رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد بن سعد المقرن 5 يناير، 2015 0 تعليق

القوامة الزوجية.. أسبابها، ضوابطها، مقتضاها(2)

 أسباب القوامة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء: 34).الله -سبحانه وتعالى- بيّن في الآية الكريمة سببين للقوامة التي جعلها للرجال، وهما:

السبب الأول: قوله سبحانه: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}. وهذا نص من الله -تعالى- على تفضيل الرجال على النساء؛ بما ركب الله -سبحانه- في الرجال من صفات وسمات وخصائص اقتضت تفضيل الرجال على النساء، وسواء أكانت تلك الخصائص والصفات من جهة الخلقة التي خلق الله عليها الرجال، أم من جهة الأوامر الشرعية التي تطلب من الرجال دون النساء.

     أما من جهة الخلقة التي خلق الله عليها الرجال فإن من المعلوم تفوق الرجال على النساء في الجملة في العقل والقوة، على عكس النساء، فهن جبلن على الرقة والعطف واللين، وهذا الأمر فضلاً عن كونه مشاهداً في الواقع، فإن النص القرآني قد جاء بتأييده، ومن ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- جعل شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، قال سبحانه: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ} (البقرة: 282).

     قال ابن كثير رحمه الله: «وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما قال مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت: يا رسول الله، ما نقصان العقل والدين؟ قال: «أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي لا تصلي، وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين».

     وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم وشهادة منه على نقصان عقل المرأة، ولعل هذا الأمر من أقوى الأمور التي يتمسك بها أعداء الإسلام الذين يزعمون باطلاً مساندتهم للمرأة، وأن ذلك – أي القول بنقصان عقل المرأة –؛ مما يجرح كرامتها وكبرياءها، وينادون بالمساواة مع الرجال، وإن المتأمل في دعاواهم ومكايدهم يتبين له قلة علمهم وضعف فقههم، إضافة إلى ما تكنّه صدورهم من الحقد والعداوة للإسلام وأهله، وبتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم يجد كل منصف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف المرأة بالجنون أو السفه، بل أخبر صلى الله عليه وسلم أن تركيبها التي خلقها الله -سبحانه وتعالى- عليه يستدعي نقصان العقل والدين مقارنة بالرجال، فالله -سبحانه- أعطى الرجل من قوة العقل وحسن التدبير ما لم يعطه المرأة، وأعطاه من أمور الدين ما لم يعطه المرأة، وليس ذلك ينقص من أجرها وثوابها، وإنما ذلك يتناسب وفطرتها التي فطرها الله -تعالى- عليها، بل في الحديث نفسه أثبت النبي صلى الله عليه وسلم قدرة النساء الضعيفات على سلب لبّ الرجال بما منحن الله -تعالى- من قدرة على ذلك، وقد وصف الله سبحانه مكر النساء وكيدهن بالعظمة كما قال سبحانه: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} (يوسف: 28).

أما من جهة الأمور الشرعية التي يطالَب بها الرجال دون النساء وكانت سبباً في تفضيلهم فذلك مثل، الجهاد وشهود الجمعة والجماعات وغيرها من العبادات التي لم تطلب من النساء.

في قوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}.

     حيث جعل سبحانه وتعالى إنفاق الرجال على النساء سبباً لقوامتهم عليهن؛ إذ إن الرجل اكتسب خاصية القوامة لكونه القائم على الزوجة من جهة الإنفاق والتدبير والحفظ والصيانة، ولا يرد هنا فرضية إنفاق الزوجة على زوجها مما يجعلها هي صاحبة القوامة؛ إذ إن ذلك مخالف للأصل الذي جعله الشارع، فالأصل أن الإنفاق يكون على الرجل فهو الذي يقوم بالمهر والنفقة والسكن لزوجته، وأما ما شذ عن ذلك فهو مخالف للأصل، فضلا عن أن الإنفاق سبب من أسباب القوامة؛ مما يستدعي مراعاة الأسباب الأخرى؛ ولعل من المناسب في هذا المقام إيراد كلام أئمة السلف -رضوان الله عليهم- في أسباب قوامة الرجل على المرأة.

يقول أبو بكر ابن العربي في قوله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}: «المعنى: إني جعلت القوامية على المرأة للرجل لأجل تفضيلي له عليها وذلك لثلاثة أشياء:

الأول: كمال العقل والتمييز.

الثاني: كمال الدين والطاعة في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العموم، وغير ذلك.

     وهذا الذي بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم منكن قلن: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: أليس إحداكن تمكث الليالي لا تصلي ولا تصوم؛ فذلك نقصان دينها، وشهادة إحداكن على النصف من شهادة الرجل، فذلك من نقصان عقلها»، وقد ذكر الله -سبحانه- ذلك في كتابه الكريم فقال: { أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ} (البقرة: 282).

الثالث: بذله المال من الصداق والنفقة، وقد نص الله عليه هاهنا.

     وقال ابن كثير في قوله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}؛ أي لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم لقولهصلى الله عليه وسلم : «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، وكذا منصب القضاء وغير ذلك، وقوله: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قَيِّماً عليها كما قال الله تعالى: {وللرجال عليهن درجة} (البقرة: 228).

     وقال الشوكاني رحمه الله في قوله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} قال: «الباء في قوله: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ}للسببية، والضمير في قوله: (بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) للرجال والنساء أي: إنما استحقوا هذه المزية لتفضيل الله للرجال على النساء بما فضلهم به من كون الخلفاء والسلاطين والحكام والأمراء والغزاة فيهم، وغير ذلك من الأمور.

     وقوله: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أي: وبسبب ما أنفقوا من أموالهم، وما مصدرية، أو موصولة، وكذلك هي في قوله: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ} ومن تبعيضية، والمراد: ما أنفقوه على النساء، وبما دفعوه في مهورهن من أموالهم وكذلك ما ينفقونه في الجهاد وما يلزمهم في العقل».

     وقال ابن عباس -رضي الله عنه- في قوله: {الرجال قوامون على النساء}: «يعني: أمراء عليهن، أن تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة إلى أهله حافظة لماله. وقوله: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ} وفضله عليها بنفقته وسعيه».

     وقال الشيخ محمد رشيد رضا: «وسبب ذلك – أي قوامة الرجال على النساء – أن الله تعالى فضل الرجال على النساء في أصل الخلقة، وأعطاهم ما لم يعطهن من الحول والقوة، فكان التفاوت في التكاليف والأحكام... وسبب آخر كَسْبِيٌّ يدعم السبب الفطري، وهو ما أنفق الرجال على النساء من أموالهم، فإن المهور تعويض للنساء ومكافأة على دخولهن بعقد الزوجية تحت رياسة الرجال، فالشريعة كرمت المرأة؛ إذ فرضت لها مكافأة عن أمر تقتضيه الفطرة ونظام المعيشة، وهو أن يكون زوجها قيِّماً عليها، فجعل هذا الأمر من قبيل الأمور العرفية التي يتواضع الناس عليها بالعقود لأجل المصلحة، كأنّ المرأة تنازلت باختيارها عن المساواة التامة، وسمحت له بأن يكون له عليها درجة واحدة وهي درجة القوامة والرياسة ورضيت بعوض مالي عنها».

     وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: «فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة، من كون الولايات مختصة بالرجال والنبوة والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والجمع، وبما خصهم الله من العقل والرزانة، والصبر، والجَلَد الذي ليس للنساء مثله وكذلك خصّهم بالنفقات على الزوجات، بل كثير من النفقات يختص بها الرجال، ويتميزون عن النساء».

      ويمكن القول باختصار هنا: إن قوامة الرجل على المرأة تكون بسبب الجانب الفطري الذي فطر الله -تعالى- الرجال عليها، من كمال العقل وحسن التدبير والقوة البدنية، والنفسية، وبسبب المسؤولية التي يتحملها الرجال للنساء من النفقة، والقيام على شؤونهن بالحفظ والرعاية.

 ضوابط القوامة:

     إن الشارع الحكيم لما جعل القوامة بيد الرجل بحكمته سبحانه وتعالى لم يجعل ذلك مطلقاً يستغله الرجال في إذلال النساء والتحكم فيهن، وفق أهوائهم وما تشتيه أنفسهم، بل قيد تلك الوظيفة بضوابط وقيود من شأنها أن تكون سبباً في فهم الرجال للقوامة التي أرادها الشارع، وتنبه النساء إلى ذلك، وتردع كل من يستغل تلك الوظيفة الشرعية لإهانة المرأة والحط من قدرها، وسلبها حقوقها.

     وهذا – أسفاً – هو واقع كثير من الرجال ممن جهلوا الحكم الشرعي لتلك الوظيفة الرائدة، فعملوا فيها بالجهل الذي هو سبب لكل شر والعياذ بالله، أو علموا الحكم الشرعي إلا أنهم تجاهلوا أو حمّلوا تلك الوظيفة ما لم تحتمل، فجعلوها نافذة يلجون من خلالها إلى حقوق المرأة ومكانتها فيعملون فيها بالهدم والتشويه، ونرجو أن تكون هذه الفئة من الرجال قليلة، إلا أنهم والحق يقال كانوا ولا زالوا سبباً رئيساً لامتعاض المرأة من هذه الكلمة (القوامة) بل حدا الأمر كثيراً من النساء إلى التمرد على تعاليم الدين الحنيف بسببها.

     ولذا فإننا نقول: إن الشارع الحكيم ضبط تلك القوامة، وبينها أحسن بيان؛ حيث وضح الحقوق التي يجب أن تتوافر للمرأة كاملة غير منقوصة، ووضح كذلك حقوق الرجل التي تُطالَب المرأة بتحقيقها، ولهذا استحقت هذه الشريعة المباركة أن توصف بأنها شريعة العدل، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} (البقرة: )، أي: عدولاً خياراً.

ويمكن القول بأن ضوابط القوامة الزوجية تتمثل في الآتي:

 أداء الزوج لواجباته:

ومن الواجبات الشرعية التي يجب على الرجل أداؤها:

أ – المهر:

وهو المال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطء، قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (النساء: 4).

وقد نقل الإجماع على وجوبه في النكاح ابن عبد البر قال: «أجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز له وطء في نكاح بغير صداق ديناً أو نقداً».

     وهذا المهر حق للمرأة أثبته الشارع لها توثيقاً لعقد الزواج الذي هو أخطر العقود، وتأكيداً على مكانة المرأة، وشرفها، ودليلاً على صدق رغبة الرجل في الارتباط بها؛ حيث بذل لها المال الذي هو عزيز على النفس، ولا يبذل إلا فيما هو عزيز، كما إنه سبب لديمومة النكاح واستمراره.

      قال الكاساني رحمه الله: «إن ملك النكاح لم يشرع لعينه، بل لمقاصد لا حصول لها إلا بالدوام على النكاح والقرار عليه، ولا يدوم إلا بوجوب المهر بالعقد نفسه؛ لما يجري بين الزوجين من الأسباب التي تحمل الزوج على الطلاق من الوحشة والخشونة، فلو لم يجب المهر بالعقد نفسه لا يبالي الزوج عن إزالة هذا الملك بأدنى خشونة تحدث بينهما؛ لأنه لا يشق عليه إزالته لما لم يخف لزوم المهر فلا تحصل المقاصد المطلوبة من النكاح؛ ولأن مصالح النكاح ومقاصده لا تحصل إلا بالموافقة، ولا تحصل الموافقة إلا إذا كانت المرأة عزيزة مكرَّمة عند الزوج، ولا عزة إلا بانسداد طريق الوصول إليها، ولا يكون ذلك إلا بمال له خطر عند الزوج؛ لأن ما ضاق طريق إصابته يعز في الأعين فيعزّ به إمساكه، وما يتيسر طريق إصابته يهون في الأعين فيهون إمساكه، ومتى هانت في عين الزوج تلحقها الوحشة فلا تقع الموافقة ولا تحصل مقاصد النكاح؛ ولأن الملك ثابت في جانبها – أي الزوجة – إما في نفسها وإما في المتعة، وأحكام الملك في الحرة تشعر بالذل والهوان، فلا بد أن يقابله مال له خطر لينجبر الذل من حيث المعنى».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك