل ظرف، وعلى أية طريق آخذًا بالأسباب المعينة، والوسائل المتاحة، والفرص المطروحة معظمًا المسبب -جل وعلا-، قال الله -تعالى-: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة:51).

«قل -أيها النبيلهؤلاء المتخاذلين زجرًا لهم وتوبيخًالن يصيبنا إلا ما قدَّره الله علينا، وكتبه في اللوح المحفوظ؛ إذ هو ناصرنا على أعدائنا، وعلى الله وحده فليعتمد المؤمنون به» (التفسير الميسر)، وقال ابن القيم -رحمه الله-: «ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبلٍ مِن مكانه، وكان مأمورًا بإزالتهلأزاله» (مدارج السالكين).

طمأنينة القلب، وراحة البال وهدوء النفس، واليقين الراسخ بأنه لن يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن من غير تدبيرٍ مِن الله -تعالى-، وبتقديره، وعلى مراده، قال الله -تعالى-: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (الجاثية:20).

أنها سبب للثبات في الفتن والمحن حتى وإن تخلى عنك البشر كلهم، قال الله -تعالى-: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلٌّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ} (إبراهيم:27).

أن الله يدافع عنا (نحن معاشر المؤمنين)، ويرفع عنا كل بلاء ومكروه وشر، قال الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (الحج:38).

الحياة الطيبة التي نبحث عنها جميعًا، ويلهث وراءها الناس (الكافر منهم والمسلم)، لا يفوز بها إلا المؤمنون؛ قال الله -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97)، فاللهم أنتَ ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفتبذنبي، ولا يغفر الذنوب إلا أنت؛ فاغفر لي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك