الكويت .. بلد الخير
قال جريرُ بنُ عبدِالله رضي الله عنه : كنا عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في صدرِ النهارِ؛ فجاءه قومٌ حُفاةٌ عُراةٌ مُجتابي النِّمارِ أو العباءِ، مُتقلِّدي السيوف، عامَّتُهم من مُضَرَ، بل كلُّهم من مُضرَ؛ فتمعَّر وجهُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رأى بهم من الفاقةِ؛ فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذَّن وأقام، فصلَّى ثم خطب؛ فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»، وقرأ الآيةَ التي في الحشرِ: {اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ}، قال: «تصدَّق رجلٌ من دينارِه، من درهمِه، من ثوبِه، من صاعِ بُرِّه، من صاعِ تمرِه»، حتى قال: «ولو بشِقِّ تمرةٍ»؛ قال: فجاء رجلٌ من الأنصارِ بصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجِزُ عنها، بل قد عجَزتْ، ثم تتابع الناسُ، حتى رأيتُ كَوْمَينِ من طعامٍ وثيابٍ، حتى رأيتُ وجهَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يتهلَّلُ كأنه مَذهبةٌ؛ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً فله أجرُها وأجرُ مَن عمل بها بعدَه، مِن غير أن يَنْقُصَ من أجورِهم شيءٌ، ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً كان عليه وزرُها ووزرُ مَن عمل بها من بعده، من غير أن يَنْقُصَ من أوزارهم شيءٌ»(رواه مسلم).
إن إحساس المسلم بحاجة أخيه المسلم نعمة عظيمة، يمن اللهُ بها على أهل القلوب الطيبة الطاهرة من عباده، الذين يسعون في حاجات عباد الله. وأولئك هم أحب الناس إلى الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا؛ وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْـمَسْجِدِ شَهْرًا»، يَعْنِي مَسْجِدَ الْـمَدِينَةِ»(رواه الطبراني).
فما أفضل أن ينعمَ اللهُ عليك، ويَكفيَك، ويُغنيَك، ثم يحببَ إليك مساعدةَ الناس؛ فتكونَ من خير الناس، ومن أصحابِ اليدِ العليا المنفقةِ في سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اليد العليا خير من اليد السفلى»(متفق عليه).
أيادٍ بيضاء
ومن باب التحدث بنعمة الله -تعالى-، نقول: كم لهذا البلد الكريم ولأهله الكرام من أيادٍ بيض في الكثيرِ من بقاعِ هذا العالم، تساعدُ المحتاجين، وتغيثُ المنكوبين، وتعينُ على نوائب الحق؛ فأصبح أهل هذا البلد الطيبِ في ذلك يتسابقون، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين: 26).
صورة مشرقة
هذه الصورةُ المشرقةُ لهذا البلدِ الفياضِ بالعطاءِ -بفضل الله تعالى- لم تعد تخفى على أحد، كما لا تخفى الشمس في نهارها على أحد، إنها صورة العملِ الخيري الكويتي، الذي وصلت آثارُه إلى أقاصي الأرض، بفضل الله -تعالى- الذي حبب هذا العملَ الطيبَ في قلوبِ أهلِ هذا البلدِ الطيب، تبرعا وتخطيطا وتنفيذا ومتابعة، وأبدعوا في ذلك، وصار هذا العملُ الخيريُّ مُتْقَنًا مُقَنَّنًا، تنظمه القوانينُ والإجراءاتُ الرسمية؛ مما يدل على الحجمِ الكبيرِ للعمل الخيري الكويتي -بفضل الله-، وعلى الاهتمامِ المشكورِ من الدولةِ به دعمًا وتنظيمًا وتسهيلا للقائمين عليه والحمد لله.
مثالا يحتذى
ومن طافَ بمشاريعِ أهلِ هذا البلدِ في بلادِ العالمِ رأى آثارَ العملِ الخيري الكويتي، الذي صار مثالا يحتذى، لقد صارت دولةُ الكويتِ تتصدرُ قائمةَ الدولِ المانحةِ في كثيرٍ من دول العالم، والحمدُ والفضلُ والمِنَّةُ للهِ -جل جلالُه-، والحمد لله الذي حبب الخيرَ لأهلِ الخير وزينه في قلوب أهلِ كويتِ الخير. نسأل الله من فضله ورحمته أن يديم على أهله نعمتَه وفضلَه، وأن يعينهم على شكره كما يحب منهم ويرضى.
من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
وإحساس المسلم بحاجة أخيه المسلم والاهتمام به هو من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي أمرنا ربنا -تبارك وتعالى- بالاقتداء به واتخاذه أسوة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21).
هذا البلدِ الطيب
ولَقَدْ أنعم الله على أهل هذا البلدِ الطيب، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة؛ فسعوا في حاجة المحتاجين، وإغاثة المنكوبين، وما زالت الجهودُ الخيريةُ تنطلق من هذه الأرضِ الطيبةِ الطاهرة؛ لتبلغَ الآفاق؛ فتكفلَ اليتيم، وتبني المساجد، وتحفرَ الآبار، وتنشرَ الدعاةَ إلى الله، وتَكْفَلَ الأرامل، وتوزعَ الإغاثات، وتبني المدارسَ التعليميةَ، والمراكزَ الصحية، وغيرَها من أعمالٍ جليلةٍ انتزعت اعترافاتِ الحكوماتِ والدولِ بريادةِ دولةِ الكويت في المجالِ الخيري، وكان تتويجَ ذلكَ تكريمُ كويتِ الخيرِ بشخص أميرها -حفظه اللهُ ورعاه-، بتسميته قائدًا للعملِ الإنساني؛ وذلك مِنْ قِبَلِ أكبرِ جمعيةٍ دُوليةٍ عالمية، هي: جمعيةُ الأمم المتحدة.
دليل كبير
إنَّ اهْتِمَامَ هذا البلدِ بالبذلِ والعطاءِ ومساعدةِ المحتاجين؛ لهو دليل كبير على ارتباط هذا البلد الطيب وأهله بالإسلام شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا؛ فإِنَّ ديننا هو الذي يحث على الخير ويدعو إليه: قَال -تَعَالَى-: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج 77)، وقال -تَعَالَى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} (آل عمران: 104)، وقال -تَعَالَى-: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (المائدة: 48)، وقال -تعالى-: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (المؤمنون: 61)؛ فالحمد لله، الذي جعل عَمَلَ الخير سِمَةً لِبلادِنا بِلادِ الخير، أميرًا وحكومةً وَشَعْبًا؛ فهنا بلدُ التكافل الاجتماعي، وهنا بلدُ العطاءِ الإنساني.
لاتوجد تعليقات