رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد الفولي 4 نوفمبر، 2018 0 تعليق

الكويت تشارك في مؤتمر الهيئة العامة لدور الإفتاء في العالم

انطلاقًا من المسؤولية التي تقع على عاتق العلماء والدعاة، مع ما تتعرض له الدعوة إلى الله -عزوجل- من أزمات وتشويه، عقدت الأمانة العامة لهيئات ودور الإفتاء في العالم مؤتمرها الدولي الرابع، الذي بدأ صباح الثلاثاء الماضي في القاهرة، وبمشاركة وفود من 73 دولة عربية وإسلامية، للحديث حول (تجديد الفتوى بين النظرية والتطبيق).

 الأفكار المتطرفة

     في البداية أكد الدكتور شوقي علام -مفتي جمهورية مصر العربية ورئيس الهيئة العامة لدور الإفتاء في العالم- أن الاجتماع يأتي استمرارًا واستكمالا لجهود مواجهة ما يهدد الأمنَ والسلمَ العالميَ من أفكار متطرفة لا تمت إلى ديننا الحنيف بصلة.

      وأضاف علام في تصريح خاص لـ(الفرقان) أنه يثمّن المشاركة الكويتية الرسمية في مؤتمر الهيئة العامة لدور الإفتاء، وكذلك الوفود المشاركة من الدول العربية والإسلامية جميعها.

الرد على الشبهات

     وتابع، أن المؤتمر يأتي للتأكيد العملي على الرد على هذه الشبهات التي تصدر من الجماعات المتطرفة والتكفيرية التي شوّهت صورة الإسلام الحنيف، الذي جعله الله دين أمن وسلام، ومحبة وتعايش، قامت على مبادئه السمحة حضارة العمران، وتعاليم التسامح والتعايش، وقوافل نشرِ العلم والوعي، وعمارةُ الكون، وإيصالُ الخير للبشرية جمعاء، بلا تمييز بلون أو جنس أو عقيدة أو مذهب.

المعايير الأخلاقية

     وفي تصريح خاص لـ(الفرقان) قال الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر السابق: إن الفتوى لها معايير مهمة، أخلاقية ومهنية، ينبغي مراعاتها لتحقيق الفتوى كما ينبغي، وهذه المعايير الأخلاقية، منها الورع والتقوى، والزهد في الفتوى، وكذلك التحرر من الخوف ومن ضغوط الواقع، والتجرد من الهوى والعصبية بشتى أنواعها.

      وتابع؛ حيث ينبغي على المفتي أن يسوّي بين المستفتين، ولا يفرّق بين غني وفقير، ووجيه ووضيع؛ فطبيعة المسألة وما يلائم حال السائل، هما ما يجب أن يحدد طبيعة الفتوى الصادرة، ومن وصايا الإمام القرافي في هذا السياق قوله: «ولا ينبغي للمفتي إذا كان في المسألة قولان، أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تخفيف، أن يُفتي العامَّة بالتشديد، والخواصَّ من ولاة الأمور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين، والتلاعب بالمسلمين، ودليل فراغ القلب من تعظيم الله -تعالى- وإجلاله وتقواه».

المعايير المهنية

     وأردف، أما المعايير المهنية التي لابد وأن تتوافر فيمن يتصدى للفتوى؛ فمنها الأهلية العلمية التي تمكِّن المفتي من استظهار حكم الشرع في المسائل المعروضة عليه؛ فالإفتاء باب من القضاء، وقد قال رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم : «القضاة ثلاثة، واحد في الجنة واثنان في النار: أما الذي في الجنة؛ فرجلٌ عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، وأما اللذان في النار؛ فرجلٌ عرف الحق فقضى بغيره فهو في النار، ورجلٌ قضى بين الناس على جهل فهو في النار»، ومن ثَمَّ؛ فإن مجرد التصدي للإفتاء أو الفصل بين الخصوم على جهل وعدم تأهل، يكفي لدخول النار دون نظر إلى الفتوى أو الحكم الصادر، أي إن المفتي إن تصدى للإفتاء على جهل، فهو من أهل النار، حتى ولو تصادف أن ما أفتى به صواب!

    وأشار إلى أن من المعايير المهنية أيضًا، فَهمُ المسألة فهمًا دقيقًا، وفَهمُ نفسيةِ السائل وواقعه المعيشي، ومعرفة العُرف الجاري في بلد المستفتي، ومن الوصايا التي تُسطَّر بماء الذهب هنا قول الإمام القرافي أيضًا: «إذا جاءك رجلٌ من غير أهل إقليمك يستفتيك، فلا تُجْرِهِ على عُرف بلدك، واسأله عن عُرف بلده وأَجْرِهِ عليه، وأفتهِ به دون عُرف بلدك، ودون المقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدًا ضلالٌ في الدِّين، وجهلٌ بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين».

هجمة صهيونية

     كما التقت الفرقان بالدكتور يوسف أدعيس -وزير الأوقاف الفلسطيني- الذي أكد على أن قضية الفتوى من الأمور الخطيرة التي تُبنى عليها المجتمعات العربية والإسلامية، مؤكدًا على أنها لابد ألا تكون لآحاد الناس، وذلك لإغلاق الباب على الأفكار المتطرفة والتكفيرية التي تسعى لهدم المجتمعات وهدم استقرارها، مشيرا إلى أن هذه الجماعات شوهت صورة الإسلام الذي أتى للناس بالسلام.

علاقة قوية

     من جانبه قال الدكتور محمد ناصر المطيري -وكيل وزارة الأوقاف  الكويتية لشؤون العلاقات الخارجية، في تصريح للفرقان-: شاركنا في مؤتمر الفتوى بين النظرية والتطبيق في جهورية مصر العربية، في محافظة القاهرة، ودعوتنا إلى المشاركة في مؤتمر تجديد الفتوى بين النظرية والتطبيق يؤكد بما لا يدع مجالا للشك على عمق العلاقة بين دولة الكويت وجمهورية مصر العربية، وهذه العلاقة قديمة وقوية عبر التاريخ، وتتجدد كل يوم، وتزداد بفضل الله؛ فبيننا تعاون في كل الجوانب: علمية، أو خيرية، أو في وزارة الأوقاف، أوغير ذلك.

تجديد الوسائل

      وتابع المطيري، لا شك أن تجديد الفتوى ليس معناه تجديد الدين، ولكن هو تجديد للوسائل، كالتواصل مع الناس ونحو ذلك؛ فالحمد لله شاركنا مشاركة فاعلة، وساهمنا بما يمكن المساهمة فيه من الجلسات وورش العمل، وكذلك تقديم ورقة عمل للمؤتمر، والحمد لله تم الانتهاء منه بخطة مرسومة من خلال الجلسات وورش العمل، وتم طباعتها وتوزيعها.

الفتاوى التكفيرية

     وحول الفتاوى التكفيرية والفتوى الشاذة التي تنتشر في بعض الأحيان لتخريب المجتمعات وإفسادها، قال المطيري: لا شك أن الفتوى الشاذة اليوم وجدت من يروج لها، ولكن -بفضل الله عز وجل- ينبري لها أهل العلم، ويردون عليها، وكما يقولون: «لا يصح إلا الصحيح»، والفتوى الشاذة تُنهي نفسها بنفسها، ولا يبقى إلا ما هو مستمد من كتاب الله -عزوجل- وسنة  النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله اليوم صار القارىء واعيًا، والفتوى الشاذة -في الحقيقة- يمجّها العامّي قبل العالم، وهذا -بحمد لله- لأن الدين محفوظ كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.

الوسائل والآليات

     وفي الصدد نفسه أكد الدكتور مبارك الحربي -عضو هيئة الفتوى بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت وأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الكويت- على أهمية إيجاد الوسائل والآليات عند أهل العلم والاختصاص؛ لتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية في واقع الناس ومستجدات حياتهم.

المقصود بالتجديد

     وأضاف د. الحربي في تصريح خاص لـ(الفرقان) على هامش المؤتمر، أن المقصود بالتجديد في الفتوى هو «كل ما يحقق أهداف الشريعة الإسلامية وينفي عنها ما يخالفها»، مبينًا أنه ليس المقصد في التجديد أن نأتي بجديد في الدين؛ فالدين قد اكتمل، وأتمه الله -سبحانه وتعالى- قال الله -عز وجل-: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا}.

معان ومفاهيم

     وتابع، أن التجديد في التشريع الإسلامي له معان ومفاهيم محددة، ذكرها العلماء مثل (الإلغاء) بإلغاء أي أمر علق بالدين وهو ليس من الدين، كالبدع، والحوادث، والأمور التي ألصقت بالدين والدين منها براء.

     وأردف، أن هناك بعض الوسائل التي يمكن من خلالها الوصول إلى الحكم الشرعي عن طريق الاستعانة بأطراف أخرى كالمتخصصين في الطب، والاقتصاد والقانون والإعلام وغير ذلك.

محاور جديدة

     وبين الحربي أن المؤتمر يتضمن محاور جديدة تتعلق بالجمع بين النظرية والتطبيق والتأصيل للتجديد في الفتوى، مبينا أن هناك من يأتي بفتاوى قديمة كانت تناسب بيئة زمنية معينة ومكان معين، ويحاول أن يطبقها في الواقع المعاش، وهناك من يأتي بفتاوى لا تتوافق مع أصول الدين نفسها، مشيرا إلى أن المؤتمر يطرق هذا الجانب المهم، وهو التنظير من خلال الالتزام بالمبادئ والطرائق والأصول والضوابط.

     ولفت الدكتور الحربي إلى وجود بعض القضايا الجديدة التي تحتاج إلى إعادة نظر دون التسرع بإعطاء فتوى بحكم شرعي قبل المرور بمراحل عدة، كالتصوير والتأصيل والتدليل.

 توصيات المؤتمر

 خرج المؤتمر بمجموعة من التوصيات والقرارات المهمة التي خلص إليها من اقتراحات المشاركين من العلماء والباحثين، وقد جاءت التوصيات بما يلي:

- يثمن المؤتمر جهود الأمانة العامة لدور الإفتاء وهيئاته في العالم في تجديد الخطاب الديني، ولاسيما في مجال الإفتاء، ويقدر سبقها لجمع كلمة المعنيين بالإفتاء في العالم على ضرورة التجديد وأهميته.

- يؤكد المؤتمر على أن التجديد الرشيد هو أنجح وسيلة للرد على دعاوى المتطرفين على المستويات كلها.

- يؤكد المؤتمر على أن الإجابة عن أسئلة العصر وقضاياه الجديدة جزء لا يتجزأ من عملية التجديد، لا يجوز التواني فيه، وإلا كان تأخيرًا للبيان عن وقت الحاجة.

- التأكيد على وجوب نشر ثقافة التجديد، انطلاقا من أن التجديد منظومة متكاملة تشمل مجال الإفتاء والمجال الديني، ولا تنفصل عن باقي مجالات الحياة النفسية والاجتماعية.

- السعي الدائب لتفعيل جهود الأمانة العامة لدور الإفتاء وهيئاته في العالم، ونخص منها تفعيل الميثاق العالمي للإفتاء ومؤشر الإفتاء العالمي؛ سعيا للخروج من حالة الفوضى التي تعاني منها منظومة الإفتاء.

- حث دور الفتوى وهيئاتها ومؤسساتها بأنواعها على الاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة في نشر وتيسير الحصول على الفتوى الصحيحة، ولاسيما وسائل التواصل الاجتماعي.

- توصي الأمانة الباحثين وطلاب الدراسات العليا في الدراسات الشرعية والاجتماعية والإنسانية بالعناية بدراسات (التجديد في الفتوى)، والعناية البحثية بالعلوم التي تقوم بوصف الواقع والعلوم اللازمة للربط بين المعرفة الشرعية والواقع.

- التأكيد على ضرورة التجديد في قضايا الإفتاء شكلا وموضوعا، واستحداث آليات معاصرة للتعامل مع النوازل والمستجدات لتشمل -مع الجانب الشرعي- تحليل الأبعاد النفسية والاجتماعية.

- التأكيد على أهمية تفعيل منظومة القيم الحاكمة لإصدار الفتاوى الشرعية، ومعايير الجودة العلمية والحوكمة في مؤسسات الإفتاء العاملة.

- مد جسور التعاون المثمر بين الأمانة العامة لدور الإفتاء وهيئاته في العالم والهيئات والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان لتبادل المعارف والخبرات.

- التوسع في استشارة الخبراء والمختصين في المجالات الاقتصادية والطبية والسياسية والاجتماعية، عن طريق مذكرات التفاهم وبروتوكولات التعاون بين دور الإفتاء والمؤسسات الوطنية والدولية المعنية بذلك.

- التأكيد على تفعيل منظومة الإفتاء الرشيد في قضايا الأسرة، وأهمية أن تقوم المؤسسات الإفتائية بتقديم الاستشارات والتدريبات الأسرية السديدة، وأن تشارك كذلك في جلسات التحكيم في مراحل المشكلات الأسرية المختلفة.

- التنبيه على خطورة ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق في بعض المجتمعات والدول، والدعوة إلى النظر في الأسباب المركبة للظاهرة، واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لمواجهتها.

- تدشين أول مرصد لاستشراف المستقبل الإفتائي للتنبؤ بما لحركة الإفتاء في المستقبل كيف يكون؟ من خلال الأسئلة والسياقات وطريقة الرد.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك