رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ محمد الكوس 12 سبتمبر، 2019 0 تعليق

الكذب أخطر آفات اللسان

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ الْفَمُ وَالْفَرْجُ ، كانَ أعظمُ ما يخافُ منه النَّبيُّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- على أمتِّه هو اللِّسانُ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ؛ قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟، فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا».

ومن أخطر آفات اللسان الكذب هذه الخصلة الدنية الذميمة التي هي من خصال المنافقين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».

الكذب على الله -تعالى

     والكذب أنواع ومن أعظم أنواعه الكذب على الله تعالى، قال الله -جل وعلا-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}، ويقول أيضا: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ}.

     ومن الكذب على الله -عزوجل- أن يتكلم الإنسان في دين الله بغير علم، والآن أصبحت موضة، فنجد شخصا يجلس على جهاز الهاتف ويفتي بغير علم، والقول على الله -تعالى- بغير علم من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، وقد جعله الله -سبحانه وتعالى- عديل الشرك، وتوعد عليه بالعذاب الأليم، قال -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف:33)، وقال -سبحانه-:  {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النحل:116- 117).

التحريم والتحليل

     ومن آفات اللسان التحريم والتحليل قال -تعالى-: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}، ومن ذلك أنك تجد بعض الناس يجلس في مجلس ويطرح موضوعاً ما سائلاً عن حكمه؟ فتجد بعضهم يندفع بقوله: هذا حلال، والآخر يقول: هذا حرام، وكلهم جاهلون غارقون في الجهل ولم يدرسوا شيئا من دين الله -عز وجل-، ويتكلمون بالحلال والحرام؛ وهذا أمر شنيع جدًا عند الله.

الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم

     ومن الكذب كذلك الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم-، وقد توعد - صلى الله عليه وسلم- من كذب عليه بأشد الوعيد فقال: «إنَّ مِن أعظم الفِرَى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يُري عينه ما لم ترَ»، وأن يقول على رسول الله ما لم يقل»، وقال - صلى الله عليه وسلم-: «من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»، إن الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ليس ككذبه على أحد وقال أيضا: «من كذب عليَّ فليلج النار».

قصص عجيبة

     والآن بعض الناس يتناقل قصصاً عجيبة وغريبة عبر الرسائل الحديثة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقول: انشر تؤجر، ولا شك أنك تأثم وتساعد على نشر أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان، قبل أيام أرسل لي شخص مقطع يقول فيه: النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مع جبريل وعندما صعد إلى السماء قال: «يا جبريل هذا مكاني ولو صعدت احترقت»، وهذا كله كذب ما قال جبريل هذا الكلام جبريل يحترق ثم يقول أنه عندما بلغ المنزلة العالية قال لله -عز وجل-: التحيات لله والصلوات والطيبات، والله يقول له: السلام عليك أيها النبي، هذا كله كذب على الله وعلى جبريل وعلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لذلك لا يجوز للشخص أن ينشر أي كلام إلا إذا كان متأكدا متيقنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله، حتى أن بعض العلماء كالجويني -رحمه الله- قال: إن الكذب عن رسول الله كفر والعياذ بالله، وجريمة شنعاء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى كل ما يقوله وحي من الله كما قال -جل وعلا-: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى}.

الكذب لإضحاك الناس

     ومن الكذب الذي يتسلى به بعض الناس ما يسمى (بالنكات) وهو الذي يكذب ليضحك الناس، ومنها ما يحدث في المسلسلات والمسرحيات يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - متوعدا هذا الصنف: «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له»، قال بعض العلماء: ويل وادٍ في جهنم عياذا بالله -تبارك وتعالى.

الكذب في الحديث بين الناس

ومن الكذب، الكذب في الحديث الجاري بين الناس يقول: قلت لفلان كذا. وهو لم يقله. قال فلان كذا. وهو لم يقله. جاء فلان. وهو لم يأت وهكذا، هذا أيضًا محرم ومن علامات النفاق، كما قال النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب».

المبالغة في الإطراء والمدح

     ومن الكذب مدح الناس إلى درجة الكذب، والمسلم يجب أن يحاذر حينما يثني على غيره، فلا يذكر إلا ما يعلم من خير، ولا يجنح إلى المبالغة في تضخيم المحامد، وطيِّ المثالب، ومهما كان الممدوح جديرًا بالثناء، فإنَّ المبالغة في إطرائه ضرب من الكذب المحرم)، فعن المقداد - رضي الله عنه -، قال: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحثو في وجوه المداحين التراب»، قال النووي: «اعلم أنَّ مدح الإنسان والثناء عليه بجميل صفاته قد يكون في حضور الممدوح، وقد يكون بغير حضوره، فأمَّا الذي في غير حضوره، فلا مانع منه إلا أن يجازف المادح، ويدخل في الكذب، فيحرم عليه بسبب الكذب لا لكونه مدحًا، ويستحب هذا المدح الذي لا كذب فيه إذا ترتب عليه مصلحة، ولم يجرَّ إلى مفسدة، بأن يبلغ الممدوح فيفتتن به، أو غير ذلك».

كذب التاجر في بيان سلعته

     عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما-: «أن رجلًا أقام سلعة في السوق، فحلف فيها، لقد أعطى بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلًا من المسلمين»، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} (آل عمران: 77)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر؛ ليقتطع بها مال رجل مسلم...».

شهادة الزور

     الحيف في الشهادة من أشنع الكذب، فالمسلم لا يبالي إذا قام بشهادة ما أن يقرر الحقَّ، ولو على أدنى الناس منه وأحبهم إليه، لا تميل به قرابة ولا عصبية، ولا تزيغه رغبة أو رهبة، وتزكية المرشحين للمجالس النيابية، أو المناصب العامة، نوع من أنواع الشهادة فمن انتخب المغموط في كفايته وأمانته، فقد كذب وزوَّر، ولم يقم بالقسط، فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا، قلنا: بلى. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس. وكان متكئًا فجلس، وقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت».

التحذير من الكذب

وقد سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله-، هل ورد عن النبي أن المؤمن لا يكذب لكن قد يعمل المعاصي الأخرى، فما هو توجيه الحديث من كذب فتاب ويخشى أن يكون قد كتب كذابًا. فما عليه؟

     وقد أجاب -رحمه الله- قائلاً: المؤمن الصادق لا يكذب، ولكن قد يكذب لنقص إيمانه وضعف إيمانه، فالواجب على كل مؤمن أن يحذر الكذب، ينبغي أن يتحرى الصدق، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: عليكم بالصدق! فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإياكم والكذب! فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ويقول الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة:119)، ويقول -سبحانه-: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } (المائدة:119)، فالواجب تحري الصدق والحذر من الكذب أينما كان إلا في الأوجه التي يجوز فيها الكذب، تقول أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها: لم يسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها، في هذا لا بأس في الثلاث إذا كذب للمصلحة، في هذه الثلاث فلا بأس: الإصلاح بين الناس، وفي الحرب من غير أن يغدر، وفي حديث الرجل مع امرأته، والمرأة مع زوجها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك