رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 29 نوفمبر، 2016 0 تعليق

اللسان مَرْكبٌ ذلول

مدح الله -تعالى- المؤمنين بأنهم معرضون عن اللغو وكل ما لا فائدة فيه والسفه الذي لا خير فيه

اللسان آلة سهلة العنان بها يقدر الإنسان على قول الخير وقول الشر فليعود نفسه على قول الخير وليجنب نفسه قول الشر والسوء

 

 

النطق والبيان من خصائص الإنسان، فالله -تعالى- أكرم الإنسانية بالنطق والإعراب عما في أنفسهم؛ فبالعقل والبيان افترقوا عن البهائم، فالبهيمة كُلُّ مَا لاَ نُطْقَ لَهُ، وسميت بذلك لِمَا فِي صوتِهِا مِنَ الإبْهَامِ وعدم البيان.

قال الراغب: «النطق أشرف ما خُصَّ به الإنسان؛ لأنه صورته المعقولة التي باين بها سائر الحيوانات؛ ولذلك قال -سبحانه-:{خَلَقَ اَلْإِنْسانَ عَلَّمَهُ اَلْبَيانَ} ولم يقل: وعلمه -بالواو-؛ لأنه -سبحانه- جعل قوله:{عَلَّمَهُ اَلْبَيانَ} تفسيرا لقوله:{خَلَقَ اَلْإِنْسانَ} لا عطفا عليه تنبيها على أن خلقه له وتخصيصه بالبيان الذي لو توهم مرتفعا لارتفعت إنسانيته؛ ولذلك قيل: ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة».

آلة البيان

     واللسان آلة البيان لدى الإنسان، وهو جارحة مهمة، بها قد يحصل الإنسان الخيرات والحسنات، أو يكسب بها الشرور والسيئات، ولهذا قيل: «اللسان مركب ذلول»، والمركب  هو ما يُرْكَب عليه في البرِّ والبحرِمن الدواب والآلات، والذلول هو سهْل الانقياد، والمراد أن اللسان آلة سهلة العنان، بها يقدر الإنسان على قول الخير وقول الشر؛ فليعود نفسه على قول الخير، وليجنب نفسه قول الشر والسوء.

     وبعض الناس -مع الأسف- لا يبالي بما يقول، ولا يهتم بما ينطق به؛ فيخوض في كل مجال، ويتطرق لكل موضوع، وبعضهم يستطيل في أعراض الناس بالتهم الباطلة، والمزاعم المكذوبة بلا دليل ولا برهان، إنما يقضي وقته بالمجالس بالغيبة والبهتان، ويتسلى بمضغ أعراض الناس، ويتفكه بنقل ما يصله من الأخبار بلا تثبت ولا تروًّ، وفي مثل هذا قيل: الصمت عن الخنى أفضل من الكلام في الخطأ.

     وقد تكاثرت النصوص الشرعية التي تنبه من خطر اللسان، وتحذر من عظيم أثره على الفرد والجماعة والدول، قال الله -سبحانه-:{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18)، قال الشيخ ابن سعدي: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} خير أو شر {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي: مراقب له، حاضر لحاله، كما قال تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}. ومعلوم أن ما يكتب على الإنسان من خير أو شر يجازى به، ويحاسب عليه بإذن الله تعالى ومشيئته.

     وقال تعالى:{أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}(الزخرف:80)، قال الشيخ ابن سعدي: «{أَمْ يَحْسَبُونَ} بجهلهم وظلمهم {أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ} الذي لم يتكلموا به، بل هو سر في قلوبهم {وَنَجْوَاهُمْ} أي: كلامهم الخفي الذي يتناجون به، أي: فلذلك أقدموا على المعاصي، وظنوا أنها لا تبعة لها ولا مجازاة على ما خفي منها، فرد اللّه عليهم بقوله:{بَلَى} أي: إنا نعلم سرهم ونجواهم، {وَرُسُلُنَا} الملائكة الكرام، {لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} كل ما عملوه، وسيحفظ ذلك عليهم، حتى يردوا القيامة، فيجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا».

الإعراض عن اللغو

     وقد مدح الله -تعالى- المؤمنين بأنهم معرضون عن اللغو وكل ما لا فائدة فيه فقال سبحانه:{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}(الفرقان:72). قال ابن عاشور: واللغو: الكلام العبث والسفه الذي لا خير فيه، ومعنى: {مروا كراماً} أنهم يمرون وهم في حال كرامة، أي غير متلبسين بالمشاركة في اللغو فيه، فإن السفهاء إذا مروا بأصحاب اللغو أنِسُوا بهم، ووقفوا عليهم، وشاركوهم في لغوهم، فإذا فعلوا ذلك كانوا في غير حال كرامة. وقال -سبحانه- وهو يعدد صفات المؤمنين:{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}(المؤمنون:1)

     قال الشيخ ابن سعدي: {اللَّغْوِ} وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة، {مُعْرِضُونَ} رغبة عنه، وتنزيها لأنفسهم، وترفعا عنه، وإذا مروا باللغو مروا كراما، وإذا كانوا معرضين عن اللغو، فإعراضهم عن المحرم من باب أولى وأحرى، وإذا ملك العبد لسانه وخزنه - إلا في الخير- كان مالكا لأمره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه وقال: «كف عليك هذا».فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة، كَفُّ ألسنتهم عن اللغو والمحرمات.

     وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، متفق عليه، قال ابن رجب: «فقوله صلى الله عليه وسلم : «فليقل خيرا أو ليصمت» أمر بقول الخير، وبالصمت عما عداه، وهذا يدل على أنه ليس هناك كلام يستوي قوله والصمت عنه، بل إما أن يكون خيرا، فيكون مأمورا بقوله، وإما أن يكون غير خير، فيكون مأمورا بالصمت عنه».

ومما يؤيد هذا المعنى حديث معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم : «إنك لن تزال سالمًا ما سكتَّ، فإذا تكلَّمت كُتِبَ لك أو عليك».أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان وصححه الألباني

خطورة اللسان

     ومن خطورة اللسان فإن الأعضاء كلها تتأثر به، فعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا» رواه الترمذي وحسنه الألباني.

     قوله: «تكفر اللسان» بتشديد الفاء المكسورة، أي: تتذلل وتتواضع، وقال في النهاية: التكفير هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعل من يريد تعظيم صاحبه «فتقول» أي الأعضاء له حقيقة أو هو مجاز بلسان الحال: «اتق الله فينا» أي: خفه في حفظ حقوقنا «فإنما نحن بك» أي نتعلق ونستقيم ونعوج بك «فإن استقمت» أي: اعتدلت «استقمنا» أي اعتدلنا تبعا لك «وإن اعوججت» أي: ملت عن طريق الهدى «اعوججنا» أي ملنا عنه اقتداء بك».

وجاء سفيان بن عبد الله الثقفي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له سائلاً: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: «هذا» أخرجه الترمذي، والمعنى هذا أكثر خوفي عليك منه.

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِر رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ».أخرجه الترمذي وصححه الألباني.

قال الطيبي: أي: احفظه عما لا خير فيه، وقال صاحب النهاية: أي لا تجره إلا بما يكون لك لا عليك.

     وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «عليك بُحسن الخلُق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده، ما تجمَّل الخلائق بمثلهما».أخرجه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني  وعن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : «لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبُه حتى يستقيم لسانه» رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك